قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل : صَمْتُهُ أكثرُ فصاحة

رفيف الظل : صَمْتُهُ أكثرُ فصاحة

لا ذنبَ للماء أن نثروا عليه رفات أمجادهم، وليس على الصحراء إلا أن تكون الرحيل. من نفقٍ سيخرج المنافق، في يده الثعبان وفي لسانه عسلٌ مسموم، وسوف يصدقه القضاة وماسحو الدم والملعونون منذ مهد فطامهم، لكن المتشبثين بالأعالي سيرمونه بحجر الشك، وسيفلق الشعراء رأسه لتعرية المصيبة. مسكُ البداية نصٌ يفارق النص. يستويان، الحزن والفرح في لون واحد، يتناسل ويبرأ ويتكشّف عن القصي من الروح الشريدة. وإن افترقا علنا، فإنهما متوازيان والثالث بينهما انتباهك. لكن لا أحد يصل. الأفقُ أن تذهب إليه وحدك. ألوانك هناك. تصل إليه ولا تصل، بالثياب التي كستك عريا، كأنك على عتبة مفتوحة، عتبة تدور.

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: راية تتلكأ عن بياضها

رفيف الظل: راية تتلكأ عن بياضها

المسافرون يطلّونَ من نوافذ العربة، وقد ازرقّتْ جلودهم. يصرخ أحدهم: - يا ألله، النهارُ يترنح. يتكوّم الرجالُ والنساء والأطفال حول بعضهم، يتمتمون الآياتِ والأدعية. يندفع القطارُ على السكّة التي غمرتها الدماء البشرية المنهمرة من جانبيه. حين تصطدم العربة بالنهار، تهوي صاعقة أرجوانية، فيحترق الغيمُ والهواء، تحترق نداءاتُ الاستغاثة، ويطلّ من الحطام بطلٌ جديد، يده التواء المسافة وسهم نباله من لعاب، وسوف يحمله المرضى إلى سرير الكفن مولودا ثالثا من صلب النقيضين، هذا وإلا فمَنْ يكون؟ عربدة المشاعر في لهوٍ ثائر؟ طحينُ عظام تئن؟ ذكرى نكبات مستقبلية ونشيجُ رمل وطئته أقدام الغريب؟ سيان لو تصرخ أو يلعنونك.

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: الساعة الثالثة قهرا

رفيف الظل: الساعة الثالثة قهرا

هذه وحدتي تتعدد لأنك منتهاها، والرحمة واحدة وإن فرقها القضاة. لا ترتجي العدل فهو حسرة المظلوم. لا تأمن لحبل قطعوه ليصنعوا معجزاتهم في الشنق، وهذا سبب كاف كي تشك في العدم، فهل تولد من جديد كي نسميك النقاء؟ هذا الظل المنقوع في قهوة جسدك، لا يضيف لها نكهة الطريق، بل يزيد من مرارته، فتغدو لا تستطيع تذوق اختياراتك.

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: يهطلُ إلى سماءِ شيبِك

رفيف الظل: يهطلُ إلى سماءِ شيبِك

تتأجّجُ الظهيرة بالسماوات، إذ يهبطان معا ليكتشفا أن النباتَ يخلقُ الموسيقى، حتى قبل أن تجفّ النارُ، وقبل أن يكتبَ رمادُها نونَنا الأولى. هاتِ أقداحك، لئلا يقال إننا قصّرنا عن شاهق الصيف وتأخرنا عن السهرة.. هاتها، فسوف يطيبُ للشمل أن يكتمل، والشكل أن يغمضَ عينيه وهو يهطل علينا لبنا وياسمينا. هاتها، جاءتنا الولاداتُ بالغنى والتنوع وسوف نحتفي كما يليق بهذه النعمة. احتفِ بها، نخبُها مطرٌ يهطلُ من بين أصابعها، صعودا إلى سماءِ شيبكِ، آه يا شيبة عمرك الذي يصرخ كل صباح بأنه يلدُ العالم. هذه المولودة الصغيرة كأنها قضمة أخرى في تفاحة الخلق، وأنتَ يا آدم العطشان..

