قلق في دمشق بعد فرض الحكومة قيوداً على توزيع الخبز

خبراء يحذّرون من تجاوز «الخطوط الحمر»

بائع معجنات في دمشق القديمة يرتدي قناعاً للوقاية من «كورونا» أمس (أ.ف.ب)
بائع معجنات في دمشق القديمة يرتدي قناعاً للوقاية من «كورونا» أمس (أ.ف.ب)
TT

قلق في دمشق بعد فرض الحكومة قيوداً على توزيع الخبز

بائع معجنات في دمشق القديمة يرتدي قناعاً للوقاية من «كورونا» أمس (أ.ف.ب)
بائع معجنات في دمشق القديمة يرتدي قناعاً للوقاية من «كورونا» أمس (أ.ف.ب)

رغم حالة الفقر في مناطق سيطرة الحكومة السورية وتفشي وباء «كورونا»، تتمسك الحكومة بتوزيع مادة الخبز المدعوم عبر «البطاقة الذكية»، ما قد يجعل الحصول على الرغيف صعباً.
ورأى مواطنون في القرار «خيانة» لهم لأنه يلغي «الخطوط الحمر» التي وضعها حزب «البعث» الحاكم، في وقت اعتبر خبراء أن القرار قد يكون مقدمات لرفع الدعم عن الخبز كما حصل في مواد أخرى في ظل العجز الحكومي بتأمين المستلزمات المعيشية للمواطنين.
وبعد تراجع ظاهرة الازدحام الكبير على الأفران في دمشق لتأمين الخبز بالسعر الحكومي المدعوم (خمسين ليرة للربطة الواحدة المؤلفة من ثمانية أرغفة)، التي كانت تحدث في السنوات الأولى للحرب المتواصلة منذ أكثر من تسع سنوات، عادت هذه الظاهرة منذ بداية العام الجاري، وتفاقمت مع الإجراءات الاحترازية لاحتواء تفشي وباء «كورونا» التي أعلنتها الحكومة منتصف مارس (آذار) الماضي، وترافق ذلك مع إعلان الأفران انتهاء عملها في ساعات غير معتادة، في مؤشر على نقص في مادة الدقيق المخصصة لها والتي تتسلمها من الحكومة.
وسط هذه الحال، تزايدت تلميحات الحكومة إلى أنها ستقر توزيع الخبز للمواطنين عبر «البطاقة الذكية» التي تعطى للناس لضبط الحصول على أي مادة، بعد «النجاح مبدئيا في توزيعه بهذه الطريقة عبر المخاتير ولجان الأحياء». وقالت بأن القرار يهدف إلى «ترشيد الاستهلاك»، و«منعاً للمتاجرة بالخبز أو تحويله لعلف للدواب، حيث تم توفير 40 في المائة من الكميات التي كانت تخبز في السابق»، علما بأن عملية التوزيع هذه أحدثت أمام سيارات التوزيع ازدحاما مماثلا لما كان يحصل على الأفران، ووصل سعر ربطة الخبز «المدعوم» في السوق السوداء إلى أكثر من 600 ليرة. (الدولار الأميركي يساوي 1250 ليرة).

- رفض ونداءات
وقوبلت تلميحات الحكومة بحملات رفض، ظهرت على منصات التواصل الاجتماعي وتضمنت نداءات للرئيس بشار الأسد للتدخل ووقف هذا الإجراء، وذلك بسبب التجربة الفاشلة والمريرة للمواطنين في الحصول على مادتي الغاز والمازوت ومواد تموينية رئيسية (سكر، أرز، زيت نباتي، شاي) من خلال «البطاقة الذكية». إذ أنه رغم إعلان الحكومة أن مخصصات العائلة أسطوانة غاز واحدة كل 23 يوما، تؤكد كثير من العائلات أنها لم تستلم أي أسطوانة رغم مرور 75 يوما على تسجيلها. ويقضي الكثير من المسؤولين عن العائلات نهارا كاملا أمام المؤسسات الحكومية للحصول على مواد السكر والأرز والزيت النباتي والشاي، وربما لا يحصل عليها في ذات اليوم، وإن حصل عليها تكون ناقصة لبعض المواد.
لكن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عاطف النداف، قال بعد الرفض لتوزيع الخبز على المواطنين عبر «البطاقة الذكية»، في مؤتمر عقده الاثنين الماضي ستمضي الحكومة في تنفيذ هذه الطريقة. ونقلت عنه مواقع إلكترونية وصفحات على موقع «فيسبوك»: إن التنفيذ يمكن أن يبدأ اعتبارا من الأربعاء (اليوم)، وذكر أنه «خلال ٤ أيام انخفض استهلاك الخبز عبر التوزيع عن طريق المعتمدين»، في إشارة إلى المخاتير ولجان الأحياء، في حين أن الكثير من الأحياء يصلها الخبز مرة كل يومين أو ثلاثة بعد أن يكون غير صالح للاستهلاك بسبب طريقة التجميع والنقل السيئة.

