يوميات الحرب الليبية (الحلقة الثالثة): زعيم «إمارة درنة» يتحصن بضاحية «لميس التركية» ويستخدم طيور الكناري لمراقبة هجمات الجيش

«السجن داخل براميل».. أحدث وسائل «داعش ليبيا» في ترهيب المواطنين للاستيلاء على أموالهم

عناصر أمن يقومون بتفتيش احى السيارات امام معبر حدودي («الشرق الاوسط»)
عناصر أمن يقومون بتفتيش احى السيارات امام معبر حدودي («الشرق الاوسط»)
TT

يوميات الحرب الليبية (الحلقة الثالثة): زعيم «إمارة درنة» يتحصن بضاحية «لميس التركية» ويستخدم طيور الكناري لمراقبة هجمات الجيش

عناصر أمن يقومون بتفتيش احى السيارات امام معبر حدودي («الشرق الاوسط»)
عناصر أمن يقومون بتفتيش احى السيارات امام معبر حدودي («الشرق الاوسط»)

كان الرجل ذو اللحية السوداء الطويلة، القادم من سجن غوانتانامو إلى مدينة درنة الليبية على ساحل البحر المتوسط، يريد أن يجعل منها إمارة إسلامية موالية لتنظيم القاعدة، لكن تطورات الأحداث منذ مقتل العقيد الراحل معمر القذافي حتى ظهور ما يسمى تنظيم «داعش في العراق والشام»، أجبر الرجل المدعو سفيان بن جومة، على تعديل خططه. إلا أن هذا ليس كافيا حتى الآن على ما يبدو للحفاظ على تماسك عدة مئات من القادة المتطرفين القادمين من دول مختلفة ويقودون شبانا من المتشددين واللصوص وقطاع الطرق، فقد تجاوز الأمر فكر تنظيم القاعدة وأصبح مطلوبا من الجميع في درنة موالاة تنظيم «داعش». ووفقا للمعلومات، لم يحسم «بن جومة» موقفه، بينما هو يتحصن في الضاحية المعروفة في المدينة باسم «ضاحية لميس التركية»، نسبة إلى ممثلة في أحد المسلسلات التركية، وأيضا لأن من قام بتنفيذ بناء المجمع السكني في تلك الضاحية في درنة، قبل عدة سنوات، كانت شركة تركية.

