يوميات البارودي في رحلته الأوروبية

يوميات البارودي في رحلته الأوروبية
TT

يوميات البارودي في رحلته الأوروبية

يوميات البارودي في رحلته الأوروبية

صدر حديثاً عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» كتاب «الرحلة الأوروبية 1911 - 1912 من دمشق إلى روما، باريس، ميونيخ، فيينا، بلغراد، بودابست، صوفيا، استانبول» لفخري البارودي، وهو الكتاب الحائز «جائزة ابن بطوطة لتحقيق المخطوطات - 2021».
يقول الناشر في تقديمه إن «هذه اليوميات للزعيم الوطني فخري البارودي قيمة استثنائية كونها تعبّر في جوانب منها عن أحلام وتطلعات وأفكار شخصية نهضوية سورية ذات تطلع ليبرالي مبكر. فالرحلة المبكرة إلى أوروبا كانت فرصة شخصية للبارودي الشاب ليمتحن أفكاره المدنية، ويجد لتطلعاته النهضوية نموذجاً. ففي كل سطر من سطور هذه اليوميات ثمة نفحة من أمل وهبة وتطلع، وطرفة تعبّر عن روح توّاقة إلى الجديد المبتكر في حياة الأمم المتقدمة، لعله يكون مصباحاً هادياً على زمن عربي جديد، عبّرت عنه هذه الشخصية، التي سرعان ما رجعت من أوروبا لتخوض غمار نضال مجتمعي متعدد الأوجه: ثقافي، فكري، فني، سياسي. فالبارودي الشاب اليقظ ابن البيت الدمشقي العريق جعل من بيته في حي القنوات قبلة للأدباء والمفكرين والفنانين والزعماء السياسيين على مدار أكثر من نصف من الحراك اليومي لأجل المستقبل. وحوّله إلى قلعة مقاتلة في مواجهة الاستعمار الفرنسي والقوى الرجعية معاً، وليتحوّل هو نفسه إلى أشهر زعيم دمشقي طوال النصف الأول من القرن العشرين، وبعض النصف الثاني منه».
جاء الكتاب في 440 صفحة من القطع الكبير.



معرض جدة للكتاب... صناعة نشر تتوسَّع وبرامج تُعيد رسم السوق

أكثر من 1000 دار نشر ووكالة محلّية ودولية تُشارك في المعرض (الشرق الأوسط)
أكثر من 1000 دار نشر ووكالة محلّية ودولية تُشارك في المعرض (الشرق الأوسط)
TT

معرض جدة للكتاب... صناعة نشر تتوسَّع وبرامج تُعيد رسم السوق

أكثر من 1000 دار نشر ووكالة محلّية ودولية تُشارك في المعرض (الشرق الأوسط)
أكثر من 1000 دار نشر ووكالة محلّية ودولية تُشارك في المعرض (الشرق الأوسط)

تعمل «هيئة الأدب والنشر والترجمة» في السعودية على جملة من المبادرات والمشروعات الداعمة لقطاعات الأدب، والنشر، والترجمة، موضحةً أنها تدرس باستمرار الفجوات في السوق السعودية، وتبني برامج تعالج هذه الفجوات عبر مبادرات داعمة تهدف إلى النهوض بالصناعة والوصول بها إلى مستويات أعلى.

وأوضح المدير العام للإدارة العامة للنشر في «هيئة الأدب والنشر والترجمة»، المهندس بسام البسام، في حواره مع «الشرق الأوسط»، أنّ من أبرز أعمالها استحداث وظيفتين ثقافيتين جديدتين، هما «الوكيل الأدبي» و«الوكالة الأدبية»، لدعم حركة النشر وتطوير منظومة صناعة المحتوى في المملكة.