- خيانة
«لؤي» مواطن كباقي معظم المواطنين الذين كانوا يترقبون ما سيقوله النداف، يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «أليس كافيا وجود حرب وغلاء وفقر و«كورونا». الحكومة خانت الناس وباتت تحاربهم برغيف خبزهم الذي يعتبر مادة أساسية لهم ولا يمكنهم الاستغناء عنها». وتوضح سيدة منزل تعمل مدرسة في مرحلة التعليم الثانوي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الناس باتت محرومة حتى من قرص الفلافل، من البيضة، وفوق كل ذلك الحكومة تعمل من أجل أن يصبح الحصول على رغيف الخبز حلما للناس»!، وتضيف: «كل خطوطهم الحمر التي طالما قالوا إنها لن يتم الاقتراب منها من غاز ومازوت وتموين انمحت، والآن يمحون آخرها وأهمها»!
وخلال سنوات الحرب وفي ظل العقوبات الاقتصادية، تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي من نحو 50 ليرة إلى أكثر من 1250 ليرة وتضاعفت الأسعار أكثر من 30 ضعفا، وبات أكثر من 86 في المائة من المواطنين في مناطق سيطرة يعيشون تحت خط الفقر.
من جهته، يوضح أنه تم تعيين 473 معتمدا، و108 أفران، و86 بقالية في دمشق لتوزيع الخبر على المواطنين عبر «البطاقة الذكية»، بسعر 50 ليرة سورية للربطة الواحدة، يضاف إليها 10 ليرات أجور النقل، ما يعني زيادة بلغت 20 في المائة على السعر الحكومي «المدعوم».

- مجال للتلاعب
اللافت في حديث النداف، إعلانه أنه «يحق لكل معتمد ١٠ في المائة من الكمية لتسليمها للعائلات أو الأشخاص غير مالكي البطاقة الذكية، بعد تسجيل اسمه والرقم الوطني لديه»!، وهو ما قد يؤدي إلى تلاعب كبير في مصير هذه الكمية من قبل المعتمدين.
ومن دون أن يذكر عدد المتوفر منها، تحدث النداف عن «زيادة عدد الأجهزة الإلكترونية القارئة للبطاقة الذكية في الأفران وجاهزيتها بشكل كامل»، على حين لم يذكر عدد الأجهزة التي ستوزع على المعتمدين، وسط معلومات أن دمشق تحتاج إلى ألف جهاز المتوفر منها لا يتجاوز المائة جهاز، الأمر الذي سيتسبب بحدوث حالات ازدحام كبيرة على المنافذ التي تتوفر فيها الأجهزة، علما بأن ثمن الجهاز الواحد يقدر بـأكثر من 450 ألف ليرة سورية.
وفي محاولة للالتفاف على الرفض، تراجع النداف عن تصريحات سابقة لمسؤولين في الوزارة حددوا فيها الحصص اليومية للعائلات من الخبز «المدعوم» بربطة واحدة يوميا للأسرة التي يبلغ عدد أفرادها حتى 3 أشخاص، وربطتين للأسر بين 4 - 7 أفراد، بينما تحصل على 3 ربطات الأسر التي تتجاوز 7 أفراد، وذكر أنه «يحق لكل مواطن الحصول على الكمية التي يرغب بها من الخبز بشكل يومي عبر البطاقة الذكية».
ويرى خبراء اقتصاديون لـ«الشرق الأوسط» فضلوا عدم ذكر أسمائهم، أن قرار الحكومة المتعلق بالخبز ليس سببه كما «تزعم ترشيد الاستهلاك بقدر ما هو نقص في مادة الدقيق كباقي المستلزمات المعيشية للسوريين وعجز الحكومة عن تأمينها في ظل العقوبات المفروضة على سوريا وتفاقم هذا العجز مع انعدام حركة الشحن التي فرضها تفشي وباء كورونا».