ويعد «بن جومة» في نظر قطاعات ليبية، أخطر رجل في درنة في الوقت الراهن، وتقول مصادر أمنية إنه بدأ في شراء منازل في «ضاحية لميس»، وأصبح يتحصن فيها مع زملائه من المتشددين، وغيّر اسم الضاحية من «لميس التركية» إلى «ضاحية السيدة خديجة». إلا أن الرجل الذي تجاوز عمره 55 عاما، لم يظهر على السطح بشكل مباشر حين أعلنت مجموعات من المتطرفين موالاتهم لتنظيم داعش، قبل أن يتوجهوا إلى مصرف المدينة لسرقة ما يساوي نحو 3 ملايين دولار. ويتخوف المتطرفون في درنة من نجاح «عملية الكرامة» التي أعلن عنها اللواء المتقاعد في الجيش، خليفة حفتر، لتحرير ليبيا من الإرهابيين والمتشددين.
ويقول قائد عسكري في معسكر على مشارف درنة، إن مخابرات الجيش تتابع «كل تصرفات تلك الجماعات التكفيرية، وساعة الحساب اقتربت»، مشيرا إلى أن المخابرات رصدت وجود خلافات بين قادة المتشددين في تلك المدينة الواقعة بين جبال وعرة التضاريس، لكن موقف «بن جومة» يبدو غامضا، كما يقول. ويضيف: «تشير المعلومات إلى أنه ما زال القائد الأول هناك، لكنه يبدو غير متحمس لما قام به بعض المتطرفين بموالاتهم (داعش)».
ويزيد موضحا: «بن جومة كان دائما قائدا معروفا بموالاته لتنظيم القاعدة، ودائما يحرص على أن يكون القائد الأول للمكان الذي يوجد فيه، ويريد أن يستمر في ذلك، سواء في تعامله مع باقي الجماعات الموجودة في ليبيا، أو مع التنظيمات الخارجية الدولية.. يريد أن يكون الأمر الأول للمدينة».
وحاولت «الشرق الأوسط» تدبير اتصال مع «بن جومة» لمعرفة دوره في درنة، لكن الوسطاء الذين قاموا بالاتصال به قالوا إنه لا يريد التحدث للصحافة. كما لم يحبذ شقيقه، وهو ضابط برتبة عقيد في البحرية الليبية في طبرق، الدخول في الجدل حول شقيقه بسبب حساسية وظيفته. ويقول مقربون من بن جومة إنه كان حتى منتصف هذا العام يداوم على زيارة أقاربه في طبرق، لكنه توقف عن ذلك بعد أن قرر الجيش ملاحقة المتطرفين.
وبينما تبدو الخلافات مقبلة لا محالة بين زعماء المتطرفين في درنة، كما يتوقع البعض، يقوم «بن جومة» بالإشراف على بناء تحصينات عسكرية في كهوف بالوديان المحيطة بالمدينة، استعدادا للهجوم الذي يعتزم الجيش الوطني الليبي شنه على درنة، لكن أطرف الملاحظات التي أوردها بعض المنشقين عن تلك الجماعات، تتلخص في أمرين؛ الأول لجوء بعض المتطرفين لسجن خصومهم في براميل، وسيرد الحديث عن هذه الطريقة في هذه الحلقة، والأمر الثاني قيام أتباع «بن جومة» بالاستعانة بطيور الكناريا، وذلك من خلال وضعها في أقفاص أمام بوابات الكهوف في جبال درنة، وهي بوابات جرى صنعها من قضبان الحديد والزجاج. والهدف من وضع الطيور على البوابات الزجاجية للكهوف، هو مراقبة ما إذا كان الجيش قد أطلق غازات سامة على المتشددين أم لا.
«إذا وقعت غارة بطائرات الجيش، فلا بد، قبل فتح باب الكهف المحصن، من التأكد من أن الطائر ما زال حيا، أما إذا وجدته ميتا، فيمنع فتح الباب حتى انتهاء مفعول الغازات السامة»، هكذا يقول سليمان الشرماوي، أحد القادة السلفيين في درنة ممن فروا أخيرا إلى مدينة البيضاء الواقعة قرب بنغازي. ومثله مثل غالبية السلفيين المعتدلين يطلق الشرماوي على جماعات المتطرفين في درنة لقب «الخوارج»، مشيرا إلى أن «فرضية لجوء الجيش لاستخدام الغازات السامة ضد الخوارج المتحصنين في الوديان، مستبعدة لأن الجيش لم يعد لديه مثل هذا النوع من الغازات»، مضيفا أن مخاوف «الخوارج» مستقاة من تجربتهم مع نظام القذافي الذي دكَّ وديان درنة على الخوارج بالطائرات والصواريخ حين هاجموا قوات الأمن والجيش في عام 1995.
ومثل كثير من قيادات التطرف في ليبيا، لم تعد الخارطة واضحة بالنسبة للمستقبل في درنة، لأن الأنواع الثلاثة لمعتنقي الفكر المتشدد أصبحت تقف على مفترق طرق. وهذه الأنواع الثلاثة هي «القيادات الإخوانية»، و«القيادات الموالية لـ(القاعدة)» و«القيادات الموالية لـ(داعش)»، وإن كانت جماعة «الإخوان» تحاول حتى الآن، من خلال قادتها في كل من مدينتي مصراتة وبنغازي، الاستفادة عسكريا من التنظيمين الأخيرين، مقابل «استرضاء بن جومة أولا»، وكذلك مقابل التستر على تحركات «القاعديين» و«الداعشيين» وإعطائهما شرعية رغم وضع المجتمع الدولي لهما على قوائم التنظيمات الإرهابية. ويوجد فيديو مسرب عن لقاء مبعوث من جماعة «الإخوان»، حين كانت تهيمن على حكم ليبيا قبل أشهر، مع «بن جومة» للتفاهم حول حكم البلاد في المرحلة المقبلة.
وفي حالة درنة، حاليا، يبدو الموقف شديد التعقيد؛ فالمدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 80 ألف نسمة وكانت في السابق مركزا للفنون والآداب، تخلو تماما من أي مظاهر للدولة.. لا جيش ولا شرطة ولا قضاء ولا مؤسسات. وتَشكَّلت فيها، منذ سقوط نظام القذافي، جماعات مسلحة متباينة، منها الجماعة السلفية، تحت اسم «كتيبة شهداء أبو سليم»، و«جماعة بن جومة» وهي أحد الفروع الرئيسة في تنظيم «أنصار الشريعة»، وهو تنظيم أعلن منذ وقت مبكر ولاءه لتنظيم القاعدة، إضافة إلى مجموعات من المتطرفين الأجانب الذين بادروا الشهر الماضي بإعلان الولاء لـ«داعش». ووفقا للمصادر الأمنية، أصبح يُشكِّل الغالبية في وسط المجموعة الأخيرة شبان من جنسيات سوريا وجزائرية ومصرية وأوروبية أيضا، حيث تعززت قوة المجموعة الأخيرة بوصول نحو 500 من دواعش سوريا إلى درنة عبر مركب رسا في ميناء المدينة أواخر شهر رمضان الماضي. ويوجد تعاون بين هذه الجماعات وجماعة «الإخوان» التي تقود عمليات المتطرفين ضد الجيش والشرطة سواء في طرابلس أو مدن الشرق، أو الجنوب.
ويقول الشرماوي، إن الغالبية العظمى من أتباع الفريق السلفي، خاصة ممن كانوا ينضوون تحت اسم «كتيبة شهداء أبو سليم»، فروا من درنة، تاركين أسلحتهم، إلى مدن مجاورة لا يوجد فيها نفوذ يذكر لأتباع «بن جومة» و«الدواعش»، كمدن طبرق والبيضاء وشحات. ويضيف أنه مهما قيل عن وجود خلافات بين قيادات الخوارج الذين يسيطرون على درنة، إلا أن القائد الأول في المدينة ما زال «بن جومة»، لافتا في الوقت نفسه إلى أن أتباع «بن جومة» في المدينة يتراوح عددهم بين 2000 و3000 عنصر، لكن ربع هذا العدد فقط من الليبيين، والباقي من الأجانب الذين قام معظمهم بتمزيق جوازات السفر الخاصة بهم بمجرد وصولهم إلى درنة «على أساس أنهم جاءوا ليبقوا».
ويوضح الشرماوي، الذي فر من المدينة الشهر الماضي مع أكثر من 30 من قادة التيار السلفي وكوادره، أن السلفيين في درنة كانوا منخرطين في «كتيبة شهداء أبو سليم»، لكن المتطرفين فيها سيطروا على الكتيبة، وبالتالي أصبحت تابعة لهم، وليست تابعة للسلفيين في الحقيقة، رغم أن جماعة «بن جومة» حرصت على ترك الاسم كما هو، لكي يبدو أن الكتيبة غيرت موقفها وأصبحت موالية لهم، وهو غير صحيح، مشيرا إلى أن جماعة «بن جومة» تتحكم في مساحات شاسعة من درنة وضواحيها، أي من منطقة «رأس هلال» حتى منطقة «الفتايح»، بالإضافة إلى مقار أخرى محصنة في الوديان الواقعة بين الجبال المحيطة بالمدينة من 3 جهات.
ويضيف: «هناك تحولت كهوف الوديان إلى مخازن للسلاح وأماكن لإقامة الخوارج أيضا، بمن فيهم (بن جومة) نفسه الذي أصبح يمتلك الكثير من المقار حيث يوجد أحيانا مع المقاتلين في الكهوف الواقعة في السفح الجبلي الممتد من جنوب وسط المدينة، وأحيانا في ضاحية (لميس التركية) غرب درنة حيث أصبحت الضاحية هي الأخرى معقلا خطيرا للخوارج من الليبيين والأجانب، بعد الاستيلاء على بيوت السكان هناك، سواء بالقوة أو بالشراء بأسعار زهيدة تحت تهديد السلاح، كما أن له مقار سكنية أخرى في منطقة (رأس هلال)».
ومن بين قادة السلفيين الذين فروا من المدينة هربا من القتل على أيدي أنصار «داعش» وأنصار «القاعدة»، الشيخ عبد السلام الذي يقيم في الوقت الحالي لدى أقاربه في طبرق، الذي قال: «درنة أصبح وضعها صعب جدا. أي أحد يشعر (الخوارج) أنه غريب عن المدينة يلقون القبض عليه كرهينة للمقايضة به. لكن هل يمكن أن تقول إن هؤلاء الذين ينتمون لـ(داعش) هم من قاموا بالعملية، لا يمكن أن يعترف أحد بهذا. هل يمكن أن تتهم جماعة (بن جومة)، هنا يرد بنفسه على عواقل المدينة ويقول لهم إنه لا شأن له بتصرفات الآخرين، وأنه ليست له جماعة. لكن في الحقيقة نحن كسلفيين نعده المسؤول الأول عن كل ما يجري في درنة».
ويضيف الشيخ عبد السلام موضحا موقف أتباعه من السلفيين مما يجري في درنة، أن الحقيقة هي أن هناك شبابا من السلفيين تركوا المدينة مضطرين ولجأوا إلى طبرق، وبعضهم لجأ إلى مدن أخرى أكثر استقرارا مثل البيضاء التي يوجد فيها مقر الحكومة. «المشكلة التي أمامك تتلخص في أن أي شخص يدخل درنة، وله علاقة بمجلس النواب أو له علاقة بـ(عملية الكرامة) أو الجيش أو الإعلام، يتم قتله على الفور.. في الفترة الماضية ألقوا القبض على رجل صحافي غربي.. وهم يعدون أي تصرف مع هذا النوع من الناس عملا مشروعا، ويقومون بالمقايضة به، بينما نحن كسلفيين نعد الكافر الذي يدخل بلاد الإسلام معاهدا لا يجوز قتله، ويحرم دمه كحرمة دم المسلم».
ويتابع موضحا أنه لهذا السبب «يكفروننا كسلفيين، لأننا نحن نطيع ولي الأمر، بينما هم يقولون إن طاعة ولي الأمر كفر.. ثم إنهم يقومون بتكفير من يحلقون لحاهم ومن يدخنون ومن لا يصلون إلا في بيوتهم، بينما نحن نرى أن هؤلاء مسلمين مثلنا مثلهم». ويصمت الشيخ عبد السلام قليلا ثم يتساءل قائلا: «من يحق له أن يكفِّر الذين يصلون في بيوتهم أو يحلقون لحاهم أو يدخنون؟! بل نحن نرى أن هؤلاء مسلمون عصاة، يمكن أن يتوب عليهم الله ويصبحون مشايخ».
وحين أدرك الشيخ عبد السلام أنه ربما سيكون هناك سفر إلى درنة خلال اليومين المقبلين، اعتدل في جلسته وهو يقول محذرا: «لا تذهب.. هذا خطر. يمكن أن تتحول لورقة، ويتلاعبون بك قبل قتلك. لا أنصح بالذهاب إليهم.. هؤلاء خونة. إذا ذهبت إليهم فلن ترجع.. على الأقل سيحتفظون بك إلى أن يجبروك على القتال معهم حين يأتيهم جيش حفتر وجيش الكرامة».
لكن هناك بعض شيوخ السلفية في درنة ما زالوا يقيمون فيها ولم يغادروا رغم الخطر. وهنا يقول الشيخ عبد السلام: «هذا لأن بعض السلفيين لديهم عائلات كبيرة لها وزن في المدينة، ولهذا لا يقترب منهم الخوارج، لكن يضايقونهم ويمنعونهم من اعتلاء منابر المساجد أو الإعلان عن أي تعاطف مع الجيش أو البرلمان، أما من ليست لهم عائلات كبيرة، فيتم التعدي عليهم وتهديدهم وضربهم أيضا وأحيانا يصل الأمر إلى القتل، كما حدث في الهجوم على (كتيبة شهداء أبو سليم) والاستيلاء عليها».
ويشير إلى أن هجوم «الخوارج» على «كتيبة شهداء أبو سليم»، جرى بعد انتخاب البرلمان الجديد منتصف هذه السنة، وذلك لأن قادة الكتيبة من السلفيين جهروا وقتها بالقول بأنهم يدعون للكتاب والسنة دون اقتتال، أي إنهم حرموا قتل المسلمين ومن يلجأ إليهم، وأنهم يريدون عودة الجيش والشرطة، وهذا لم يعجب «بن جومة»، وتسبب ذلك في مناوشات بينهما، ثم صارت مشكلة وحربا بالأسلحة.. «وعلى هذا انقرضت جماعة أبو سليم من درنة، فهناك، من بينهم، من طاوع الخوارج ومشى معهم، ومنهم من ترك الكتيبة واعتصم ببيته، وأصبح في حاله، ومنهم من ترك درنة أساسا. وأصبحت السيطرة الكلية لجماعة بن جومة ومن معه من عناصر من ليبيا ومن خارج ليبيا مثل الباكستانيين والجزائريين واليمنيين والمصريين».