المدير العام للإدارة العامة للنشر في «هيئة الأدب والنشر والترجمة» بسام البسام (الشرق الأوسط)

تنظيمات جديدة

وعن تحديث الأنظمة، قال البسام إنّ ذلك يُشكّل جوهر عمل الهيئة بصفتها جهة مُنظِّمة ومشرِّعة للقطاعات الثلاثة، مشيراً إلى العمل على تطوير الأنظمة المساندة وعدد من السياسات التي تُمكّن الناشرين والمستفيدين من تطوير أعمالهم. ولفت إلى إطلاق مبادرة لتمكين دور النشر من بيع كتبها في عدد من منافذ البيع، من بينها «السوبر ماركت»، والصيدليات، وعدد من المحلات.

كما أشار إلى أنّ الهيئة عملت على سياسة لدعم المطابع في المملكة بالتعاون مع وزارة الصناعة، عبر تقديم تسهيلات صناعية متعدّدة للمطابع الموجودة داخل المخططات العمرانية أو المدن الصناعية.

جانب من ورشة عمل في المعرض تُقدّمها نجوى المطيري (الشرق الأوسط)

النشر الرقمي

وعن النشر الرقمي، أكّد البسام أنّ الهيئة خصّصت برنامجاً خاصاً لدعم هذا القطاع، من خلال تحويل مجموعة كبيرة من أعمال دور النشر السعودية إلى نسخ إلكترونية، ضمن إطار تطوير التشريعات والتنظيمات الخاصة بالقطاع. وشدَّد على أنّ هذه التحديثات، عند إقرارها، ستُحدث تغييراً جذرياً، وتُمكّن دُور النشر السعودية من تحويل أعمالها إلى صيغ رقمية وإلكترونية.

وتحدَّث عن المنصّات المُخصّصة للناشرين، موضحاً أنّ هذا المجال يُعدّ نشاطاً تجارياً لا تتدخّل فيه الهيئة بشكل مباشر بصفتها جهة منظِّمة، بل تتركه للمستثمر السعودي، مع العمل على تهيئة البيئة المناسبة، وتذليل العقبات، وتجهيز البنية التحتية اللازمة للانطلاق.

أكثر من 1000 دار نشر ووكالة محلّية ودولية تُشارك في المعرض (الشرق الأوسط)

الاستثمار في قطاع النشر

وتطرَّق البسام إلى واقع الاستثمار في قطاع النشر، فقال إنّ سلسلة القيمة الكاملة للقطاع مليئة بالفرص، سواء في مجالات التطوير أو الاستثمار. وأكّد نجاح الهيئة في استقطاب عدد من دور النشر العالمية والعربية الكبرى للعمل في السعودية، وإنتاج محتواها وتسجيله وطباعته داخل المملكة في مطابع محلّية، وهي تعمل بصورة مباشرة على تنويع الاستثمار وفتح آفاق جديدة للمستثمرين، مع التأكيد على أولوية المستثمر السعودي.

أما عن تقديرات سوق النشر، فأوضح أنّ الهيئة تعمل وفق الاستراتيجية الوطنية المنبثقة من «رؤية المملكة 2030»، التي تولي الثقافة اهتماماً خاصاً، وتهدف إلى رفع إسهام القطاعات الثقافية في الناتج القومي الوطني إلى 3 في المائة من الناتج الإجمالي، وهو ما ينعكس على البرامج التي تقدّمها الهيئة.

معرض جدة للكتاب مقصد للمهتمّين بالكتاب من داخل المملكة وخارجها (الشرق الأوسط)

برامج الدعم

وأشار البسام إلى إطلاق برامج لدعم المؤلّفين الجدد، وأخرى لدعم المطابع، إضافةً إلى برامج لدعم المترجمين، ومعتزلات كتابة تُقام لتهيئة الأجواء المناسبة للكتّاب لنثر إبداعاتهم.

كما لفت إلى استحداث مهنة «الوكيل الأدبي»، التي يتولّى فيها الوكيل إدارة الجوانب التجارية والقانونية للمؤلف، بما يتيح له التفرُّغ للكتابة الإبداعية.

الترجمة

وعن زيادة حضور الناشر السعودي في اللغات الأجنبية، أكّد أن الهيئة تشرف على برنامج «ترجم»، الذي انطلق عام 2021 ويواصل اليوم دورته الخامسة.