- أسعار أغلى من العالمية
ويلفت أحد هؤلاء الخبراء إلى «احتمال أن يكون هذ القرار تمهيدا لرفع الدعم نهائيا عن مادة الخبر»، مشيرا إلى أن «سيناريوهات مشابهة حصلت إزاء مواد كانت مدعومة مثل الغاز والبنزين والمازوت، إذ انقطت تلك المواد ومن ثم توافرت بكميات قليلة مع رفع أسعارها لتصل إلى أغلى مما هي عليه في السوق العالمية، علما بأن أسعار بعض المواد الغذائية في الأسواق السورية حاليا تفوق ثلاثة أضعاف ما هي عليه في الأسواق العالمية. إذ أن كيلو السكر بالسوق العالمية أقل من 20 سنتا أي يساوي 220 ليرة سورية بينما في السوق السورية حاليا بـ600 ليرة!».
ومما يعزز التكهنات بنية الحكومة رفع الدعم عن «الخبز»، نقل مواقع إلكترونية خلال الأسبوع الجاري عن مسؤول في محافظة دمشق، أن الحكومة تدرس رفع أسعار «الخبز السياحي» والكعك وخبز الصمون، على أن تصدر التسعيرة الجديدة الأسبوع المقبل. وبرر المسؤول ما ستقدم عليه الحكومة بـ«الارتفاع الكبير في كلف الإنتاج»، مشيرا إلى أن التسعيرة السابقة صدرت عندما كان سعر الطحين 150 ليرة بينما اليوم سعره أكثر من 350 ليرة، إضافة لارتفاع سعر الزيت والمحسنات.
وشهدت أسعار «الخبز السياحي» ارتفاعاً خياليا خلال الفترة الماضية ليصل سعر الكيلو إلى 750 ليرة، بينما وصل سعر كيلو الكعك إلى 1400 ليرة، أما خبز الصمون (باغيت) فبلغ سعر الكيلو منه نحو 700 ليرة، علما بأن سعر كيلو «الخبز السياحي» في آخر تسعيرة حكومية يبلغ 350 ليرة، والكعك بالسمسم بـ850 ليرة، وبدون سمسم 800 ليرة، والصمون الطري 400 ليرة والقاسي 450.
وقبل 2011 كانت سوريا تنتج أربعة ملايين طن من القمح في العام، وكان بإمكانها تصدير 1.5 مليون طن، في وقت قدر تقرير أممي، إنتاج القمح فيها العام الماضي بنحو 1.2 مليون طن، وهو أدنى مستوى منذ 29 عاما، وسط معلومات أنها تسلمت منه نحو 500 ألف طن فقط، وأن يتراجع الإنتاج أكثر هذا العام.
وكانت محافظات الجزيرة (الحسكة، ودير الزور، والرقة) التي تسيطر على معظمها «قوات سوريا الديمقراطية»، إضافة إلى حلب، تشكل الخزّان الاستراتيجي للقمح لأكثر من 23 مليون سوري.
وفي العام الماضي أبدت الحكومة استعدادها لشراء كل القمح الذي يقدم لها عبر مراكز الشراء والتجميع، بينما أعلنت الأمم المتحدة أن هناك 13 مليون شخص من السكان في سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
وبينما يقوم عدد من المزارعين في المناطق الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» ببيع محاصيل القمح لـ«الإدارة الذاتية»، يقوم مزارعون في مناطق الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا ببيع القمح لمراكز تابعة للحكومة المؤقتة المدعومة من تركيا.
وخلال الصيف الماضي، اندلعت حرائق غامضة في الأراضي المزروعة بمحصول القمح سواء الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة أو «الإدارة الذاتية» أو مناطق الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا، مع تبادل تلك الأطراف الاتهامات بالوقوف وراء تلك الحرائق.
وتحتاج المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة ما بين مليون ومليون ونصف طن سنوياً لسد احتياجاتها من مادة الطحين، ولذلك تقوم «المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب» التابعة للحكومة منذ اندلاع الحرب في البلاد بطرح مناقصات عالمية للشراء.
وكشفت مصادر تجارية غربية الأسبوع الماضي عن أن «المؤسسة العامة لتجارة وتخزين وتصنيع الحبوب» في سوريا طرحت مناقصة جديدة لشراء 200 ألف طن من قمح اللين لتصنيع الخبز للتوريد من روسيا وحدها.
كما أفادت المؤسسة بتلقي البلاد 25 ألف طن من القمح الروسي كمساعدات عبر ميناء اللاذقية، وقالت في بيان: «وصلت إلى مرفأ اللاذقية باخرة محملة بخمسة وعشرين ألف طن من القمح الطري كمساعدة من روسيا إلى الشعب السوري».