وفي كل يوم يمر على مدينة درنة، وفي كل يوم ترد فيه أنباء عن تقدم الجيش في معقل المتطرفين في بنغازي المجاورة، تزيد درجة العنف في المدينة، ويحاول قادة «الخوارج» فيها إظهار قوتهم وتحديهم لقوات الجيش، وبالتالي تتضاعف مأساة درنة وسكانها.
وفي لقاءات مع فارين من درنة يقول أحد تجار المدينة، ويدعى حسين من قبيلة العشيبات، وهو يخضع للتفتيش في بوابة «وادي السهل»، التي تفصل بين درنة وطبرق، إن كل من يشتبه في رفضه لحكم الجماعات المتطرفة، أو يشتبه في موالاته للجيش والبرلمان، يتعرض للقتل بقطع الرأس كما يحدث في التلفزيون على أيدي «داعش» في العراق وسوريا، و.. «في كل يوم نعثر على الأقل على 3 أو 4 جثث مقطوعة الرؤوس، أو على رؤوس دون جثث».
واحتل المتطرفون في درنة مبنى البلدية، وكتبوا عليه: «المحكمة الشرعية»، وقاموا بإصدار أحكام على العشرات من جنسيات مختلفة ورموهم بالرصاص أو قطعوا رؤوسهم بمناشير خاصة بقطع الشجر، مرة في أرض معلب المدينة ومرة في ساحة مسجد «الصحابة» في وسط درنة. ورغم الإمكانات الأمنية المتواضعة للدولة، إلا أن رجال الجيش يواصلون فحص أوراق الأشخاص وسياراتهم من القادمين من درنة، وذلك في البوابة العسكرية الواقعة شرق المدينة، قبل السماح لهم بالتوجه إلى مدينة طبرق الأكثر أمنا والتي تنعقد فيها جلسات البرلمان ويقيم فيها كثير من رجال الدولة.
ومن بين الفارين من درنة أيضا، يقول أحد تجار الفاكهة إن المدينة أصبح يكثر فيها الليبيون الذين يرتدون ملابس أفغانية أو باكستانية الطابع ويشهرون أسلحتهم في وجه من لا يطيع أوامرهم، و«الغريب أن هؤلاء الليبيين يعملون مع جماعات من الغرباء الذين ينفقون أموالا ضخمة ويقتنون سيارات مسلحة ومجهزة ولا أحد يعرف من أين أتوا أو ماذا يريدون.. ما يقومون به حقا هو نهب الأموال من أهل درنة، وإطلاق الرصاص على من يعترض طريقهم»، مشيرا إلى أنه كلما تقدم الجيش الوطني في تحقيق الانتصارات على المتطرفين في أنحاء ليبيا، زادت عصبية هؤلاء، سواء كانوا ليبين أو أجانب.. «الآن أصبحوا ينصبون الحواجز في معظم شوارع المدينة، ومن يرون أنه ثري أو لديه مال، يقايضونه على نصيب من ثروته، وإلا قاموا باختطافه أو اختطاف أحد أفراد أسرته إلى أن يسدد لهم الفدية».
وتمكن الجيش خلال الأسبوعين الماضيين من فرض سيطرته على الطريق الدولي الجنوبي الواصل بين طبرق وبنغازي، وهو طريق يمر من جنوب درنة ويمتد لأكثر من 450 كيلومترا، وكانت الجماعات المتطرفة تسيطر عليه وتثير الرعب بين المسافرين، ووقع عليه كثير من الأعمال الانتقامية ضد عناصر الجيش والشرطة. وفي الوقت الراهن يحاصر الجيش مداخل درنة ومخارجها من الشرق ومن الغرب ومن الجنوب أيضا، ويسدد ضربات منتقاة على مواقع المتطرفين في المدينة وضواحيها.
ويقول رئيس أركان الجيش الليبي، اللواء عبد الرزاق الناظوري: «نحن الآن نسيطر على المداخل الثلاثة لدرنة، لكننا نترك الخوارج الذين فيها الآن، لأن معظمهم هربوا لبنغازي في محاولة منهم لمساندة المتطرفين هناك، لكن الكثير منهم لقي حتفه فيها»، مشيرا إلى أن هناك مجموعة جاءت من تنظيم داعش واستقرت في درنة، لكنه أكد أنه سيتم القبض عليهم، مشيرا إلى أن بينهم سوريين ومصريين وأفارقة من «تنظيم بوكو حرام» ومن الشيشان وأفغانستان وموريتانيا واليمن. ويسعى الجيش لاستنزاف قدرات المتطرفين، كما يقول اللواء الناظوري.. «حتى لا يصبح أمامهم غير الخروج من مواقعهم وأماكنهم، وهذا، في نهاية المطاف، يؤدي إلى القضاء عليهم بالتدريج».
وقصفت قوات الجيش منطقة «وادي الناقة»، ومحيط ضاحية «لميس التركية»، ثم أعقب القصف اشتباكات مع متطرفين كانوا يتحصنون قرب غابة «أبو مسافر» في المدخل الشرقي، كما أدت ضربات الجيش إلى انسحاب مجموعات المتطرفين الذين يطلقون على أنفسهم «الشرطة الإسلامية»، من شوارع المدينة والاختباء داخل مقر «شركة الجبل». ويرد المتطرفون بأنواع مختلفة من الأسلحة منها المدفع «23 مم» المضاد للطيران المنخفض.
وتعكس روايات عدد من شهود العيان القادمين من درنة إلى طبرق، أن حصار الجيش للمدينة بدأ يرهق المتطرفين فيها بالفعل، ويدفع بعضهم إلى محاولة الهروب، بعد أن تراجعت قدرتهم على جمع الأموال من الأسر الثرية بالمدينة أو من المسافرين عبر الطرق القريبة منها، كما كان يحدث في الأشهر الماضية. وبالتالي لم تعد القصص تقتصر على حوادث جمع الملايين من المقتدرين، كما كان قبل أسابيع، بل دخل على الخط نوع جديد من الحكايات عن عمال وموظفين وقعوا في قبضة المتطرفين، وخيروهم بين تسليم مدخراتهم البسيطة أو القتل.
ومن بين هؤلاء شاب، يدعى منصور، كان يقود شاحنة لنقل المياه في درنة، قبل أن يخرج منها، ويجلس على مدخل طبرق ليروي ما حدث له. يقول: «كنت أعمل على تلك الشاحنة لنقل المياه من محطة تقع على المدخل الشرقي للمدينة، إلى مزرعة تخص أحد أعيان درنة، لكن جماعة (داعش) استولت على مدخراتي وعلى تعبي، وأحمد الله أنهم لم يقتلوني».
وكان منصور يمر على بوابة للمتشددين يطلق عليها «بوابة الكاف» ويتناوب الحراسة عليها ما بين 3 و5 من المسلحين، وحين يصل عندهم، وقبل أن يعبر بشاحنة المياه، يلقي عليهم السلام، ويقول لهم أيضا «جزاكم الله خيرا»، لكي يتجنب أي مشكلات معهم، حيث كان يراهم في كثير من الأحيان وهم يحتجزون سيارة أو يضربون من فيها أو يصادرون متعلقات الآخرين. وكانوا يعرفون أنه من طبرق وأنه يعمل بأجر لدى رجل درناوي.
ويضيف منصور أنه بعد أن أعلن المتطرفون بدرنة ولاءهم لتنظيم داعش، رفعوا على «بوابة الكاف» الراية السوداء، وكتبوا على الجدران المجاورة «الدولة الإسلامية - ولاية درنة»، و«دولة الإسلام باقية». ثم بدأ منصور يلاحظ أن المجموعة أحضرت براميل فارغة ووضعتها خلف السور المجاور للبوابة.. «براميل من الصفيح من تلك التي نستخدمها أحيانا في تخزين المياه». وبعد ذلك يقول إنه لاحظ احتجاز حراس البوابة عددا من المواطنين داخل تلك البراميل، دون أن يفهم السبب، وإن بعض المحتجزين كان يظل في البرميل لعدة أيام حتى يبدو من ملامح وجهه أنه يشرف على الموت.
ويتذكر منصور أنه لم يشأ أن يسأل عما يجري، واكتفى بإلقاء التحية ومقولة: «جزاكم الله خيرا». ويزيد في أسى موضحا أنه كان يتقاضى نحو ألف دينار (أقل قليلا من ألف دولار) في الشهر من صاحب العمل، لأنه كان يقوم أيضا بمساعدته في الزراعة وسقاية الأغنام، وغيرها من الأعمال. وكلما تقاضى راتب شهر أرسله إلى أسرته في طبرق لكي تدخر له من أجل أن تخطب له الفتاة التي يريد أن يتزوجها.
وفي يوم من الأيام حان وقت السفر لإنهاء إجراءات الزواج. ويضيف: «بدلت ملابس العمل، وسلمت مفتاح الشاحنة لصاحبها وركبت سيارة أجرة، مع ركاب آخرين، وبدأنا في الخروج من درنة، إلى أن وصلنا إلى بوابة الكاف تلك التي كنت أسلم فيها على المسلحين وأقول لهم كل صباح: (جزاكم الله خيرا)، وحين رأوني في السيارة الأجرة تعرفوا عليَّ، لكنهم طلبوا مني أن أنزل، وصرفوا السيارة والركاب، وقالوا لي أنت تمر علينا منذ 7 أشهر، وتتقاضي ألف دينار، أي إننا نريد منك 7 آلاف دينار، وإلا قطعنا رأسك. وأخذوا مني هاتفي المحمول وحقيبة ملابسي».
وحين شرح لهم القصة، وأنه كان يرسل راتب كل شهر لأسرته في طبرق أولا بأول من أجل إجراءات الزواج، وأنه ليس معه أي أموال الآن إلا ثمن أجرة الانتقال إلى طبرق، وضعوه في واحد من تلك البراميل.. «قالوا لي ادخل، فتذكرت على الفور حالة من سبقوني ودخلوا قبلي في هذه البراميل.. وكان هناك 3 يصارعون الموت وتبدو رؤوسهم مائلة على حواف البراميل التي وضعوا فيها منذ عدة أيام».
ويضيف منصور أنه لم يكن يعرف أن هذا المحبس الصغير فيه العذاب كله.. يجبرك البرميل على أن تظل واقفا داخله ساعات وراء ساعات تحت الشمس. وإذا غفوت تنثني ركبتاك تحتك لكنهما تصدمان بالدائرة الحديدية الموجود داخلها.. «المهم غلبني الخوف والرعب.. كيف أتصرف؟ ومن أين آتي لهم بالأموال التي يريدونها.. وبقيت على هذه الحال يوما بطوله، بينما كانت جماعة البوابة تطبخ وتأكل وتشرب ولا يلتفتون للجوع والعطش والإعياء الذي يعانيه المحبوسون في البراميل. ومع غروب الشمس تقدم مني أحدهم وكانت لهجته سورية، وأعطاني قطعة خبز وقال لي: (تناول غداءك). ثم لحق به زميل له، وهو ليبي يتحدث بلهجة المدن الغربية، وأعطاني هاتفي المحمول وطلب مني أن أتصل بأسرتي وأطلب منها أن تبعث لي السبعة آلاف دينار مع سائق أي سيارة قادمة إلى درنة، وأن يسلمها لـ(بوابة الكاف)، دون أي ذكر لأي تفاصيل».
ولأن أسرة منصور اشترت حاجات العرس وأنفقت معظم ما أرسله لها من مدخرات، فقد استغرق الأمر أسبوعا من أجل أن تعيد جمع المبلغ بالاقتراض والبيع، وترسله له، ليعود لأسرته بخفي حنين بعد شهور من الكد والعمل.
ويوجد كثير من القصص الأخرى عن ضحايا «داعش» في درنة. ومن المعروف أنه يوجد العشرات من أبناء طبرق والبيضاء وبلدات أخرى في محيط درنة، محتجزين لدى المتطرفين هناك، ولا أحد يعلم إن كان قد جرى قتلهم أم ما زالوا على قيد الحياة. وبين وقت وآخر تظهر رواية جديدة لمقايضة على حياة شخص مقابل مبلغ من المال.
وعثر أهالي درنة على جثة شاب يدعى أسامة الحاسي مقتولا قرب بوابة «الحيلة» التي يسيطر عليها «داعش» في منطقة الفتايح، بزعم أنه مؤيد للبرلمان. وفي واقعة أخرى طلبت عناصر تنسب نفسها لـ«داعش» 50 ألف جنيه من أسرة أحد شبان طبرق الذين اختطفتهم، حين كان مارا بدرنة من الطريق الساحلي، الأسبوع الماضي، وحين جرى تسليم المبلغ أخطرهم أحد أفراد التنظيم أن ابنهم موجود خلف مسجد الصحابة بالمدينة، ويمكنهم أن يتسلموه من هناك، وحين توجهوا إليه، وجدوه جثة مقطوعة الرأس. وكان هذا الشاب منتسبا للجيش في السابق، وتقول أسرته إنه خرج من الخدمة منذ عام 2009.
ويقول عسكريون ليبيون يرابطون حول مداخل درنة ومخارجها إنه كلما ازداد الحصار، ارتفعت وتيرة التوتر والتصرفات الهوجاء والانتقامية من جانب المتطرفين، مثلما حدث من استعراض للقوة في ساحات المدينة وإجبار المواطنين على التجمع في الساحات وإعلان الولاء لتنظيم داعش بالقوة، لافتا إلى أن هذا يحدث بالتزامن مع عمليات سرقة أموال من الناس ومن المتاجر والمصارف أيضا، وبالتزامن كذلك مع فرار عدد من قادة التطرف إلى خارج درنة، وكان آخرها القبض على 5 بينهم يمنيان ومصري، يعتقد أنهم كانوا في طريقهم للتسلل إلى مصر عبر الصحراء. وألقى القبض على هؤلاء الخمسة، بالمصادفة، شبان من طبرق، وقاموا بتسليمهم للجيش.
وتقول المصادر الأمنية إن «بن جومة» هدد بذبح عدد من أبناء طبرق المحتجزين في درنة في حال عدم تسليم الدواعش الخمسة لـ«ولاية درنة»، مشيرا إلى أن شخصيات من أهالي طبرق ودرنة توسطوا في عملية المقايضة حيث جرى تحرير 13 من أبناء طبرق الذين كانوا محتجزين لدى متطرفي درنة.

