سعيد بنسعيد العلوي
كاتب واكاديمي مغربي

شواهد التعمير والبناء

ألف الناس، عند حلول الذكرى السنوية لجلوس الملك المغربي على العرش، الاستماع لخطاب العرش.

عندما يَزِلٌّ الإعلام

كانت هولندا في القرن السابع عشر تعد جنة يتوق إليها المفكرون، وبلدا حرا يؤويهم عندما يضيق عليهم شطط السلطة في بلدانهم ويتهددهم في نفوسهم. كذلك هاجر إليها كل من الفيلسوف الفرنسي ديكارت، فرارا من جبروت رجال الكنيسة، وبادر بالفرار إليها الفيلسوف الإنجليزي جون لوك، هربا من لهيب الحرب الأهلية التي أتت على الأخضر واليابس في بريطانيا. وبفضل مناخ الحرية الذي كان يسود فيها، أمكن للفيلسوف باروخ سبينوزا أن ينتج ويذيع ما ألفه من فكر تنويري عظيم. والمؤرخون يعلمون، فضلا عما ذكرنا، أن حرية التعبير عن الرأي والقدرة على نشره، في الوقت الذي كانت حرية التعبير وكانت الصحافة جملة تعد أمرا محظورا.

داعش وغير داعش: يوتوبيا الخلافة

تعني كلمة «يوتوبيا»، في أصلها اليوناني، الوجود في غير مكان. وفي عبارة أخرى الوجود في الوهم أو في الخيال المطلق، في الخيال إذ يجمح بصاحبه فيرسله يمينا ويسارا. اليوتوبيا عالم عجيب، مفارق للواقع، يرسمه صاحبه ويركبه في خياله على نحو يجمع فيه كل ما كان يفتقده في الواقع العيني: إما لأنه عاجز عن تحقيقه أو لأنه ليس من شأن الواقع البشري أن يجعله أمرا ممكنا، وقد يلتقي الأمران معا ويتداخلان فيما بينهما ويتفاعلان. وقد أبدع العقل البشري صورا ونماذج شتى لعوالم لا تمت إلى الواقع الممكن بشريا بصلة. لعل أقدم العوالم التي رسمها خيال المفكرين جمهورية أفلاطون، التي تعرف اختصارا بـ«الجمهورية».

تعثر المعارضة في المغرب

من نافلة القول، ومن أبجديات الوجود السياسي، أن المعارضة أمر ضروري للممارسة الديمقراطية السليمة. ولست أريد لنعت الضروري أن يرسل على عواهنه (كما نجد، للأسف، على لسان الكثيرين)، وإنما أقصد بالضروري الأمر الحيوي الذي لا تستقيم الحياة من دونه - وفي اللغة العربية تشترك الضرورة والاضطرار في الجذر وفي المعنى معا. وفي الديمقراطيات العريقة تقاس قوة الديمقراطية الحق وضعفها ليس بوجود المعارضة فحسب، بل بحيويتها وحدتها معا.

شكاوى الصحافة الحزبية في المغرب

أثرت الانتباه في الأسبوع الماضي إلى ظاهرة تميز الصحافة في المغرب (الصحافة المكتوبة تحديدا) ظاهرة نعتها بالوهن الذي يلازم الصحافة الحزبية في المغرب. وأوضحت أنني أقصد بالصحافة الحزبية الجرائد اليومية، والصحف الأسبوعية أحيانا قليلة التي تصدر عن تنظيمات حزبية أو أنها «لسان حالها»، أو المشتهر عنها أنها تعود إلى هذا الحزب أو ذاك.

وهن الصحافة الحزبية في المغرب

من الواضح أن نعت الحزبية في الحديث عن الصحافة يعني انتماء جريدة يومية أو نشرة أسبوعية ما إلى حزب سياسي، أو التزامها بالتعبير عن منحى سياسي معلوم. وطيلة عقود اعتدنا على قراءة عنوان فرعي تحت اسم الجريدة أو النشرة «لسان حزب..». وتاريخ الصحافة المغربية (على غرار الكثير من نشرات الصحافة في البلدان العربية المختلفة) يرتبط إلى حد بعيد بتاريخ حركات التحرر الوطني.

المغرب العربي بين الإرادة والعوائق

أذاعت وكالات الأنباء، في نهاية الأسبوع الماضي، نبأ «تأسيس رابطة علماء المغرب العربي من مدينة إسطنبول من قبل مجموعة من السلفيين من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا». ويرى أحد الصحافيين المغاربة، في مقال تحليلي يلتمس فيه فهم ما حدث، أن الأمر يعتبر سابقة أولى من نوعها تؤسس لأمرين: «تجميع السلفيين في المنطقة، وإنشاء مؤسسة علمية منفصلة عن وصاية المشرق». والواقع أن الأمر - من وجهة نظرنا - يكتسي دلالة أبعد مما يذهب إليه المحلل المشار إليه، دلالة مزدوجة. أما الدلالة الأولى، فهي واضحة للعيان، فهي لا تستوجب بذل جهد كبير في الفهم والإدراك.

المغرب العربي الكبير مرة أخرى

قبل ستة أشهر (29 - 11 - 2013) كتبت من هذا المنبر: «قد يقال إنه يلزم التوفر على قدر هائل من التفاؤل حتى يمكن للمرء أن يتحدث الآن عن المغرب العربي الكبير أفقا للتفكير والعمل (...) بشهادة ما تحمله المنطقة في الوقت الحالي من أحداث جسام». ثم إنني تساءلت في المقال نفسه: «أليس من الإسراف في التفاؤل أن نتحدث عن المغرب العربي في وقت تبدو فيه كل المؤشرات سائرة في خط السير المغاير؟».

المجتمع المدني والمجتمع السياسي في المغرب

تفيد معطيات أخيرة، شبه رسمية، بأن عدد الجمعيات والتنظيمات الاجتماعية في المغرب يناهز المائة ألف منظمة اجتماعية في الوقت الراهن. وقبل بضع سنوات ذكرت معطيات (شبه رسمية) أن مجموع الأشخاص الذين ينتمون، بصفة رسمية، إلى التنظيمات الحزبية في المغرب لا يتعدى المليون فرد من مجموع ساكنة المغرب (نحو 35 مليون نسمة).

الخطاب الديني وتجديده

ترتفع في العالم العربي، في السنوات القليلة الماضية (وفي البلدان التي شهدت حركة الانتفاض السياسي خاصة)، أصوات تدعو إلى تجديد الخطاب الديني وإلى الحاجة الماسة إلى التجديد. والملاحظ أن دعوة التجديد هذه لا تأتي من المنشغلين بالقضايا الدينية فحسب ولا من الذين تصح نسبتهم في الأحوال كلها إلى مجال الإصلاحية على النحو الذي نعهده عند «زعماء الإصلاح» في عصر النهضة، بل إن الدعوة تأتي أيضا من الذين يرون أن موقعهم المنطقي والطبيعي يوجد خارج دائرة الفكر الديني.