مقالات ذات صلة

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

أوروبا سجّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة كورونا في أوروبا إذ حصد «كوفيد - 19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

بلغت تكلفة الاحتيال المتعلق ببرامج الدعم الحكومي خلال جائحة كوفيد - 19 في بريطانيا 10.9 مليار جنيه إسترليني (14.42 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق امرأة ترتدي الكمامة خلال فترة انتشار الجائحة في كندا (رويترز)

كيف أثّر وباء «كوفيد» على مرحلة البلوغ لدى الفتيات؟

تسبب الإغلاق الذي فُرض بعد انتشار جائحة «كوفيد - 19» في توقف شبه تام للحياة، وشهد مئات الملايين من الأشخاص تغيُّرات جذرية في أنماط حياتهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك طفلة تتلقى جرعة من لقاح «موديرنا» لفيروس «كورونا» بصيدلية سكيباك في شوينكسفيل - بنسلفانيا (رويترز)

تقرير أميركي: وفاة 10 أطفال بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا»

قال مارتي ماكاري، مفوض إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية، اليوم (السبت)، إن البيانات أظهرت وفاة 10 أطفال؛ بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل في المكسيك يتلقى جرعة من لقاح الحصبة (رويترز)

لقاحات شائعة تمنع الأمراض المزمنة وبعض أنواع السرطان... تعرّف عليها

لا تقتصر فوائد اللقاحات على حمايتك من أمراض معدية محددة أو تخفيف حدة الأعراض عند الإصابة بالمرض، بل يمكنها أيضاً الوقاية من الأمراض المزمنة الشائعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ شخص يجهز جرعة من لقاح «كوفيد-19» (رويترز)

تقرير: «الغذاء والدواء» الأميركية تربط وفاة 10 أطفال بلقاحات «كوفيد»

كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس (الجمعة) أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية ذكرت في مذكرة داخلية أن 10 أطفال على الأقل لقوا حتفهم على «بسبب» لقاحات «كوفيد-19».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يشهد شرق اليمن، وتحديداً وادي حضرموت ومحافظة المهرة، واحدة من أكثر موجات التوتر خطراً منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل (نيسان) 2022، وسط تصاعد في الخطاب السياسي، وتحركات عسكرية ميدانية، وإعادة رسم للتحالفات داخل المعسكر المناهض للحوثيين؛ الأمر الذي يضع البلاد أمام احتمالات مفتوحة قد تنعكس على كامل المشهد اليمني، بما في ذلك مسار الحرب مع الجماعة الحوثية، وواقع الإدارة المحلية، ووضع الاقتصاد المنهك.

وفي هذا السياق، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي بوضوح نيته المضي نحو تعزيز سيطرته الأمنية في وادي حضرموت. وقال علي الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية للانتقالي، إن «الانتصارات الأخيرة شكلت بارقة أمل لأبناء حضرموت»، مشيراً إلى أن «مرحلة ما بعد التحرير تتطلب تضافر الجهود للحفاظ على المكتسبات».

رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عيدروس الزبيدي (أ.ب)

وكان لافتاً حديثه عن أن «تأمين وادي حضرموت يمثل أولوية قصوى»، في إشارة مباشرة إلى مطلب الانتقالي القديم بإخراج القوات الحكومية من الوادي واستبدالها بقوات «النخبة الحضرمية» الموالية له، بالتوازي مع تأكيده أنّ الجنوب «مقبل على دولة فيدرالية عادلة»، في تكرار لرؤيته الداعية إلى إنهاء الوحدة بصيغتها الحالية.

بالنسبة للانتقالي، فإن السيطرة على وادي حضرموت والمهرة ليست مجرد توسع جغرافي؛ بل جزء من رؤية استراتيجية تهدف إلى ترسيخ النفوذ جنوباً استعداداً لأي تسوية سياسية مقبلة بخاصة في ظل مطالب المجلس باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990.