يوميات الحرب الليبية (2): «إخوان» ليبيا أسسوا جهاز مخابرات في طبرق.. وسعوا لاغتيال نواب من البرلمان الجديد ترصد خط النار بين مصراتة وبنغازي
يوميات الحرب الليبية (الحلقة الأولى): عناصر الأمن أكثر من المسافرين على حدود ليبيا.. وتحذير من «بوابات» للمتطرفين


الحوثيون: نفذنا 3 عمليات عسكرية في خليج عدن والمحيط الهندي

مدمرة أميركية في البحر الأحمر لحماية السفن من هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
مدمرة أميركية في البحر الأحمر لحماية السفن من هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون: نفذنا 3 عمليات عسكرية في خليج عدن والمحيط الهندي

مدمرة أميركية في البحر الأحمر لحماية السفن من هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
مدمرة أميركية في البحر الأحمر لحماية السفن من هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)

أعلن الحوثيون، المدعومون من إيران، مساء اليوم (الأربعاء)، تنفيذ 3 عمليات عسكرية في خليج عدن والمحيط الهندي، استهدفت سفينة ومدمرة حربية أميركيتين، وسفينة إسرائيلية.

وقال المتحدث باسم القوات المسلحة للحوثيين العميد يحيى سريع إن القوات البحرية في القوات المسلحة اليمنية - الحوثية - نفذت عملية عسكرية استهدفتْ سفينة «ميرسك يورك تاون» الأميركية في خليج عدن، بعدد من الصواريخ البحرية المناسبة وكانت الإصابة دقيقة.

وأوضح سريع أن سلاح الجو المسير نفذ عمليتين عسكريتين استهدفتْ إحداهما مدمرة حربية أميركية في خليج عدن بعدد من الطائرات المسيرة واستهدفت العملية الأخرى سفينة «إم إس سي فيراكروز» الإسرائيلية في المحيط الهندي بعدد من الطائرات المسيرة، وقدْ حققت العمليتان أهدافهما بنجاح، وفقاً للبيان.


العليمي يدعو غروندبرغ للتركيز على أفعال الحوثيين لا أقوالهم

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني استقبل في الرياض المبعوث الأممي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني استقبل في الرياض المبعوث الأممي (سبأ)
TT

العليمي يدعو غروندبرغ للتركيز على أفعال الحوثيين لا أقوالهم

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني استقبل في الرياض المبعوث الأممي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني استقبل في الرياض المبعوث الأممي (سبأ)

في حين يواصل المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ مساعيه من أجل إحراز تقدم لإنجاز خريطة السلام في اليمن وخفض التصعيد، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي إلى التركيز على أفعال الحوثيين لا أقوالهم، في إشارة إلى عدم جديتهم لطي صفحة الصراع.

جاء ذلك في وقت أبلغت فيه، هيئتان بريطانيتان، الأربعاء، عن هجوم على سفينة شحن غرب عدن، دون وقوع أضرار، حيث يشن الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وقالت شركة «أمبري» للأمن البحري إنها على دراية بحدوث واقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة عدن اليمنية، في حين أفادت هيئة العمليات البريطانية عن وقوع الهجوم على بعد 72 ميلاً من ميناء جيبوتي، حيث دوى انفجار بالقرب من سفينة شحن وأبلغ القبطان بعدم وجود أضرار.

وإذ يؤمل المبعوث الأممي غروندبرغ أن تقود مساعيه إلى فصل مسألة السلام اليمني عن الصراع في المنطقة، اختتم زيارة إلى الرياض التقى خلالها رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ووزير خارجيته، إضافة إلى لقاء جمعه مع السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، لبحث سبل إحراز تقدم في خريطة الطريق الأممية.

وأوضح آل جابر في تغريدة على منصة «إكس» أنه جرى خلال اللقاء مناقشة آخر المستجدات والجهود بشأن خريطة الطريق للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن، وأنه تم التأكيد على دعم السعودية لجهود المبعوث لتحقيق الأمن والسلام والتنمية في اليمن لرفع المعاناة عنه.

في السياق نفسه، أفاد الإعلام اليمني الرسمي بأن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي استمع من غروندبرغ خلال استقباله له في الرياض إلى إحاطة حول نتائج اتصالاته الأخيرة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، والأولويات المطلوبة لإحياء مسار العملية السياسية، بما في ذلك النقاشات الجارية بشأن ضمانات وقف الميليشيات الحوثية لهجماتها الإرهابية على مختلف الجبهات، والاستماع لصوت العقل، وتغليب مصالح الشعب اليمني على أي مصالح أخرى.

ونقلت وكالة «سبأ» الحكومية أن العليمي أكد باسمه وأعضاء المجلس الرئاسي الذي يقوده والحكومة، الدعم الكامل لجهود السعودية، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة، من أجل إحياء مسار السلام في بلاده، والتخفيف من وطأة الأوضاع المعيشية التي فاقمتها الهجمات الإرهابية للميليشيات الحوثية على المنشآت النفطية، وخطوط الملاحة الدولية بدعم من النظام الإيراني.

وطبقاً للوكالة، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي التزام المجلس والحكومة، بالتعاطي الإيجابي مع الجهود الرامية كافة لإحلال السلام بموجب المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية، وخصوصاً القرار 2216 الذي يمثل خريطة طريق مثلى لتحقيق تطلعات جميع اليمنيين.

وجدد العليمي التأكيد على أهمية تركيز الوساطة الأممية على أفعال وليس أقوال من وصفها بـ«الميليشيات الإرهابية» للتحقق من جديتها في التعاطي مع جهود السلام، بما في ذلك وقف تصعيدها الحربي، وهجماتها الإرهابية على المنشآت والأعيان المدنية.

تبنى الحوثيون مهاجمة نحو 100 سفينة منذ بدء التصعيد البحري في نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)

كما دعا إلى وقف الجماعة الحوثية انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، وعسكرة الحياة الاجتماعية، والإفراج عن جميع المحتجزين، وإنهاء إجراءاتها الأحادية المدمرة للاقتصاد الوطني، والقيود المفروضة على حركة الأموال والسلع ومرتبات الموظفين في المناطق الخاضعة لها بالقوة.

وكان المبعوث الأممي قبيل زيارته إلى الرياض زار مسقط والتقى بمسؤولين عمانيين إلى جانب لقائه المتحدث باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها محمد عبد السلام فليتة، حيث ناقشوا سبل إحراز تقدم في خريطة الطريق الأممية لليمن، وضرورة خفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط على نطاق أوسع.

تراجع الهجمات والضربات

شهدت الهجمات الحوثية البحرية في الآونة الأخيرة تراجعاً ملحوظاً، كما تراجعت في المقابل الضربات الغربية، التي تأمل واشنطن أن تكون أثرت على قدرات الجماعة العسكرية.

وتبنى زعيم الجماعة الحوثية في أحدث خطبة قبل أسبوع مهاجمة 98 سفينة منذ بدء التصعيد في نوفمبر الماضي، مهدداً باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي.

وفيما يدعي الحوثي أن هجمات جماعته نصرة للفلسطينيين في غزة، تفند الحكومة اليمنية هذه السردية وتتهم الجماعة وحلفاءها في لبنان والعراق بتنفيذ أجندة إيران.

ويقول الجيش الأميركي إن الحوثيين هاجموا السفن في 122 مناسبة، وإن قواته نفذت قرابة 50 ضربة على الأرض لتقليص قدرات الحوثيين ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وطبقاً للقيادة المركزية الأميركية، أثرت هجمات الحوثيين على مصالح أكثر من 55 دولة، وهدّدت التدفق الحر للتجارة عبر البحر الأحمر، الذي هو حجر الأساس للاقتصاد العالمي، حيث دفعت الهجمات أكثر من عشر شركات شحن كبرى إلى تعليق عبور سفنها عبر البحر الأحمر؛ ما تسبب في ارتفاع أسعار التأمين على السفن في المنطقة.

وكانت واشنطن أطلقت تحالفاً دولياً، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سمَّته «حارس الازدهار»، لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها على الأرض. وانضم لها الاتحاد الأوروبي للمساهمة في حماية السفن دون توجيه ضربات مباشرة للحوثيين.

ومنذ تدخل الولايات المتحدة عسكرياً، نفَّذت أكثر من 400 غارة على الأرض ابتداء من 12 يناير الماضي لتحجيم قدرات الحوثيين العسكرية، أو لمنع هجمات بحرية وشيكة. وشاركتها بريطانيا في 4 موجات من الضربات الواسعة.

وأُصيبت نحو 16 سفينة خلال الهجمات الحوثية، إلى جانب قرصنة «غالاكسي ليدر»، واحتجاز طاقمها، وتسببت إحدى الهجمات، في 18 فبراير (شباط) الماضي، في غرق السفينة البريطانية «روبيمار» بالبحر الأحمر بالتدريج.

كما أدى هجوم صاروخي حوثي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس».


فريق تقييم الحوادث في اليمن: نتعامل بجدية مع الادعاءات كافة

المستشار منصور المنصور المتحدث باسم فريق تقييم الحوادث في اليمن خلال المؤتمر الصحافي الأربعاء (الشرق الأوسط)
المستشار منصور المنصور المتحدث باسم فريق تقييم الحوادث في اليمن خلال المؤتمر الصحافي الأربعاء (الشرق الأوسط)
TT

فريق تقييم الحوادث في اليمن: نتعامل بجدية مع الادعاءات كافة

المستشار منصور المنصور المتحدث باسم فريق تقييم الحوادث في اليمن خلال المؤتمر الصحافي الأربعاء (الشرق الأوسط)
المستشار منصور المنصور المتحدث باسم فريق تقييم الحوادث في اليمن خلال المؤتمر الصحافي الأربعاء (الشرق الأوسط)

أكد المستشار منصور المنصور، المتحدث باسم فريق تقييم الحوادث في اليمن، أن الفريق مستمر في تلقي الادعاءات حتى في ظل عدم وجود أي عمليات جوية في اليمن، ويأخذ على محمل الجد أي تقارير أو حالات تصل إليه من أي جهة.

ولفت المنصور خلال مؤتمر صحافي عقده في العاصمة السعودية الرياض، الأربعاء، وفند فيه بعض الادعاءات الواردة، إلى أن مدة دراسة الحالات تختلف بحسب المعلومات المتوفرة للفريق وإمكانية التوصل لرأي قاطع بشأنها، معرباً في الوقت نفسه عن انفتاح فريق التقييم على مراجعة أي حالة ترد فيها معلومات جديدة حتى بعد سنوات.

