فاضل السلطاني
محرر الثقافة والكتب في «الشرق الأوسط» منذ عام 1997. نشر عدة كتب شعرية وترجمات. وفي الدراسات له «خمسون عاماً من الشعر البريطاني» و«الأرض اليباب وتناصها مع التراث الإنساني». وأصدر بالانجليزية «فيليب لاركن شاعراً منتمياً» و«ثلاثة شعراء محدثون». مُجاز في الآداب من جامعة بغداد، وحاصل على درجة الماجستير في الأدبين الأوروبي والأميركي من جامعة لندن.

الحب في عالمنا السائل

كان المفكر الأميركي مارشال بيرمان يقول إن كل ما هو صلب يذوب في الهواء، وقد اتخذه عنوانا لكتابه المهم عن الحداثة، الذي ترجمه قبل سنوات طويلة فاضل جتلر إلى العربية. والحقيقة أن هذه العبارة وردت أول ما وردت في البيان الشيوعي الذي أصدره كارل ماركس وفريدريك إنجلز عام 1848، وفيه توقعا أن الرأسمالية ستتطور لتصبح نظاما عالميا، فالرأسمال، نتيجة التطور الصناعي الهائل آنذاك لا بد أن يجتاز الحدود، مؤسسا بذلك سوقا عالمية قد لا يستطيع أحد السيطرة عليها لأنها تعمل حسب قوانينها الذاتية غير الخاضعة لأي منطق.

لننتظر مذكرات أبي شقرا

حتى قبل أن نقرأ سيرة شوقي أبي شقرا، التي ستصدر بعد أيام قليلة في كتاب ضخم، نستطيع أن نقول إنها ستكون حدثًا ثقافيًا بامتياز. فهذا الرجل، الذي هو أحد عرّابي قصيدة النثر، ومن أوائل المبشرين بها، بالشكل الذي فهمه، وهو الأقرب لجوهرها ومعناها في رأينا، يختزن نصف قرن محتدمًا من الحيرة، والألم، والبحث، واللا يقين في الحياة والشعر معًا، لكن بشجاعة نادرة، وغالبًا هناك... في الوحدة التي تكره الضجيج، وخلف ستائر مسدلة في هذه المطبوعة أو تلك، أو في غرفة بيت ضائع في قرية ريفية لا يعرفها أحد. لكن الصوت كان يصل دائمًا.

عودة أخينا الأكبر

بعد 68 سنة من صدورها، تعود رواية «1984» لجورج أرويل لتحتل قائمة الكتب الأكثر مبيعا على موقع أمازون، وهو أكبر موقع في العالم لبيع الكتب. والسبب واضح جدا؛ إننا ما نزال نجد أنفسنا فيها، وما تزال شخصيتها المهيمنة «الأخ الأكبر»، الذي لا يملك اسما، معاصرا لنا، لم يتغير شيء.

إبداع مؤجل

2011 سنة فارقة في التاريخ العربي المعاصر، كما كانت 1948، و1967 على سبيل المثال. ومهما اختلفنا في أسباب ومسار ومآل أحداثها، فإنها نهاية مرحلة، وبداية أخرى، إن لم يكن في الواقع، ففي الوجدان والذهن. شيء ما تشكل في الأعماق، واستوطنها ككل الأحداث الكبرى التي تفصل بين ما قبل وما بعد، حتى لو كانت هزائم مدوية... فالتاريخ لا تصنعه الانتصارات فقط.

ربيعات عربية تنتظر على الأبواب

هل نحن على أبواب «ربيع عربي» آخر بعد ست سنوات من حريق البوعزيزي الذي انطفأ، وخمود جذوة النار في ميدان التحرير المصري، وتحول لهيب بنغازي إلى رماد، والقطع المزدوج لأصابع أطفال درعا على يد السفاح أولاً، وأمراء الحرب ثانيًا؟ اهتزت الدنيا قبل ست سنوات كما لم تهتز من قبل، في أماكن لم تصلها من قبل، لكنها سرعان ما استعادت توازنها بالحيلة والمكر والالتفاف، ثم بالرصاص الأعمى.