موقف العليمي

في المقابل، صعّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي خطابه بعد أن غادر العاصمة المؤقتة عدن بالتوازي مع تصعيد المجلس الانتقالي؛ إذ شدد بشكل واضح على «انسحاب القوات الوافدة من خارج حضرموت والمهرة» وتمكين السلطات المحلية من إدارة شؤون المحافظتين.

وجاءت مواقف العليمي من خلال تصريحاته أمام السفراء الراعيين للعملية السياسية في اليمن، وأخيراً من خلال اتصالات هاتفية مع محافظي حضرموت والمهرة، في رسالة أراد من خلالها تقديم دعم مباشر للسلطات المحلية والدفع نحو تهدئة التوتر بعيداً عن الخطوات الأحادية التي أعلنها المجلس الانتقالي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وشدد العليمي على ضرورة «عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، محذراً من مخاطر التصعيد على الاقتصاد والواقع الإنساني. كما دعا إلى «تحقيق شامل في الانتهاكات المرافقة للإجراءات الأحادية»، في إشارة إلى الاعتقالات والإخفاءات التي تقول جهات حقوقية إنها رافقت عمليات الانتقالي في بعض المناطق الجنوبية.

ويبرز من هذه التصريحات حجم الهوة داخل مجلس القيادة الرئاسي نفسه؛ إذ يتحرك كل طرف من أطرافه بشكل مستقل، بينما تتسع الفجوة بين مواقف العليمي والانتقالي بشأن مستقبل الإدارة الأمنية والعسكرية للشرق اليمني.

مخاوف واسعة

يثير تصاعد الأحداث في شرق اليمن مخاوف من أن تتحول حضرموت والمهرة، وهما أكبر محافظتين في البلاد مساحة، إلى بؤرة صراع داخلي قد تجرّ اليمنيين إلى فوضى جديدة. فالمنطقة، التي تمتاز بامتدادات جغرافية واسعة وثروات نفطية ومنافذ برية مهمة مع السعودية وسلطنة عُمان، حافظت لسنوات على نمط من الاستقرار النسبي مقارنة بمناطق الحرب الأخرى.

لكن دخول قوات إضافية وفرض وقائع أمنية وعسكرية قد يؤدي إلى تقويض الإدارة المحلية التي تعتمد على التوازنات القبلية والسياسية، وعرقلة إنتاج النفط الذي يمثل شرياناً اقتصادياً أساسياً، مع ارتفاع خطر الجماعات المتطرفة التي تستغل عادة الفراغات الأمنية، إضافة إلى تعميق الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي وانعكاس ذلك على قدرته في إدارة ملفات الحرب والسلم.

كما يهدد التصعيد بتفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يعيش أكثر من 23 مليون من سكانه على المساعدات، بينما تشير تقارير أممية إلى أن 13 مليوناً قد يبقون بلا دعم إنساني كافٍ خلال العام المقبل.

تنسيق الزبيدي وصالح

على خلفية هذه التطورات، أجرى طارق صالح اتصالاً برئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، في خطوة أضافت طبقة جديدة من التعقيد، بخاصة وأن الطرفين عضوان في مجلس القيادة الرئاسي الذي يقوده العليمي.

وحسب بيان الانتقالي، ناقش الطرفان «سبل التنسيق المشترك لإطلاق معركة لتحرير شمال اليمن من الحوثيين»، مؤكدين أن «المعركة واحدة والمخاطر واحدة»، مع الإشارة إلى تعاون مستقبلي لمواجهة «الجماعات الإرهابية» بما فيها الحوثيون وتنظيم «القاعدة».

المجلس الانتقالي الجنوبي يطالب باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)

هذا التواصل ليس عادياً؛ فهو يجمع بين قيادتين تنتميان لمدرستين سياسيتين مختلفتين، الزبيدي بمشروعه الانفصالي جنوباً، وطارق صالح بمشروع «الجمهورية الثانية» شمالاً. لكن المشترك بينهما هو الرغبة في إعادة ترتيب موازين القوة داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وتشكيل محور عسكري قادر على التحرك خارج حسابات الحكومة الشرعية، غير أن الرهان دائماً سيكون منوطاً بالإيقاع السياسي الذي تقوده الرياض.

وحسب مراقبين، يسعى الطرفان إلى استثمار الجمود في مسار التفاوض مع الحوثيين وملء الفراغ الناجم عن التغاضي الدولي تجاه الوضع في اليمن؛ وذلك لصياغة تحالف جديد يعيد تشكيل الخريطة السياسية، ويمنح كلاً منهما مساحة أكبر للتأثير، لكن كل ذلك يبقى غير مضمون النتائج في ظل وجود التهديد الحوثي المتصاعد.