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: يدّعي وصلا بهذا

رفيف الظل: يدّعي وصلا بهذا

التقينا على طاولة الشك، في يدها الشوكة وفي معصمي السكين، وحين خرجنا في الوداع وهي السلامُ يغادر، جاءت الحرب. صفة لما يغسل الحرقة المنقوعة في المعنى المراوغ، ووصفٌ لطعنة الذات للذات، وفي المشهد بشرٌ ملاعين، وسماسرة يسايرون الموجَ وهو أخضر، وجلادون سياطهم اللسان ونارهم القذفُ في الأنساب وهي حبلٌ مقطوع. تعالي يا سحابة الرجال، جفّ حليبُ الأمهات وصرنا نرضع الدم، وغررَ بنا ملحدُ اليقين، فهل من فرار؟

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: نُفسّرُ النهرَ مرتين ولا نعبر

رفيف الظل: نُفسّرُ النهرَ مرتين ولا نعبر

إنه دَرَجُ البصمة الصباحيّة، يصعدهُ مرتادو النهارِ لكي تهبطَ بهوياتهم إلى القاع، ولكي يتقاتلوا في المساءِ بحثا عنها. الهوية ليستْ سوى نقشٍ رقمي على بطاقة أُعيدَ تصنيعُها. هل يا تُرى كلّ هذا القتل جديرٌ بها؟ أليستِ الهوياتُ مجردَ مرايا يمكنُ أن تُكسَرَ برمية حجر؟ أليسَ الانتماءُ إلى الحقيقة هو الخلاص المحض؟ فئتانِ في الدنيا هما ضدّكَ وأنت، وكلاكما نشيدُ قناع. الجوهرُ الإنساني أو جذرهُ نقاءٌ بكر، لكنّ قشرتَهُ حين يُكسرُ، تتلوثُ باتباعِ هوى السلالة. وماذا نسمّي الغريبَ وهو هنا كلانا؟ عندما، ونحنُ منفصمانِ، يكتمل؟ أليستِ الحقيقة هي جفافُ جرح سينزفُ لاحقا؟

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: كتبنا الطريقَ.. محانا الوصول

رفيف الظل: كتبنا الطريقَ.. محانا الوصول

يصرخُ الجبانُ: من أنا بين أقنعتي؟ ويلدغُه صدى صامتٌ في لسانه، ويخدش همزتَهُ حرفٌ طويل. الخوفُ دائرة لا تدور. عندما تصير الكلمة جمرة في الرمق ويعسر نطقها، وعندما ترتفع السياطُ ونحن لم نصفق بعد، وهذا وذاك مقتولان بالمجان. لن يحنو علينا الجدارُ وقد عهدناه أبا في الشدّة. وهذا المسير، ألا تراهُ يعيدنا معلولين إلى البداية مرة ومرتين؟

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل:  يَنْتصِفُ الليلُ ليُكْمِلَك

رفيف الظل: يَنْتصِفُ الليلُ ليُكْمِلَك

هذا هو الليل، ينتصفُ ليكملَك. انتبه، وقتُكَ انتهى، ابتدى وقتُهم. سوفَ يقضمونَ العظام، سيدٌ في الظلامِ اعتدى، عندما في النهار صرتَ ندا لهم. انتبه، موتُنا في التمام. واحدٌ والبقية جر، اثنانِ وما مِن تهمة إلا انفضّ شاهدُها في النفي، ثم يكادُ وصفُ الماءِ أن يغرقَ ويتدلى من عنفِ مجراه اسمٌ غريبٌ سيأتي، معترفا لأنه يؤمن بالقسَم، وسيقول لا 3 مراتٍ ويختفي في جدار. ثم سيتخذونَهُ رمزا بعد أن ذابَ في النكرة، ولم يبقَ من اسمه سوى الهاء، ممطوطة كي يكتملَ المخطوط، ويُبعث في نشيدٍ نشاز. وجدناهُ في الملة وأضعناهُ في الذات، وهو انتصافُ الشمائل بين نعم ولا، بوحُ التميمة وبحّة الكهل في سهل الصعوبة.

قاسم حداد