وشدد المتحدث باسم فريق تقييم الحوادث في اليمن على أنهم ينطلقون على القاعدة القانونية التي تفيد بأن «الانتهاكات لا تسقط بالتقادم»، وأضاف قائلاً: «مهمتنا الرئيسية التحقيق بصورة موضوعية واستعراض النتائج، ونأخذ على محمل الجد جميع الادعاءات التي تصل إلينا».

في تقريره، أشار المنصور إلى رصد الفريق المشترك في التقرير الصادر من منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» في مارس (آذار) 2020، سقوط ثلاث ذخائر عام 2016 على (مركز الغيل الصحي) في مديرية (الغيل) بمحافظة (الجوف)؛ حيث كان الحوثيون يحتلون المركز ويستخدمونه مركزاً عسكرياً. الهجوم دمر المبنى جزئياً.

وبعد التحقق من الإجراءات كافة وتقصي الحقائق الحادثة المذكورة – بحسب المنصور – تبين وجود آثار أضرار داخل محيط (مركز الغيل الصحي) ولم يتمكن الفريق المشترك من تحديد أسبابها، كما اتضح عدم توافق وصف الهدف العسكري لقوات التحالف (تجمعات عناصر مقاتلة تابعة لميليشيا الحوثي المسلحة) في أرض فضاء، مع الوصف الوارد في الادعاء (مركز الغيل الصحي)، إلى جانب عدم توافق عدد الذخائر المستخدمة من قبل قوات التحالف (قنبلة واحدة) على الهدف العسكري، مع عدد الذخائر الواردة بالادعاء (ثلاث ذخائر).

ومن ثم، توصل الفريق المشترك إلى أن قوات التحالف لم تستهدف (مركز الغيل الصحي) بمديرية (الغيل) بمحافظة الجوف، كما ورد بالادعاء.

الحالة الثانية كانت ما ورد في تقرير اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان باليمن، عن قيام طيران التحالف باستهداف منزلين بمديرية رازح التابعة لمحافظة صعدة خلال عام 2017، نتج عن الاستهداف تدمير المنزلين ومقتل وإصابة عدد من الأشخاص، وتدمير سيارتين.

وبعد التحقق من جميع الأدلة الواردة توصل الفريق المشترك إلى أن قوات التحالف لم تستهدف المنزلين محل الادعاء في صعدة.

الحالة الأخيرة التي استعرضها المستشار المنصور كانت ما ورد للفريق المشترك عن إصابة رجل وطفلين نتيجة استهداف منزل سكني بمديرية الجراحي في الحديدة خلال عام 2021. ووفقاً للمتحدث، فإنه بعد البحث وتقصي الحقائق عن وقوع الحادثة، تبين للفريق المشترك أن قوات التحالف لم تنفذ أي مهام جوية على كامل محافظة الحديدة خلال تلك الفترة، وعدم مسؤولية قوات التحالف عن استهداف المنزل السكني محل الادعاء.


السيسي يحذر من التداعيات «الكارثية» لأي عملية عسكرية في رفح

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي (د. ب. أ)
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي (د. ب. أ)
TT

السيسي يحذر من التداعيات «الكارثية» لأي عملية عسكرية في رفح

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي (د. ب. أ)
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي (د. ب. أ)

حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم الأربعاء من أي عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية بقطاع غزة.

وبحسب «وكالة أنباء العالم العربي»، قال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أحمد فهمي إن هذا التحذير جاء في اتصال هاتفي بين السيسي ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، مشيرا إلى أن الرئيس المصري حذر مما وصفها بالتداعيات «الكارثية» على الوضع الإنساني لأي عملية عسكرية في رفح.

وأضاف المتحدث في البيان، الذي نشرته الرئاسة المصريةعلى فيسبوك، أن الرئيس شدد أيضا على ضرورة وقف الحرب الجارية في قطاع غزة، لافتا إلى أن أي عمليات عسكرية في رفح الفلسطينية سيكون لها تداعيات كارثية على الوضع الإنساني في القطاع، وكذلك على السلم والأمن الإقليميين، «الأمر الذي يؤكد أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسئولياته لتنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة»، بحسب البيان.

وقال المتحدث إن الجانبين «توافقا على أهمية العمل بشكل عاجل للوصول إلى وقف لإطلاق النار، ولضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل كاف إلى كافة مناطق قطاع غزة لحمايته من المأساة الإنسانية التي يتعرض لها، مع التشديد على ضرورة التحرك نحو إنفاذ حل الدولتين بما يسهم في استعادة الاستقرار الإقليمي وإرساء الأمن والسلام في المنطقة».

كان رئيس هيئة الاستعلامات المصريّة ضياء رشوان قال أمس الثلاثاء إن مصر لم تجر مطلقا أي مداولات مع إسرائيل حول خطط اجتياح مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، نافيا بشكل قاطع ما نشرته إحدى الصحف الأميركية من أن مصر تداولت مع إسرائيل حول خططها للاجتياح المزمع.

وأكد رشوان في بيان أن «الموقف المصري ثابت ومعلن عدة مرات من القيادة السياسية بالرفض التام لهذا الاجتياح»؛ وقال إن القيادة المصرية حذّرت من أن اجتياح رفح سيؤدي إلى «مذابح وخسائر بشرية فادحة وتدمير واسع».


«حماس» تنشر مقطعاً مصوراً لرهينة في قطاع غزة

جانب من المسيرات المطالبة بالإفراج عن الرهائن الموجودين لدى «حماس» (أ.ف.ب)
جانب من المسيرات المطالبة بالإفراج عن الرهائن الموجودين لدى «حماس» (أ.ف.ب)
TT

«حماس» تنشر مقطعاً مصوراً لرهينة في قطاع غزة

جانب من المسيرات المطالبة بالإفراج عن الرهائن الموجودين لدى «حماس» (أ.ف.ب)
جانب من المسيرات المطالبة بالإفراج عن الرهائن الموجودين لدى «حماس» (أ.ف.ب)

نشرت حركة «حماس»، اليوم الأربعاء، عبر قناتها الرسمية على «تلغرام»، مقطعاً مصوراً لرهينة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

كانت حركة «حماس» شنت حينها هجوماً غير مسبوق داخل إسرائيل أدى إلى مقتل 1170 شخصاً، معظمهم من المدنيين، بحسب تعداد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، استناداً إلى بيانات رسمية إسرائيلية.

وخُطف أكثر من 250 شخصاً ما زال 129 منهم محتجزين في قطاع غزة، بينهم 34 توفوا على الأرجح، وفق مسؤولين إسرائيليين.


البنك الدولي: تصاعد الصراع يفاقم التحديات الاقتصادية في اليمن والمنطقة

من المتوقع حدوث مزيد من التدهور في الأمن الغذائي بسبب هجمات الحوثيين على السفن (د.ب.أ)
من المتوقع حدوث مزيد من التدهور في الأمن الغذائي بسبب هجمات الحوثيين على السفن (د.ب.أ)
TT

البنك الدولي: تصاعد الصراع يفاقم التحديات الاقتصادية في اليمن والمنطقة

من المتوقع حدوث مزيد من التدهور في الأمن الغذائي بسبب هجمات الحوثيين على السفن (د.ب.أ)
من المتوقع حدوث مزيد من التدهور في الأمن الغذائي بسبب هجمات الحوثيين على السفن (د.ب.أ)

حذر البنك الدولي من أن يؤدي التوتر المتزايد في الشرق الأوسط إلى تفاقم التحديات الاقتصادية في بلدان المنطقة الهشة، والمتأثرة بالصراعات، مثل اليمن الذي يعاني بالفعل من صعوبات مالية، ونقدية كبيرة.

وأكد البنك في تقرير له عن الأوضاع في الشرق الأوسط أن تفاقم الصراع سيؤدي إلى زيادة في التنافس على المساعدات الخارجية المحدودة، والناتجة عن تداخل عدة أزمات متزامنة حول العالم، وقال إن هذه الأزمات قد تؤدي إلى تقليص المساعدات المقدمة إلى بلدان محددة تعاني من أوضاع هشة، والصراع والعنف، وتفاقم الأزمات المالية العامة.

اليمن مهدد بتفاقم الفقر والجوع بسبب نقص التمويل واستمرار الصراع وهجمات الحوثيين (الأمم المتحدة)

وأوضح أن آليات التكيف القاسية، ومنها إخراج الأطفال من المدارس، ودفعهم إلى العمل، وتزويجهم في سن مبكرة، وإلحاقهم بأعمال خطرة، تنتشر بالفعل في هذه البلدان، وقال إنه من المتوقع أن تزيد هذه الظواهر بصورة أكبر.

وتناول التقرير كيف أن برنامج الأغذية العالمي عندما واجه نقصاً في تمويل المساعدات الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن في عام 2020، زاد انعدام الأمن الغذائي على الفور بواقع 15 في المائة.

واستند إلى تقرير أصدره مؤخراً برنامج الأغذية العالمي توقع فيه حدوث مزيد من التدهور في الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة في اليمن بسبب هجمات الحوثيين على سفن الشحن بالبحر الأحمر.

ويعتمد 90 في المائة من سكان اليمن –وفق البنك الدولي- على الواردات لتلبية احتياجاتهم من المواد الغذائية الأساسية على المستوى المحلي، وهم معرضون بشدة للمخاطر، ونبّه البنك إلى أن الهجمات على السفن التي تسببت في اضطراب حركة الملاحة في البحر الأحمر يمكن أن تؤدي إلى إطالة أوقات الشحن، وزيادة التكاليف بالنسبة للعديد من بلدان المنطقة.

تراجع حركة السفن

ذكر البنك الدولي في تقريره أنه وبعد مرور خمسة أشهر على اندلاع الصراع، لا تزال المنطقة تعاني درجة عالية من عدم اليقين، مما قد يؤدي إلى تفاقم أوجه الهشاشة القائمة في العديد من اقتصادات المنطقة. وذكر أنه، على سبيل المثال، في اقتصاد ذي أهمية إقليمية مثل مصر يمكن أن تتفاقم آثار أزمات ميزان المدفوعات إذا حدث تباطؤ أطول من المتوقع في حركة الملاحة البحرية عبر قناة السويس بسبب استهداف الحوثيين لسفن الشحن في البحر الأحمر، وأكد أن ذلك أثر سلباً بالفعل على الموازنة العامة، وحساب المعاملات الخارجية للدولة المصرية.