بين الحوثيين والانتقالي

تأتي هذه التطورات في وقت تتراجع فيه العمليات القتالية بين الحكومة والحوثيين على معظم الجبهات. ومع أن الحوثيين يواصلون الحشد والتجنيد، فإن خطوط الجبهة الداخلية بين شركاء «معسكر الشرعية» باتت أكثر اشتعالاً من خطوط القتال مع الحوثيين أنفسهم.

ويحذّر خبراء من أن أي انقسام إضافي داخل هذا المعسكر سيمنح الحوثيين هامشاً أوسع لتعزيز نفوذهم، خصوصاً أنهم يراقبون من كثب ما يجري في الشرق، حيث تعتمد الحكومة الشرعية على الاستقرار هناك لضمان مرور الموارد والتحركات العسكرية.

وبين دعوات الانتقالي إلى «مرحلة ما بعد التحرير»، ومطالب العليمي بعودة القوات إلى تموضعها السابق، ومحاولات الزبيدي وطارق صالح لتشكيل موقف موحد، يجد سكان حضرموت والمهرة أنفسهم أمام مشهد معقد يشبه صراع نفوذ متعدد الطبقات.

وفد سعودي برئاسة اللواء محمد القحطاني زار حضرموت لتهدئة الأوضاع (سبأ)

فالمنطقة التي لطالما عُرفت بقبائلها وامتدادها التجاري والاجتماعي مع دول الخليج، باتت اليوم ساحة اختبار لمعادلات سياسية تتجاوز حدودها، وسط مخاوف من أن يقود هذا التصعيد إلى هيمنة على السلطة تتناسب مع المتغيرات التي فرضها المجلس الانتقالي على الأرض، بالتوازي مع تحذيرات من انفجار جديد يعمّق الانقسام اليمني بدلاً من رأبه.

وفي كل الأحوال، يرى قطاع عريض من اليمنيين والمراقبين الدوليين أن العامل الحاسم يظل مرتبطاً بموقف الرياض التي تمسك بخيوط المشهد الرئيسية، وقد دعت بوضوح إلى خفض التصعيد والتهدئة، عادَّة أن أي فوضى في المناطق المحررة في الجنوب والشرق اليمني ستنعكس سلباً على جهود إنهاء الحرب مع الحوثيين، مع اعترافها الواضح أيضاً بعدالة «القضية الجنوبية» التي يتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي حمل رايتها.


«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
TT

«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)

حديث عن خطط للإعمار الجزئي لمناطق في قطاع غزة، تقابلها تأكيدات عربية رسمية بحتمية البدء في كامل القطاع، بعد نحو أسبوعين من تأجيل «مؤتمر القاهرة» المعني بحشد تمويلات ضخمة لإعادة الحياة بالقطاع المدمر وسط تقديرات تصل إلى 35 مليار دولار.

تلك «الخطط الجزئية» التي تستهدف مناطق من بينها رفح الفلسطينية، تقول تسريبات عبرية إن حكومة بنيامين نتنياهو وافقت على تمويلها، وهذا ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تماشياً مع خطط أميركية سابقة حال التعثر في الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأشاروا إلى أن مؤتمر القاهرة للإعمار سيعطل فترة من الوقت؛ ولكن في النهاية سيعقد ولكن ليس قريباً ومخرجاته ستواجه عقبات إسرائيلية في التنفيذ.

ونقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوبي القطاع من أجل إعادة إعمارها.

ويتوقع، وفق مصادر الصحيفة، أن تكون إسرائيل مطالبة بإزالة أنقاض قطاع غزة بأكمله، في عملية ستستمر سنوات بتكلفة إجمالية تزيد على مليار دولار.

وترغب الولايات المتحدة في البدء بإعادة إعمار رفح، على أمل أن تجعلها نموذجاً ناجحاً لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتأهيل القطاع، وبالتالي جذب العديد من السكان من مختلف أنحائه، على أن يعاد بناء المناطق الأخرى في مراحل لاحقة، وفق الصحيفة الإسرائيلية.