إحدى ورشات العمل التدريبية للكتابة الإبداعية (الشرق الأوسط)

وبيَّن البسام أنّ البرنامج أسهم في ترجمة أكثر من 4 آلاف كتاب من العربية وإليها، وهو رقم يفوق إجمالي ما تُرجم في العالم العربي خلال العقد الماضي.

وأضاف أن البرنامج يُقدّم منحاً للناشرين السعوديين لدعم حركة الترجمة، وتعزيز وصول المحتوى السعودي إلى أسواق جديدة حول العالم.

مشاركة دولية

وفي سياق المشاركة الدولية، أشار إلى وجود برنامج مُخصّص لدعم المشاركة في أبرز معارض الكتب العالمية، بمشاركة جهات حكومية وجمعيات أهلية وعدد من دور النشر السعودية، بهدف تبادل الخبرات، وعرض المنتجات الثقافية السعودية، والترويج لها دولياً، مع إتاحة بيعها من خلال جمعية النشر.

400 جناح توزَّعت في أرجاء المعرض (الشرق الأوسط)

وعن توسّع المعارض المحلّية، أوضح أنّ الهيئة نظَّمت عام 2023 معرضاً في المنطقة الشرقية، وفي مطلع هذا العام معرضاً في منطقة جازان، مؤكداً أنّ العمل جارٍ على دراسة المعطيات لتغطية مختلف مناطق المملكة بإطلاق مزيد من الفعاليات والمعارض.

ويأتي حديث البسام مع انطلاق فعاليات معرض جدة للكتاب 2025 في مركز «جدة سوبر دوم»، الذي تنظّمه «هيئة الأدب والنشر والترجمة» تحت شعار «جدة تقرأ»، بمشاركة أكثر من 1000 دار نشر ووكالة محلّية ودولية تُمثّل 24 دولة، توزّعت على 400 جناح.

ويُشكّل المعرض إحدى المنصّات الثقافية الكبرى في المملكة، ووجهةً للناشرين والمبدعين وصنّاع المعرفة، ومقصداً للمهتمين بالكتاب من داخل المملكة وخارجها.

معرض جدة للكتاب وجهة للناشرين والمبدعين وصنّاع المعرفة (الشرق الأوسط)

ويعكس معرض جدة، بخبراته المتراكمة، الطفرة النوعية التي تعيشها صناعة النشر في السعودية، والدعم المتواصل للكتّاب والناشرين في مختلف مسارات الكتابة. وتبرز هذه الملامح في عدد من أجنحته، لا سيّما أن هذه النسخة تتضمّن مبادرات جديدة تُوسّع حضور الأدب المحلّي، وتُقدّم برامج نوعية ترتقي بتجربة الزوّار.

وفي كلّ نسخة من معرض جدة، تقدّم الهيئة مجموعة من التحديثات والتطويرات التي تستقطب فئة أوسع من سكّان المدينة وزوّارها. وفي الموسم الحالي، أطلقت الهيئة برنامجاً خاصاً بالإنتاج المحلّي للأفلام، يقدّم عروضاً يومية لأفلام سعودية حظيت بتقدير فنّي وجماهيري، على المسرح الرئيسي، بدعم من برنامج «ضوء لدعم الأفلام» وبشراكة مع «هيئة الأفلام».

شهد هذا العام إطلاق برنامج خاص بالإنتاج المحلّي للأفلام (الشرق الأوسط)

وتسعى الهيئة، من خلال تنوّع برامجها التي تتجاوز 170 فعالية ثقافية، وتشمل الندوات والجلسات الحوارية، والمحاضرات، والأمسيات الشعرية، إضافةً إلى ورشات عمل في مجالات متعدّدة، إلى استقطاب مختلف فئات المجتمع.

ويرى متخصّصون في الأدب أنّ هذا التنوّع يُشكّل عامل جذب مهماً يلبّي اهتمامات الباحثين عن المعرفة والأدب، لا سيّما الأطفال، عبر مساحات مُخصّصة تحاكي حاجاتهم القرائية.