صيادون يمنيون في ساحل مدينة الخوخة جنوب الحديدة (أ.ف.ب)

وأكد التقرير أن السياحة، كعنصر حيوي آخر للاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، تأثرت بشكل كبير بعدم الاستقرار الذي شهدته المنطقة مؤخراً، مما أدى إلى إضعاف وليس إيقاف الانتعاش القوي الذي كان قد بدأ بعد الجائحة.

وذكر أنه وفق البيانات الأولية، فإن اندلاع الصراع في عام 2023 أدى إلى انكماش السياحة الوافدة إلى منطقة الشرق الأوسط، أو شمال أفريقيا في نهاية العام، وبالتالي إبطاء وتيرة النمو القوي في التعافي عقب انحسار جائحة كورونا.

ووفقاً لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، كانت المنطقة هي الأولى التي عادت إليها حركة السياحة التي كانت سائدة قبل جائحة كورونا بحلول أوائل عام 2023، وظلت في طليعة انتعاش السياحة العالمية على الرغم من الصراع في غزة.

واختتم عام 2023 –بحسب المنظمة- بارتفاع عدد السائحين الوافدين بنسبة 22 في المائة عن مستويات ما قبل الجائحة. وكان من المرجح أن تنهي المنطقة العام بمعدلات نمو سياحي أقوى لو لم يؤد الصراع إلى إلغاء حجوزات نهاية العام.

وطبقاً لما جاء في التقرير، فإنه إذا زاد عدم الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة، فقد تتأثر أسواق النفط، ورأس المال، وقد تتراجع رغبة المستثمرين الأجانب في إقراض بلدانها، وقال إن حجم التأثيرات الإقليمية للصراع على المنطقة سيتوقف إلى حد كبير على مدة الصراع، وما إذا كان سيتسع.

تأثر اقتصادات المنطقة

في سيناريو اتساع نطاق الأعمال العدائية، يذكر البنك الدولي أنه يمكن أن تتأثر اقتصادات الشرق الأوسط من خلال بعض القنوات، مثل السلع الأولية، لا سيما الطاقة؛ والتجارة في السلع والخدمات؛ وتحويل الاستثمارات؛ والتضخم؛ وانخفاض قيمة العملة، «وهي أمور من شأنها هي وغيرها» رفع تكلفة الديون وإعادة التمويل.

ورجح البنك الدولي أن تتأثر نسبياً العديد من اقتصادات المنطقة، مثل الجزائر وليبيا ودول مجلس التعاون الخليجي والمغرب، بالصراع، لأن روابطها الاقتصادية مع فلسطين أو إسرائيل محدودة، غير أنه نبه إلى أن هذه الاقتصادات قد تتعرض لصدمات في أسعار السلع الأولية، واحتمال اشتداد التوترات الداخلية، وقال إنه من غير المرجح أن يحدث أي من ذلك إذا تم احتواء الصراع.

الحكومة اليمنية تتهم الحوثيين بخدمة أجندة إيران في المنطقة (أ.ف.ب)

وبين البنك الدولي أن العلاقات التجارية المباشرة للمغرب مع إسرائيل محدودة للغاية، كما أن ليبيا والجزائر تحافظان على نفس المسافة الاقتصادية، وقال إنه ومع ذلك، من المحتمل أن تعاني هذه البلدان من بعض الآثار غير المباشرة المترتبة على الصدمات التجارية المتعلقة بأزمة قناة السويس، نتيجة تراجع حركة السفن بسبب هجمات الحوثيين في جنوب البحر الأحمر، وخليج عدن، أو احتمال تحويل مسار المعونات الدولية، وهي مصدر حيوي للتمويل لمواجهة العجز الهيكلي في حسابات المعاملات الخارجية، وحسابات المالية العامة.

بالإضافة إلى ذلك، ذكر التقرير أن مجموعة أخرى من بلدان المنطقة، مثل سوريا وإيران والعراق ولبنان، معرضة للمخاطر الاقتصادية لأسباب جيوسياسية. فمنذ بداية الصراع كانت هناك غارات جوية مستهدفة على سوريا، بما في ذلك المطارات الرئيسية في البلاد، مما أدى إلى تدمير المدارج، وتعليق الرحلات الجوية، وتعطيل حركة السفر الجوي.

وقال البنك الدولي إنه يمكن أن يؤدي طول أمد الصراع إلى أضرار طويلة الأجل في البنية التحتية، وربما تعطيل سلاسل الإمداد، ورفع تكاليف الخدمات اللوجيستية، فضلاً عن تفاقم الضغوط التضخمية، وانخفاض قيمة العملة.


مصادر طبية: ألفا يمني ماتوا بالملاريا خلال شهرين

يمنية مع طفلتها المريضة في مستشفى «السبعين» بصنعاء (أ.ف.ب)
يمنية مع طفلتها المريضة في مستشفى «السبعين» بصنعاء (أ.ف.ب)
TT

مصادر طبية: ألفا يمني ماتوا بالملاريا خلال شهرين

يمنية مع طفلتها المريضة في مستشفى «السبعين» بصنعاء (أ.ف.ب)
يمنية مع طفلتها المريضة في مستشفى «السبعين» بصنعاء (أ.ف.ب)

اتسعت رقعة تفشي وباء الملاريا في عدد من المحافظات اليمنية نتيجة عودة الأمطار الموسمية التي أدت لنشوء المستنقعات المائية، بالتزامن مع انتشار مخلّفات وأكوام القمامة، في ظل اتهامات للجماعة الحوثية بالفساد والإهمال ونهب مخصصات برامج المكافحة والحماية ضد المرض.

وكشفت مصادر بالقطاع الصحي الخاضع للجماعة الحوثية في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، عن وقوع أكثر من 2250 حالة وفاة بالملاريا، بعد تلقي بلاغات عبر المكاتب والمرافق الصحية بمحافظات صنعاء والحديدة وإب وذمار وريمة وحجة والمحويت وعمران، على مدى الشهرين الماضيين، بتسجيل أكثر من 82 ألف إصابة.

اليمنيون يواجهون أزمة صحية وتردياً في الخدمات الطبية منذ الانقلاب الحوثي (أ.ف.ب)

وفي حين ذكرت المصادر أن غالبية الوفيات من الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل وكبار السن، أرجعت أسباب هذا التفشي إلى استمرار مصادرة ونهب الجماعة الحوثية مخصصات المركز الوطني لمكافحة الملاريا، وفروع ومكاتب عدة تابعة له ولمؤسسات رسمية وأهلية معنية بمكافحة المرض في المحافظات الخاضعة لسيطرتها منذ سنوات.

ولا يزال عدد من الأمراض الوبائية المدارية التي يتصدرها الملاريا، تشكل خطراً كارثياً حقيقياً يتهدد صحة وحياة اليمنيين، خصوصاً مع غزارة الأمطار الموسمية المصحوبة بتجمع المخلفات والمياه الراكدة واختلاطها بالصرف الصحي، ما يؤدي إلى تكاثر البعوض الناقل للعدوى بتلك المحافظات.

وتوقّع أطباء متخصصون في صنعاء، خلال أحاديثهم لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون الأرقام الحقيقية لحالات الإصابة بالملاريا أكثر من تلك الحالات المُبلَّغ عنها، نظراً لاعتمادها على تقارير الترصد الإلكتروني للإنذار المبكر للأوبئة، معبرين عن قلقهم حيال تصاعد حالات الإصابة بالملاريا في مناطق سيطرة الجماعة الانقلابية، التي تقتصر جهود مواجهتها للوباء على وسائل تقليدية.

مواجهة بوسائل بدائية

بينما تتبنى الجماعة الحوثية، من خلال قطاع الصحة الخاضع لسيطرتها، برامج مكافحة تعتمد على توزيع الناموسيات ببعض المناطق، يواجه غالبية السكان صعوبة في التوجه إلى المشافي والمراكز الصحية للفحص وتلقي العلاج في مرحلة مبكرة، إلى جانب استمرار عجز برنامج مكافحة الملاريا عن القيام بمهامه، نتيجة مصادرة ونهب مخصصاته.

وحذرت منظمة الصحة العالمية، في تقرير سابق لها، من أن 65 في المائة من سكان اليمن (ما يقارب 19.5 مليون شخص) باتوا عرضة للإصابة بمرض الملاريا، في ظل توقف العمل بنصف المرافق الصحية، وعمل الباقي بشكل جزئي مع شح الأدوية الأساسية والمُعدات الطبية.

وقالت منظمة «أطباء بلا حدود»، في وقت سابق أيضاً، إن الملاريا يواصل تأثيره على آلاف السكان اليمنيين، في ظل نظام صحي ضعيف جراء الحرب الدائرة بالبلاد، بعد قيامها بمعالجة أكثر من 10 آلاف مصاب بالمرض خلال عام 2017.

ويعدّ «الملاريا» مرضاً فتّاكاً تُسبّبه طفيليات تنتقل إلى البشر عبر لدغات بعوض الأنوفيلس الحاملة للعدوى، وتظهر أعراض المرض عادة بعد 10 - 15 يوماً من لدغة البعوض، وتشمل الحمى والصداع والقشعريرة، مع صعوبة التعرف عليه، وإذا لم يتلقَّ المصاب العلاج العاجل، فمن الممكن أن تتطور الحالة إلى مرض شديد يهدد الحياة.

سوء التغذية

أدت المعدلات المرتفعة لسوء التغذية في اليمن إلى زيادة خطر الإصابة بالملاريا بين الفئات الضعيفة، وخصوصاً الأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل، نتيجة انخفاض نظم المناعة لديهم، في حين تشير تقديرات أممية سابقة إلى أن أكثر من 21 مليون شخص يمني يعيشون في مناطق معرَّضة لخطر الإصابة بالملاريا، مع حدوث أكثر من مليون حالة ملاريا، كل عام.

وعبر تحديثات جديدة لها على «فيسبوك»، أكدت منظمة الصحة العالمية أن الفئات الأكثر ضعفاً في اليمن، ومنهم النازحون داخلياً والأطفال والنساء وكبار السن، والأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة، والأشخاص الذين يعانون أمراضاً نفسية، لا يزالون يواجهون عقبات فريدة في الحصول على خدمات الرعاية الصحية في بلد يعاني فرصاً محدودة للحصول على تلك الخدمات وغيرها، بسبب الفقر واستمرار حدة الصراع.

يمنيون يكافحون البعوض بإحراق إطارات السيارات (فيسبوك)

وتوفر المنظمة، في هذه الأثناء، بالشراكة مع حكومة ألمانيا، الحماية من العدوى المكتسبة في المرافق الصحية، عبر توفير إمدادات المياه ومستلزمات الوقاية من العدوى ومكافحتها، كما تقوم بتزويد أكثر من 72 مرفقاً صحياً يمنياً بالمياه الصالحة للشرب، وتوفر لمرضى يمنيين الرعاية والحماية الكافيتين من مخاطر العدوى، إلى جانب الموظفين ومقدمي الرعاية.