تلك التسريبات الإسرائيلية، بعد نحو أسبوعين من تصريحات للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط»، أكد خلالها أن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

وفي 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر «لن ينعقد في موعده (نهاية نوفمبر) وسيتأجل». وأرجع ذلك إلى التصعيد الحالي بالقطاع، وسعي القاهرة إلى توفر ظروف وأوضاع أفضل على الأرض من أجل تحقيق أهدافه، تزامناً مع تقرير عن مخططات إسرائيلية لتقسيم قطاع غزة لقسمين أحدهما تحت سيطرة إسرائيلية والآخر تتواجد فيه «حماس» ولا يتجاوز نحو 55 في المائة من مساحة القطاع.

صبيان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وذلك وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار. ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

ويرى عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن، أن تلك الخطط لن يوافق عليها ضامنو وبعض وسطاء اتفاق غزة باعتبارها مخالفة للاتفاق، وتطرح مع تحركات إسرائيلية لتعطيل المرحلة الثانية بدعوى أهمية البدء في نزع سلاح القطاع أولاً.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن موافقة إسرائيل على تمويل الإعمار الجزئي وعودة الترويج له إسرائيلياً، يشير لعدم احتمال الوصول لمرحلة ثانية واللجوء لخطة بديلة تحدث عنها جاريد كوشنر صهر ترمب بالبناء في المناطق الخارجة عن سيطرة «حماس» ما دامت الحركة لم تُنهِ بند نزع السلاح، مشيراً إلى أن عودة الحديث عن خطط الإعمار الجزئي تؤخر الإعمار الشامل وتعطي رسالة للدول التي ستمول بأن ثمة عقبات، وبالتالي ستعطل عقد مسار مؤتمر القاهرة.

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، ما دام أمكن تأمينها لبدء البناء كغزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

فلسطينيون نازحون يسيرون أمام المباني المدمرة في حي تل الهوى في الجزء الجنوبي من مدينة غزة (أ.ف.ب)

تلك الخطط الجزئية تخالف مواقف عربية، وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، في اتصال هاتفي، الخميس، على ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف الحرب في القطاع، وحتمية البدء في عملية إعادة إعمار القطاع، وفق بيان للرئاسة المصرية.

وفي مقابلة مع المذيع الأميركي تاكر كارلسون، بـ«منتدى الدوحة»، الأحد الماضي، قال رئيس الوزراء القطري، محمد عبد الرحمن آل ثاني «لن نتخلى عن الفلسطينيين، لكننا لن نوقّع على الشيكات التي ستعيد بناء ما دمره غيرنا».

ويعتقد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» أن طلب قطر قبل أيام بتحمل إسرائيل تمويل ما دمرته «تعبير عن موقف عربي صارم للضغط لعدم تكرار التدمير»، مشيراً إلى أن مصر تدرك أيضاً أن إسرائيل تتحرك في الخطة البديلة بإعمار جزئي في رفح لكن القاهرة تريد تعزيز الموقف العربي المتمسك بالإعمار الكامل، والذي سيبدأ مؤتمره مع بدء المرحلة الثانية التي تشمل انسحاباً إسرائيلياً. بينما يرى المحلل السياسي الفلسطيني أن الموقف العربي سيشكل ضغطاً بالتأكيد لكن هناك وجهات نظر متباينة، مشيراً إلى أن مؤتمر إعمار القاهرة مرتبط بحجم التقدم في المرحلة الثانية ونزع السلاح بالقطاع؛ إلا أنه في النهاية سيحدث، لكن ليس في القريب العاجل وستكون مخرجاته مهددة بعقبات إسرائيلية.


جبايات الحوثيين تعمّق الركود الاقتصادي وتغلق عشرات الشركات

ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
TT

جبايات الحوثيين تعمّق الركود الاقتصادي وتغلق عشرات الشركات

ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)

تتواصل الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بصورة متسارعة، مع تصاعد شكاوى التجار من الزيادات الجديدة في الضرائب والرسوم المفروضة عليهم، وهي إجراءات وصفوها بـ«التعسفية»، كونها تمتد إلى مختلف الأنشطة التجارية دون استثناء.

في هذا السياق، أكد تقرير دولي حديث أن الضغوط المالية المفروضة على القطاع الخاص باتت تهدد بقاء مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما دفعت بالفعل العديد منها إلى إغلاق أبوابها خلال الأشهر الماضية.