ومن خصائص معرض جدة تنوّع الأطروحات والموضوعات، لتشمل مسارات متعدّدة، من الفلسفة و«كيف نقرأ الفلسفة اليوم»، إلى «الرياضة منصةً للتواصل الثقافي والإعلامي»، و«جسور التفاهم: كيف يصنع الفكر الإسلامي حواراً حضارياً عالمياً»، إلى جانب توظيف اللهجات المحلّية في الكتابة المعاصرة.

كما يتنوَّع برنامج ورشات العمل ليشمل مهارات الصحافة، وإدارة الأزمات الرقمية، وكتابة قصص الأطفال، وبناء العلامة الشخصية، وأثر القراءة المبكرة في التطور اللغوي والعقلي.

وفي المقابل، يواصل المعرض دعم المُبدع المحلّي عبر ركن المؤلف السعودي، الذي يحتضن عناوين للنشر الذاتي، ويتيح للأدباء عرض أعمالهم مباشرة أمام الجمهور.

كما توفّر منصّات توقيع الكتب فرصة للقاء الكتّاب والحصول على إصدارات موقّعة، إلى جانب قسم خاص بعوالم المانغا والأنمي، يضم مجسّمات ومقتنيات وكتباً نوعية تحتفي سنوياً بهذا الفنّ ومحبّيه.


«أحلام القطار»... فيلم غير عادي عن حياةٍ عادية

جويل إدجرتون وفيليسيتي جونز... الثنائي الآتي من زمنٍ آخر (نتفليكس)
جويل إدجرتون وفيليسيتي جونز... الثنائي الآتي من زمنٍ آخر (نتفليكس)
TT

«أحلام القطار»... فيلم غير عادي عن حياةٍ عادية

جويل إدجرتون وفيليسيتي جونز... الثنائي الآتي من زمنٍ آخر (نتفليكس)
جويل إدجرتون وفيليسيتي جونز... الثنائي الآتي من زمنٍ آخر (نتفليكس)

​ثمّة أفلامٌ تمرّ كالنسمة، من دون أن تُحدث ضجيجاً. وغالباً ما تكون تلك الأفلام تحديداً هي التي تستحق الإصغاء والنسبة الأعلى من المشاهدة.

ينتمي «Train Dreams» (أحلام القطار) إلى تلك الفصيلة من الجواهر السينمائية النادرة. وعلى الرغم من كونه فيلماً لا يشبه ما تصنعه الآلة السينمائية الحديثة، ولا ما ألِفته عين الجمهور مؤخراً، فإنه استطاع اختراق قائمة الأفلام الأكثر مشاهَدةً على «نتفليكس».

واختار المخرج كلينت بنتلي وشريكه في المشروع، كاتب السيناريو غريغ كويدار، رواية دنيس جونسون الصادرة عام 2011، ليحوّلاها إلى تحفة بصريّة. إنها رحلة حياة رجلٍ أقلّ من عادي يُدعى «روبرت غرينير»، تُروى بأسلوبٍ غير اعتياديّ. وبتسلسلٍ زمني واضح المعالم، نتابعه منذ وصوله طفلاً يتيماً إلى ولاية أيداهو الأميركية لا يعرف حتى اسمَي والدَيه، ونطوي الصفحة الأخيرة برحيله عن 80 عاماً بعد أن بلغ ذروة الحكمة والبصيرة. وما بين الطفولة والممات، فصولٌ تسردُها عدسة بنتلي بشاعريّة من دون أن تقع في فخ الكليشيهات والحساسية المفرطة.

روبرت الذي يبدع الممثل جويل إدجرتون في أداء شخصيته، يتأرجح بين الانطوائية والقسوة إلى حين لقائه بـ«غلاديس» (الممثلة فيليسيتي جونز). تنتشله تلك الأنثى الممتلئة حيوية من حزنه وعزلته. وفيما الحرب العالمية الأولى تدور على المقلب الآخر من الحب، يخترع الثنائي حياةً أشبه بقصيدة في بيتٍ خشبي صغير مسيّج بالغابة، ومجاورٍ للنهر.