وأطلق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، أواخر فبراير (شباط) الماضي، حملة شاملة هدفت إلى الحد من انتشار الملاريا والحمى الفيروسية وحمى الضنك وعلاج الحالات المصابة بهما في عدد من المحافظات اليمنية المحرَّرة، خصوصاً محافظة الحديدة التي تعدّ إحدى أكثر المحافظات المنكوبة بالأوبئة الفيروسية.

ويستقبل المرفق الطبي، التابع للمركز، يومياً مئات الحالات من سكان حيس والخوخة ومن النازحين، ويقدم لهم خدمات طبية متنوعة، في حيتن تنفذ السلطات الصحية، التابعة للحكومة اليمنية في المديريات المحرَّرة من المحافظة، حملة موسعة لمكافحة البعوض الناقل للملاريا والحميات الفيروسية.


مصر: هل تنجح حملات المقاطعة في خفض الأسعار؟

مشاهد من أسواق السمك في بورسعيد بدون زبائن (مشاركون بحملة المقاطعة - إكس)
مشاهد من أسواق السمك في بورسعيد بدون زبائن (مشاركون بحملة المقاطعة - إكس)
TT

مصر: هل تنجح حملات المقاطعة في خفض الأسعار؟

مشاهد من أسواق السمك في بورسعيد بدون زبائن (مشاركون بحملة المقاطعة - إكس)
مشاهد من أسواق السمك في بورسعيد بدون زبائن (مشاركون بحملة المقاطعة - إكس)

جدد انتشارٌ واسعٌ حققته حملةٌ لمقاطعة الأسماك في مصر تساؤلات حول جدوى حملات المقاطعة في خفض الأسعار، مع استمرار ارتفاع أسعار معظم السلع الأساسية، رغم التعهدات الحكومية بضبط الأسواق، وتوافر الدولار اللازم للاستيراد. وفيما أكد القائمون على الحملة ومتضامنون معها «نجاحها في جذب الكثيرين»، تباينت آراء خبراء الاقتصاد حول شروط نجاح حملات المقاطعة وتأثيرها على الأسعار.

وقبل أيام انطلقت حملة لمقاطعة الأسماك من مدينة بورسعيد (شمال شرق مصر)، تحت عنوان «خليه يعفن»، وأكد مشاركون في الحملة انتقالها لمحافظات أخرى، وقال مؤسس الحملة سعيد الصباغ في اليوم الثالث للحملة (الثلاثاء) إن «الحملة قُوبلت باستجابة واسعة من المواطنين، وانتقلت إلى محافظات أخرى، منها السويس والإسماعيلية والإسكندرية والشرقية وبني سويف والدقهلية والغربية، وقام عدد من التجار بالفعل بتخفيض الأسعار نسبياً».

وأكد في تصريحات صحافية أن «سبب اختيار الأسماك لمقاطعتها، لارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه، كما أنها سريعة التلف مما سيساهم في نجاح الحملة».

وأعلن محافظ بورسعيد اللواء عادل الغضبان تضامنه مع أهالي المحافظة، وتأييده لحملة المقاطعة، مؤكداً خلال جولة بالمحافظة، الاثنين، أنه «لن يدخل سوق السمك بالمدينة إلا بعد خفض الأسعار ونزولها لمستوى يجعلها في متناول المواطنين».

وتواجه مصر أزمة اقتصادية أدت إلى موجة غلاء وارتفاع متواصل لأسعار معظم السلع، خصوصاً الأساسية، وتراهن الحكومة على المزيد من التدفقات الدولارية المرتقبة لتجاوز الأزمة.

وقفز التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية إلى 35.7 في المائة في فبراير (شباط) الماضي، بعدما كان 29.8 في المائة في يناير (كانون الثاني)، مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في مارس (آذار) الماضي.

وحسب الجهاز «ارتفعت أسعار السلع على أساس شهري بنسبة 11.4 في المائة في فبراير، مقارنة بـ1.6 في المائة فقط في يناير، وقفزت أسعار المواد الغذائية 15.9 في المائة، مقارنة بـ1.4 في المائة في يناير».

وقلل الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس من تأثير حملات المقاطعة على خفض أسعار السلع بشكل عام، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قد تكون مقاطعة السمك فعالة بالوقت الراهن، لأنها سلعة سريعة العطب، لكن بعد ذلك، ستؤدي المقاطعة إلى خروج الكثير من التجار من السوق بسبب خسائرهم، وهو ما يعني عودة الأسعار إلى الارتفاع».

وحسب النحاس، فإن «مصر أصبحت تعاني مما يسمى (بوار السلع) بمعنى أن كثيراً من السلع لم تعد أسعارها في متناول معظم الناس، وهذا أدى إلى ركود تضخمي، حيث تكون السلعة متوافرة بالأسواق، لكنها فوق القدرة الشرائية لمعظم الناس، لذلك يكون تأثير حملات المقاطعة ضعيفاً».

وحققت حملة مقاطعة الأسماك انتشاراً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، وحرص الكثير من المشاركين على نشر صور لسوق السمك خالية من الزبائن للتأكيد على نجاح الحملة، وعلق حساب باسم «داليا أبو عمر» على منصة «إكس» قائلاً: «بورسعيد عاملة ملحمة والله ايه الحلاوة والعقل والنضج ده».

ودعا حساب باسم «أيمن عبدالسلام» إلى تفعيل الحملة في محافظات أخرى.

وتسابق مشاركون على منصة «إكس» بالإعلان عن انضمام محافظاتهم للحملة، وكتب حساب باسم «أحمد حافظ»: "اسكندراني اسكندراني... عندنا في سوق عمر باشا محطة مصر وسوق غيط العنب كرموز في ركود جامد في سوق السمك برغم قلة المعروض وفي أبو قير الستات بدأت المقاطعة في حلقة السمك زي محافظة بورسعيد، وسيدي بشر برضو في مقاطعة... خليها تعفن».

وأرجع الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد حنفي الانتشار الواسع لحملة مقاطعة الأسماك إلى ما وصفه بـ«حالة المقاطعة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما يحدث في بورسعيد ليس حملة مقاطعة، لأن الحملة تكون أكثر تنظيماً وعلى مستوى وطني، لكنه حالة مقاطعة نتيجة استمرار ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، وهذه الحالة يمكنها أن تتطور إلى حملة أكثر تنظيماً».

ورأى حنفي أن «حملات المقاطعة تكون فاعلة أكثر في السلع سريعة العطب أو التي لديها فترة صلاحية قصيرة، وهو ما حدث مع السمك»، مؤكداً أن «حملات المقاطعة المنظمة اجتماعياً يمكنها أن تؤدي إلى خفض أسعار السلع».

وتقول الحكومة المصرية إنها تتحرك مع المُصنعين والمُنتجين والتجار بهدف السيطرة على أسعار السلع الأساسية، واحتواء موجة الغلاء التي شهدتها البلاد على مدار الأشهر الماضية، كما قامت بتفعيل فرق عمل من مجلس الوزراء للتأكد من تطبيق خفض الأسعار بالسلاسل التجارية والسوبر ماركت للوقوف على حقيقة استجابة المصنعين والتجار لمبادرة خفض الأسعار.


مصر تحذِّر إسرائيل من اتخاذ أي إجراءات عسكرية في رفح

وزير الخارجية المصري سامح شكري يعقد اجتماعاً مغلقاً مع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية والدفاع الآيرلندي مايكل مارتن (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري سامح شكري يعقد اجتماعاً مغلقاً مع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية والدفاع الآيرلندي مايكل مارتن (الخارجية المصرية)
TT

مصر تحذِّر إسرائيل من اتخاذ أي إجراءات عسكرية في رفح

وزير الخارجية المصري سامح شكري يعقد اجتماعاً مغلقاً مع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية والدفاع الآيرلندي مايكل مارتن (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري سامح شكري يعقد اجتماعاً مغلقاً مع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية والدفاع الآيرلندي مايكل مارتن (الخارجية المصرية)

دعا وزير الخارجية المصري سامح شكري، الثلاثاء، إسرائيل إلى «عدم اتخاذ أي إجراءات عسكرية في رفح بقطاع غزة» التي لجأ إليها نحو 1.5 مليون فلسطيني فروا من الحرب الإسرائيلية. وأضاف شكري محذراً: «ينبغي أن تكون هناك قدرة على اتخاذ خطوات ملموسة في حال إقدام إسرائيل على هذه الخطوة، بما يعد رادعاً لها».

وتعهدت إسرائيل باقتحام رفح بهدف ملاحقة مقاتلي «حماس»؛ لكن العملية العسكرية المزمعة في البلدة الواقعة على الحدود المصرية أثارت قلقاً دولياً، بسبب وجود عدد ضخم من المدنيين.

وعلى مدار الأسابيع الأخيرة، تكررت التحذيرات المصرية من اقتحام رفح الملاصقة للحدود المصرية. وقال شكري، في مؤتمر صحافي مع نظيره الآيرلندي مايكل مارتن الذي يزور القاهرة: «نترقب وندعو لعدم اتخاذ إسرائيل أي خطوات عسكرية في رفح... هذه أيضاً دعوة من الغالبية العظمى من أعضاء المجتمع الدولي، لإدراك الجميع أن الأعمال العسكرية في منطقة تكتظ بالسكان المدنيين، حوالي مليون ونصف مليون، يترتب عليها مزيد من الضحايا من المدنيين، ومزيد من المعاناة، ومزيد من المحاولات لتصفية القضية من خلال التهجير. لا بد من أن نتعدى مجرد المطالبة اللفظية بذلك، وإنما يكون واضحاً أن هناك قدرة على اتخاذ خطوات ملموسة».

وأكد شكري ضرورة تنفيذ وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة؛ مشيراً إلى أهمية العمل على إدخال مزيد من المساعدات إلى القطاع؛ مضيفاً أن «قطاع غزة أصبح غير قابل للعيش جراء الحرب الإسرائيلية».

وزيرا خارجية مصر وآيرلندا يترأسان جلسة مشاورات موسعة بين وفدي البلدين (الخارجية المصرية)

وشدد الوزير المصري على أنه «لا بديل لحل الصراع سوى تنفيذ حل الدولتين»، متوقعاً تصويتاً واسع النطاق بالجمعية العامة للأمم المتحدة على الخطوة المقبلة للاعتراف بدولة فلسطين، عضواً كامل العضوية.