وحسب التقرير الصادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الوضع الاقتصادي في مناطق الحوثيين «يستمر في التدهور بوتيرة متصاعدة»، نتيجة الحملات المتكررة للجبايات التي تستهدف المطاعم والمتاجر والفنادق وقطاعات التجزئة.

وأشار التقرير إلى أن سلطات الحوثيين فرضت مؤخراً رسوماً إضافية على التجار تحت مبرر دعم الإنتاج المحلي، غير أن تلك الرسوم جاءت في سياق سلسلة ممتدة من القيود المالية والتنظيمية التي أثقلت كاهل أصحاب الأعمال.

الحوثيون تجاهلوا مطالب التجار بالتراجع عن زيادة الضرائب (إعلام محلي)

واحد من أبرز هذه الإجراءات كان فرض ضريبة جمركية بنسبة 100 في المائة على السلع غير الغذائية المستوردة، وهو ما أدى -وفق التقرير- إلى إغلاق عدد كبير من محلات التجزئة والمؤسسات الصغيرة التي لم تعد قادرة على تحمّل ارتفاع التكلفة التشغيلية والانخفاض المتواصل في الطلب. وتزامن ذلك مع استمرار الحوثيين في تجاهل مطالب التجار بالتراجع عن هذه الزيادات، رغم الاحتجاجات التي شهدتها صنعاء خلال الأسابيع الماضية.

تراجع غير مسبوق

يشير التقرير الدولي إلى أن العمل بالأجر اليومي والأعمال الحرة التي كانت تشكّل مصدر دخل رئيسياً للأسر الفقيرة والمتوسطة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، باتت تواجه تراجعاً غير مسبوق نتيجة خسائر الدخل وتراجع القدرة الشرائية.

ويحذّر التقرير من أن استمرار هذا التراجع سيقلل «على الأرجح» من قدرة الأسر على الحصول حتى على الغذاء بالتقسيط، وهو إحدى آخر الوسائل التي كان يعتمد عليها السكان خلال السنوات الماضية لمواجهة الضائقة المعيشية.

المزارعون والتجار في مناطق سيطرة الحوثيين يعانون من الجبايات (رويترز)

وفي المقابل، استعرض التقرير الإجراءات الاقتصادية التي تنوي الحكومة المعترف بها دولياً اتخاذها، ومنها رفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 100 في المائة.

وعلى الرغم من التأكيدات الحكومية أن المواد الغذائية الأساسية مستثناة من هذا التعديل، يتوقع محللون أن ترتفع أسعار السلع غير الغذائية بنحو 6 إلى 7 في المائة، وسط مخاوف من استغلال بعض التجار للوضع ورفع الأسعار بنسب أكبر في ظل ضعف الرقابة المؤسسية.

استمرار الأزمة

تتوقع «شبكة الإنذار المبكر» أن تستمر حالة الأزمة واسعة النطاق في اليمن (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي للأمن الغذائي) حتى مايو (أيار) من العام المقبل على الأقل.

ويعزو التقرير الدولي ذلك إلى تأثيرات الصراع الاقتصادي بين الحوثيين والحكومة اليمنية الشرعية الذي أدى إلى تقويض النشاط التجاري، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور بيئة الأعمال، بالإضافة إلى ضعف سوق العمل وانحسار القدرة الشرائية للمواطنين.

أما في محافظات الحديدة وحجة وتعز فيتوقع التقرير استمرار حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة)، نتيجة آثار الهجمات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت البنية التحتية الحيوية مثل المنشآت والمواني في الحديدة، بالإضافة إلى عجز سلطات الحوثيين عن إعادة تأهيل هذه المرافق.

الحوثيون متهمون بتدمير مستقبل جيل يمني بكامله جراء انقلابهم (إ.ب.أ)

وقد أدى هذا الوضع إلى انخفاض شديد في الطلب على العمالة، وتراجع مصادر الدخل الأساسية للأسر في هذه المناطق.

وتناول تقرير الشبكة التطورات المتعلقة بالوديعة السعودية للبنك المركزي اليمني، وتوقعت أن تُسهم هذه المبالغ في تعزيز المالية العامة ومعالجة عجز الموازنة، بما يمكن الحكومة من استئناف بعض التزاماتها المتوقفة، بما في ذلك صرف الرواتب.

ومع ذلك، يؤكد التقرير أن هذا الدعم «قصير الأجل» ولا يعالج المشكلات الهيكلية العميقة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني، خصوصاً في جانب الإنتاج وفرص العمل وبيئة الاستثمار.