وغالباً ما يضطرّ روبرت إلى الغياب عن هذا البيت الدافئ، حيث تلفظ ابنته «كيت» كلماتها الأولى. فهو يمضي شهوراً في عمله حطّاباً حيناً وباني جسور أحياناً أخرى. وفي الطريق بين البيت اللطيف والوظيفة القاسية، رحلاتٌ في القطار يسير الفيلم على إيقاعها.

نال فيلم «Train Dreams» إجماع النقّاد منذ عرضه الأول في مهرجان «صندانس» السينمائي (نتفليكس)

في الوظيفة، تعبر حكايات الزملاء أمام عينَيه وهو يراقب ويغوص في صمته. يحمّل نفسه ذنب مقتل زميله الصيني على أيدي أرباب العمل بدافع العنصرية، فيما لم يستطع هو شيئاً لإنقاذه. تلاحقه صورته كنذير شؤم، كما لو أنها تقول له إن الحياة ليست بالصفاء الذي يسود منزله وعلاقته بغلاديس.

بملامحه وتعابير وجهه، يختصر إدجرتون انطباعات رجلٍ يكتشف قسوة الحياة ووحشيّتها بصمت. مثلُه الطبيعة في الفيلم، فهي الأخرى تتكلّم صامتةً، وقد أبدعت عين المخرج بنتلي وعدسة مدير التصوير أدولفو فيلوسو في تصوير سحرها؛ من النهر العابر متلألئاً تحت الشمس، إلى الأشجار الشاهقة التي تسقط غاضبةً من فأس الحطّاب، وليس انتهاءً بنور المغيب الخافت. تَشي تلك الفسحات الجمالية بتأثّر واضح بأسلوب المخرج المخضرم تيرينس ماليك وزواياه التصويرية، إذ يُعدّ بنتلي وفيلوسو من أتباع مدرسته. يتّضح هذا التأثّر كذلك من خلال السرد الصوتيّ لحكاية روبرت، الذي يتولّاه الراوي (الممثل ويل باتون).

الطبيعة تتكلّم في فيلم المخرج الأميركي كلينت بنتلي (نتفليكس)

في «أحلام القطار»، وكأن الطبيعة تتكلم لتقول إنها ستنتقم لكل تلك الأشجار المقطوعة بهدف بناء جسور وسكك حديد. ولا تتأخر نذور الشؤم في التوالي، فيشهد روبرت على جريمة قتل زميلٍ ثانٍ، وعلى سقوط جذع شجرة على رأس آخر، ما يؤدي إلى تدهور صحته ونهاية تراجيدية. وعلى الهامش، تقضي المهنة القاسية على مزيدٍ من الزملاء، فلا يبقى من أثرهم سوى أحذيتهم المعلّقة على جذوع الأشجار، ذكرى لرجالٍ بتَروا الغابات وشقّوا الطرقات نحو الحضارة، سعياً وراء لقمة العيش.

غارقاً في صمته المعهود، يتابع روبرت مراقبة الحياة التي تسير أحداثها أمامه، بحُلوها ومُرّها. خائفاً من أن تطاله شظاياها ومن أن يعود طيف زميله الصيني لينتقم، يرجع إلى بيته في الغابة حيث يقف وجهاً لوجه مع مخاوفه.

وأمام هول المصير، يركع روبرت لبُرهة؛ لكنه يعود ويقف على قدمَيه حاملاً حزنه في قلبه وصمته. كجذع شجرة معمّرة، يحترف هذا الرجل لعبة الصمود. رأى حتى الآن كل ما يمكن أن ترتكبه الحياة من جمالٍ وقُبح، إلا أنه مُصرٌ على أن يحياها.