ولفت إلى أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تشير إلى عدم توفر الإرادة الحقيقية لإقامة الدولة الفلسطينية. وأعلن الوزير شكري رفض التهجير القسري للفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، موضحاً أن معبر رفح -من الجهة المصرية- يعمل بصفة مستمرة منذ بداية الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي دون توقف.

وأكد العمل مع الأمم المتحدة لتوفير أكبر قدر من المساعدات لقطاع غزة؛ مشيراً إلى أن تقرير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) دحض ادعاءات الاحتلال بتورط موظفيها في «أحداث 7 أكتوبر».

ولفت شكري إلى أن «أونروا» هي المنظمة الوحيدة القادرة على توزيع المساعدات بقطاع غزة، مشدداً على ضرورة إعادة النظر في قرار تعليق تمويل وكالة «الأونروا».

بدوره، وجَّه وزير خارجية آيرلندا مايكل مارتن الشكر إلى مصر على المساعدات التي قدمتها لرعايا بلاده، من أجل تيسير خروجهم من قطاع غزة، معبراً عن مخاوف كبيرة بشأن الموقف في القطاع.

وكشف مارتن عن أنه سيزور معبر رفح لـ«بحث إزالة العراقيل التي تحول دون إيصال المساعدات»، مؤكداً مواصلة تقديم مزيد من الدعم للشعب الفلسطيني في قطاع غزة من خلال وكالة «أونروا».

وأشار إلى أن وكالة «أونروا» منظمة لا غنى عنها في عمليات إعادة الإعمار بقطاع غزة، عبر تقديم كثير من الخدمات، مثمناً الجهود المصرية بشأن وقف إطلاق النار في غزة، مؤكداً ضرورة الإفراج عن المحتجزين.

ولفت إلى أن «الاعتراف بدولة فلسطين خطوة في غاية الأهمية لدعم الشعب الفلسطيني في حق تقرير المصير، والوصول إلى حل الدولتين» معبراً عن «التطلع لمشاركة الجهود المصرية من أجل تعزيز خطة السلام، وتنفيذ حل مستدام قائم على حل الدولتين».


تقارير محلية ودولية تكشف استمرار الانتهاكات بحق أطفال اليمن

طفلة يمنية بين مجموعة نساء ينتظرن الحصول على مساعدات غذائية (إ.ب.أ)
طفلة يمنية بين مجموعة نساء ينتظرن الحصول على مساعدات غذائية (إ.ب.أ)
TT

تقارير محلية ودولية تكشف استمرار الانتهاكات بحق أطفال اليمن

طفلة يمنية بين مجموعة نساء ينتظرن الحصول على مساعدات غذائية (إ.ب.أ)
طفلة يمنية بين مجموعة نساء ينتظرن الحصول على مساعدات غذائية (إ.ب.أ)

بينما كشفت منظمة دولية عن مقتل وإصابة عشرات الأطفال اليمنيين بالألغام والذخائر المتفجرة خلال العام الحالي، تحدث تقرير محلي عن وقوع مئات الأطفال ضحايا انتهاكات شملت الجرائم الست الجسيمة ضد الأطفال خلال العامين الماضيين، وأسفرت عن وقوع قتلى وجرحى ومشوهين وتجنيد واستغلال جنسي واختطاف.

وقالت منظمة «حماية الطفولة» إن 28 طفلاً يمنياً قتلوا وأصيبوا في حوادث ألغام وذخائر متفجرة منذ بداية العام الحالي، كان آخرها الأسبوع الماضي الذي قتل فيه طفل في محافظة مأرب (شرق العاصمة صنعاء)، وإصابة أربعة آخرين في الحديدة (غرب البلاد) والضالع (وسط)، داعية إلى حماية أطفال اليمن، وتوفير مستقبل أكثر أماناً لهم.

وذكرت المنظمة في تحليل بيانات لها حول مراقبة الأثر المدني والدراسات الاستقصائية للألغام والذخائر المتفجرة أن ارتفاعاً مقلقاً في الضحايا من الأطفال بسبب الذخائر المتفجرة في اليمن حدث ما بين يناير (كانون الأول) 2018 ونوفمبر (تشرين الثاني) 2022، محذرة من الأثر المؤلم الذي تركته 8 سنوات من الحرب، إلى جانب عقود من الصراع التاريخي في اليمن.

خطر الألغام يحاصر الأطفال اليمنيين وشهد العام الحالي مقتل وإصابة 28 منهم وفق تقارير دولية (مسام)

من جهته كشف التحالف اليمني لرصد الانتهاكات عن حدوث 127 واقعة انتهاك، شملت الجرائم الست الجسيمة ضد الأطفال، تعرض لها 157 ضحية بينهم 26 فتاة، بجانب قتلى ومشوهين، ومجندين، وضحايا عنف جنسي، ومختطفين، في تقرير لا يعكس عنف وبشاعة تلك الانتهاكات بصورة شاملة، بل يكتفي باستعراض الحالات التي استطاع توثيقها في فترة زمنية قصيرة.

ويستند التقرير على معلومات جمعها باحثون في ثلاث عشرة محافظة يمنية بين فبراير (شباط) وأكتوبر (تشرين الأول) 2023، ويرصد نماذج تمثيلية لانتهاكات ارتكبتها أطراف النزاع كافة.

ومنذ أيام دشّنت الجماعة الحوثية معسكراتها الصيفية لطلبة المدارس في مناطق سيطرتها، ونفذت حملات ترويجية واسعة، تضمنت وعوداً بجوائز وسلال غذائية، وسط تحذيرات حكومية ومجتمعية من مخاطر هذه المعسكرات، واستغلالها لتجنيد الأطفال للقتال.

طفل يمني يحمل سلاحاً ويردد شعارات الجماعة الحوثية خلال مسيرة في العاصمة صنعاء تحت اسم مناصرة غزة (أ.ف.ب).

ويرصد تقرير التحالف اليمني لرصد الانتهاكات نماذج تمثيلية لانتهاكات ارتكبت خلال فترة إعلان الهدنة بداية أبريل (نيسان) 2022، وحتى إعلان التوقيع على اتفاق مبادئ لإنهاء النزاع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

ويقدر التقرير أن ما يقارب 26 ألفاً و761 طفلاً تأثروا بفعل الهجمات على المدارس والمستشفيات، ومنع وصول المساعدات الإنسانية من طرف الجماعة الحوثية، بينهم 14 ألفاً و457 فتاة.

وبحسب التقرير؛ مثَّل القتل والتشويه الانتهاك الأكثر تسجيلاً بسبب الاستخدام المفرط للأسلحة، خصوصاً من الجماعة الحوثية؛ إذ شكلت الأرقام المحققة من ضحايا تجنيد الجماعة للأطفال أمراً صادماً، مرجعاً ذلك لاستغلالها الوضع الاقتصادي للأسر اليمنية بشكل لافت، إلى جانب دور الدعاية والإعلام في التأثير على الأطفال واستدراجهم.

وأكد أن الأرقام المتدنية لضحايا العنف الجنسي والاختطاف لا تعكس واقع الحال، بسبب خشية ضحايا هذا النوع من الانتهاك وعائلاتهم من العار الذي سيوصمون به في مجتمعهم حال الإفصاح عنه، إلى جانب العيش في حالة من الخوف والترهيب التي يكرَّسها الجناة على نفسياتهم، ما يمنعهم عن الاستجابة لعمليات التحقيق والتوثيق التي أجراها الباحثون.

ولم يحصل الضحايا كافة من الأطفال على العدالة، طبقاً للتقرير، بفعل عجز وانقسام آليات العدالة والمساءلة الوطنية الذي شجعت على مزيد من الهجمات ضد الأطفال، منوهاً إلى أن الحد من هذه الانتهاكات لن يتحقق إلا بوجود آليات للمساءلة الجنائية.

وأضاف التحالف أن أطفال اليمن كابدوا خلال تسع سنوات صنوفاً من الصراع والآلام، ووقعوا تحت جحيم حرب شُنت عليهم بلا هوادة، مشيراً إلى أنه استند في تقريره على معلومات جمعها باحثون في ثلاث عشرة محافظة يمنية بين فبراير وأكتوبر من العام الماضي.

آليات الحماية

طالب معدو التقرير الحكومة اليمنية الشرعية بالإسراع في إنشاء محكمة ونيابة حقوق الإنسان، ومنحها الاختصاص للنظر في الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، وتمكين ودعم قدرات المنظمات المحلية بشكل واسع من قبل الوكالات والمنظمات الدولية المعنية بحماية الأطفال، لتقوم بدور مركزي في توثيق الانتهاكات، وتوفير الدعمين المادي والنفسي للضحايا من الأطفال.

وشدّد مطهر البذيجي المدير التنفيذي للتحالف اليمني لرصد الانتهاكات في حديث لـ«الشرق الأوسط» على عدم سقوط الانتهاكات بالتقادم، داعياً إلى عدم السماح لمرتكبيها بالإفلات من العقاب الذي يسمح لهم باستمرار جرائمهم، والتي لوحظ أنها لم تتوقف رغم توقف الأعمال العسكرية، إذ لا تزال الجماعة الحوثية تواصل تجنيد الأطفال وممارسة الأعمال العدائية بحقهم دون رادع.

وفي اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»، وصف أحد معدي التقرير، الانتهاكات التي وقعت بحق الأطفال خلال السنوات الماضية بجرائم الحرب التي امتدت لتشمل الحقوق كافة، وجميع مناحي الحياة.

طفلة يمنية بعمر العامين تعاني من سوء التغذية أثناء وزنها في أحد مستشفيات مدينة الحديدة (رويترز)

واتهم نجيب الشغدري الباحث في «تحالف رصد» الجماعة الحوثية بالمسؤولية عن غالبية الانتهاكات التي لحقت بأطفال اليمن، من خلال تعمدها تعريضهم لمختلف مخاطر الصراع، وتجنيدهم وإجبارهم على المشاركة في المعارك، وحرمانهم من التعليم والصحة والتغذية، والوصول إلى المساعدات الإنسانية، مطالباً المجتمع الدولي بالجدية والفاعلية لوقف تلك المعاناة.

وتأتي المعسكرات الصيفية التي تنظمها الجماعة الموالية لإيران هذا العام، بعد أشهر من استغلالها الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين، أغلبهم من الأطفال، تحت اسم مناصرة الفلسطينيين، إلى جانب هجماتها على الملاحة في البحر الأحمر.