محمـد الشـافعي
صحافي متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية
TT

ملالا يوسف زاي

باتت الفتاة الباكستانية الصغيرة ملالا يوسف، 16 عاما، رمزا لمقاومة الإرهاب في العالم بعد تصديها لحركة طالبان الإرهابية في إقليم سوات بباكستان، والدفاع عن حقها وحق النساء في التعليم الذي يسعى الإرهابيون لتحريمه، وهو ما جعلها تتعرض لمحاولة اغتيال على يد طالبان وتلقت رصاصة في رأسها لكنها نجت بأعجوبة ونقلت لتلقي العلاج في بريطانيا، وهي اليوم تقترب أكثر من الفوز بجائزة نوبل للسلام بعد فوزها بجائزة «سخاروف» الأوروبية لحرية الفكر والتعبير لعام 2013، لتحقق إنجازا تاريخيا غير مسبوق كونها أصغر من سيفوز بتلك الجائزة، وذلك بعد أن دخلت إلى قائمة الترشيحات القصيرة مع طبيب من الكونغو يساعد النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب، وناشطون سياسيون من روسيا وبيلاروسيا. وبالنسبة لبنات جنسها، أصبحت ملالا متحدثة على مستوى العالم من أجل التعليم، خاصة من أجل تعليم البنات. وفي مذكراتها تقول: «أنا ملالا، طفلة باكستانية صمدت من أجل مزاولة التعليم فأطلقت علي طالبان النار»، ذلك هو عنوان الكتاب، وجاء نشر الكتاب بعد سنة من اليوم الذي تعرضت فيه لإطلاق النار على أيدي طالبان، لأنها دافعت عن حقوق النساء في التعليم.
ومؤلفة الكتاب هي الصحافية كريستينا لامب، التي روت حياة ملالا قبل لحظة التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وما بعدها، عندما صعد مسلح على متن حافلة مدرسية مكتظة بالتلميذات في مدينة سوات الباكستانية، القريبة من الحدود الأفغانية، وسأل عمن تكون ملالا، ثم أطلق على رأسها النار. وما زال حوارها مع الأمين العام للأمم المتحدة له صدى وهي تؤكد مهمتها في الحياة: «طفل واحد ومدرس واحد وكتاب واحد وقلم واحد يمكنه تغيير العالم.. التعليم هو الحل الوحيد. التعليم أولا».
وملالا مثل كثيرات من فتيات هذا العصر اللاتي تفتح وعيهن على الإنترنت، فقررت ملالا أن تنشأ مدونة تحكي فيها مشكلاتها اليومية وأفكارها المراهقة، ولكن حظها السيئ أوقعها في وادي سوات، هذه المنطقة من العالم حيث يحكم التطرف والإرهاب. وهي في سن الـ11 من العمر شهدت إغلاق وحرق مدرسة للبنات في مدينتها الصغيرة.. وكالعادة، أثار القمع بداخلها الرغبة في التمرد والرفض، فأعلنت وجهة نظرها في أن التعليم حق لكل إنسان، وأنه ضرورة لكل الفتيات، وسجلت كل ممارسات طالبان القمعية ضد مدرستها ومجتمعها.. وكانت تدوينات الفتاة صغيرة بريئة مثلها، تشكو فيها مخاوفها، بسبب قرارات منع ذهاب الفتيات إلى المدرسة، ووجود جثث في الشوارع، وإقامة الحدود على النواصي، حتى يكون هناك عبرة وانتباه، مع عدم قدرتها هي وعائلتها على الخروج للتنزه، جرى قمعها بسبب ارتدائها الملابس الملونة، أو إعطائها إجازة طويلة من المدرسة مع عدم إبداء أي إشارة لوقت استئناف الدراسة».
وملالا تحمل هموم طفلة تريد أن تمارس حقها في اللعب والتعليم، ولكن خفافيش الظلام تصر على منعها من ممارسة هذا الحق، ولأنها قادرة على صياغة أفكارها في كلمات، والتعبير عن فتيات كثيرات في عمرها قد لا يستطعن أو لا يجرؤن على التعبير عن هذه الهموم، فقد أصبحت الفتاة الصغيرة رمزا وطنيا، خاصة بعدما حصلت على جائزة عن مدونتها الجريئة، وفي العام الماضي حصلت على الجائزة الأولى الوطنية للسلام التي أنشأتها الحكومة الباكستانية، وذكر اسمها بين المرشحين لجائزة نوبل.
ولكن ملالا ليست وحدها.. ملالا جيل كامل تفتحت عيونه على معرفة لم تُنِر عقول الأجيال السابقة.. ملالا تعبر عن موجة ثورة تجتاح العالم وتواجه العنف والتطرف، وستصبح أيقونة ترمز للأمل وللمستقبل. وكانت تقول عام 2008 عندما كانت طالبان تقطع الرؤوس وتبقر البطون: «نحن نعيش جاهلية جديدة» في الشريط القبلي، ومنذ ذلك الوقت عرفها الباكستانيون، وأضحت هدفا لطالبان، لكنها لم تكن تتصور أن يستهدف عناصرها الأطفال، فكانت الضحية، وكتب لها، رغم ذلك، أن تعيش الآن من أجل رسالتها الإنسانية، وبدعم من والدها، وربما فوز ملالا بجائزة نوبل اليوم سيكون أبلغ رسالة ضد جماعات العنف بلاحدود.