يقدّم الممثل الأسترالي جويل إدجرتون أداءً استثنائياً (نتفليكس)

تتابع الكاميرا رحلتها معه في فصلٍ جديد من مسيرته. ويتابع جويل إدجرتون الاستئثار بالمشهد، متحصّناً بأداءٍ ربما يأخذه إلى خشبة «الأوسكار». كل الجمال المحيط به يبدو مجرّد ديكور يُفرد مساحاته لبراعة الفنان، وكل مَن حوله من ممثلين لا يتجاوزون مرتبة الدور المساعد، فإدجرتون سيد الشاشة من دون منازع.

من أربعينه إلى ثمانينه، تعدو السنوات على وجه روبرت وشَعره. الوحدة مثيرةٌ للذُعر، وصمتُ الليالي محفوفٌ برؤىً متعبة. تتسلّل الحياة وسط الرماد المحيط به، على هيئة صديق من الشعوب الأميركية الأصلية، وعبر أنفاس كلابٍ تنفخ بعض الأمل في يومياته الرتيبة، ومن خلال عالمة غابات تستقر في المنطقة. لكنّ شيئاً لا يُنقذه من الخيبة الواقعية المتلازمة مع مسار العُمر.

الفيلم مقتبس من رواية صادرة عام 2011 (نتفليكس)

ليس بسبب العلامات المرتفعة التي حصدها على مواقع التقييم، وليس بسبب آراء النقّاد التي أجمعت على الثناء فحسب، إنما لأسبابٍ أعمق يستحق «أحلام القطار» المُشاهدة. هو أشبَهُ بسيمفونيّة مرّة وحلوة في آنٍ معاً، آتية من زمنٍ آخر لكنها تُشبه كل الأزمنة والأمكنة. يُعيد الفيلم التذكير بالمعاني الحقيقية للحياة، بما هو مُجدٍ وغيرُ مُجدٍ، بالصدقِ الذي يبقى والنفاق الذي يزول.

يعبر الفيلم كحلمٍ صامت وكلوحةٍ أخّاذة، بحبكةٍ سلسة وبطلٍ شبيهٍ بأبسط البشَر، لكنه يختصر الحياة بكل معانيها.


«البحر الأحمر»... ليلة تتويج ترسّخ مكانته عالمياً

تكريم الأسطورة أنتوني هوبكنز (المهرجان)
تكريم الأسطورة أنتوني هوبكنز (المهرجان)
TT

«البحر الأحمر»... ليلة تتويج ترسّخ مكانته عالمياً

تكريم الأسطورة أنتوني هوبكنز (المهرجان)
تكريم الأسطورة أنتوني هوبكنز (المهرجان)

اختُتمت في جدة مساء الخميس الدورة الخامسة لمهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» في ليلة تتويج عكست اتّساع تأثيره العالمي، وأبرزت الحضور المتنامي للسينما السعودية، وسط مشاركة لافتة لعدد من أبرز نجوم العالم، من بينهم: جوني ديب، وسلمان خان، ويسرا، ونادين لبكي، والسير أنتوني هوبكنز.

واحتفى المهرجان بأربعة سينمائيين تركوا بصمتهم على السينما العالمية، وهم: الممثلة والمخرجة السعودية عهد كامل، والمخرج البريطاني إدريس إلبا، والمخرج الأميركي دارن آرونوفسكي، والنجم البريطاني السير أنتوني هوبكنز، الذي اعتلى المنصة بحضور هادئ وامتنان واضح، في مشهد عبَّر عن احترام متبادل بين المهرجان وأحد أيقونات التمثيل في العالم.

وانتقل الحفل بعد ذلك إلى إعلان الجوائز؛ ففاز فيلم «هجرة» للمخرجة السعودية شهد أمين بجائزة فيلم العلا لأفضل فيلم سعودي بتصويت الجمهور، قبل أن يضيف إلى رصيده جائزة لجنة التحكيم لاحقاً. وفاز فيلم «كولونيا» للمخرج المصري محمد صيام بجائزة الجمهور لأفضل فيلم دولي. في حين نال فيلم «في آي: في الحركة» للمخرجة الفرنسية جولييت بينوش جائزة الشرق لأفضل وثائقي.