القرن الحادي والعشرون يبدأ الآن

تحتاج البشرية إلى زمن طويل جدا، لا أحد يستطيع تحديده وقد يصل حتى إلى قرن أو أكثر، لتتعافى من آثار الكوارث الكبرى. الحرب العالمية الأولى، إذا لم نتحدث عن ضحاياها الملايين، ما تزال ماثلة في خرائط العالم الذي شكلته، وخاصة في الشرق الأوسط. وما تزال الحرب العالمية الثانية حاضرة بشكل خاص في أوروبا، التي شطرتها إلى نصفين، تفرقا كثيرا حتى التقيا بعد أن شاخا، لكن ظلا غريبين عن بعضهما، رغم أنهما يسكنان في بيت واحد. وظن العالم بعد سقوط جدار برلين 1989، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 أن ما سميناه تجوزا «الحرب الباردة» قد انتهت، وأن البشرية تبدأ عهدا جديدا لا أقطاب فيه.

اللغة كما نكون تتشبه بنا

يكاد يتفق الجميع، لغويين وكُتابا ومثقفين ورجال إعلام، على أن العربية ليست في أفضل أحوالها، مهما كانت الأسباب التي يختلفون حولها، سواء أكانت تعليمية، أم إعلامية، أم متعلقة بطبيعة اللغة العربية نفسها، وبالذات فيما يخص قواعدها، وصرفها، ونحوها. لكن الأمر أبعد من ذلك في اعتقادنا. أعضاء المجمع اللغوي الذي يعقد الآن جلساته في القاهرة، وهو مجمع عربي وليس مصريًا على الرغم من اسمه، يعد الآن لمشروع قانون سيرفعه للجهات المختصة تحت اسم «سلامة اللغة العربية». وهو يذكرنا بقانون لصدام حسين، حمل الاسم نفسه، وشرعته الحكومة العراقية عام 1977.

هل يمكن أن تخترع البشرية طريقًا ثالثًا؟

كتبنا الأسبوع الماضي، عن دورات التاريخ الماكرة، التي تبدو من السطح أنها لا تخضع لمنطق معين، ومن الصعب تفسيرها في ضوء المناهج التي ورثناها، فلكل دورة إيقاعها الخاص، الذي قد يبدو نشازا، أو خروجا عن النغمة العامة. الدورة الآن هي الدورة الشعبوية، إن صح التعبير، ولكن ماذا بعدها؟ لا أحد يستطيع أن يتنبأ. لكن الدرس الذي يجب أن نتعلمه هو أن ليس هناك قوانين ثابتة، بمعنى آخر ليست هناك آيديولوجية معينة ترتفع فوق الواقع، وتحاول أن تلوي عنقه ليتوافق معها بدل أن تتوافق هي معه، أي أن تتحول إلى علم.

شبح يجول في ليل العالم اسمه «الشعبوية»

للتاريخ دوراته الغريبة، أو في الأقل تبدو كذلك من السطح. بدأ القرن العشرون بالحركة الاشتراكية التي استقطبت ملايين الناس في المعمورة، وعمّرت الأنظمة التي حكمت باسمها في نصف أوروبا أكثر من سبعين عامًا. وفي البلدان العربية وأفريقيا، ركب قطارها السريع الجنرالات عبر انقلابات عسكرية متتالية، ودهسوها في النهاية بالدبابات المجنزرة، وأدخلوها السجون المحصنة، بينما كانوا يهتفون باسمها في الشوارع. كانت فكرة جذابة من الصعب مقاومة إغرائها الساحر، ووعودها الكريمة بالسعادة والرخاء لبني البشر فوق هذه الأرض. أصبحت حلم الملايين، وسال دونها كثير من الدم.. وربما لا تزال حلمًا مستحيلاً. مضت دورتها، وقد لا تعود قط.

شعراء «داعش» الرومانسيون!

هل تريد أن تفهم المتطرفين؟ اقرأ شعرهم! هذا ما تنصحنا به دراسة مطولة نشرتها مجلة «نيويوركر» الأميركية في عددها الأسبوعي الصادر في الثاني من هذا الشهر بعنوان «خطوط المعركة». ودعك عزيزي القارئ من كل شيء آخر: عمليات القتل الجماعي، وقطع الرؤوس، وذبح البشر وحرقهم أحياء، و«جون الذباح» واستعباد النساء في الموصل والرقة فهي لا تعبر، حسب منطق الدراسة، عن حقيقة المتطرفين فعلا، بل ابحث عن الحقيقة، الحقيقة كلها، في شعرهم. الدراسة الغريبة هذه كتبها روبن كروسويل، وبيرنارد هيكل. والرجلان ليسا غريبين عن المنطقة.