مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

رقصة دائرية

يقولون إن المعركة المقبلة في برلمان مصر ستكون بين قاعدة الحزب الوطني المنحل، وجماعة الإخوان وأنصارها، والمفارقة أن زعماء الطرفين في السجن، كما يلاحظ، باستغراب، الإعلامي المصري عمرو أديب في برنامجه «القاهرة اليوم».
وفي تونس ها هو «البورقيبي» العتيد الباجي قائد السبسي يلقي عصاه على حركة النهضة الغنوشية، و«إكسسواراتها» اليسارية القومية، فتلقف عصا السبسي كل شيء؛ البرلمان، وربما رئاسة الجمهورية. الحال في اليمن ليس بعيدا، مع نغمات يمنية خاصة، فأطراف القوة، و«ثعابين» السياسة اليمنية، هي نفسها قبل البرق الثوري الخلاب، مع تصاعد قوة الحوثي، على حساب غيره، لكنه تصاعد مؤقت، سرعان ما سيعود لحجمه، وهو كبير، مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وجماعة الإخوان ممثلة في حزب الإصلاح. الغرض من هذه اللمحات السريعة هو السؤال: أين الوعد والموعود الثوري؟ أين الغد الجديد؟ أين قصائد الميادين الربيعية؟ (بالمناسبة قناة الميادين اللبنانية الموالية لإيران استلهمت اسمها من هذا الوهم!).
كل هذا صار سرابا، وذهب مع الريح، وهناك الآن من يلطم الخدود ويشق الجيوب، على رجوع المعادلات والخرائط إلى ما كانت عليه قبل لحظة الحلم الربيعي الجامح.
وعدنا، من حيث بدأنا، ففي مصر، مثلا، أطراف القوة المجتمعية والاقتصادية والسياسية، قبل ثورة 25 يناير، هي من يتقدم المشهد ويتصارع على حصة القوة السياسية.
هذا يعني، فيما يعني، أن تغيير موازين القوة لا يتم بالتمني ولا بالجموح السياسي الرومانسي، فحتى تغير خريطة القوة، لا بد من عمل وئيد ومستمر، ومعقد، ومنوع، لأنه هكذا بنت مراكز القوة نفسها من قبل، والطريق واحد، وعلى المتضرر اللجوء للدعاء والحوقلة.
أو قل إن الذهنية العربية والمزاج الاجتماعي يعيش بطريقة البرق واللمعان الخاطف، لا بنهج التراكم والبناء المتدرج، والانطلاق كما السهم من نقطة بداية لنقطة نهاية، وليس بطريقة دائرية درويشية، مهلكة.
ربما أننا نعيش على بكرة «الزمن الدائري» - كما قيل سابقا هنا - فالعرب لا يغادرون ماضيهم، وهم أسرى أزمنتهم، بعجرها وبجرها.
المجتمع العربي الماضي لديه يظلل الحاضر ويحجب عنه عين الشمس، والحاضر يتسول فتات إنجاز من الماضي، فلا هو بالذي عاش منفردا مسؤولا بعيدا عن الالتصاق بالماضي كالأطفال، ولا هو بالذي ترك الماضي طبيعيا غير مضخم بالمديح ولا مشوها بالهجاء المريض.
زمننا دائري، ومشكلاتنا تدور وتدور، ويدوخ معها العقل، لذلك، وبعد كل هذا الضجيج، مع وضد الإخوان، مع وضد الديمقراطية، مع وضد الحكم الجمهوري أو الملكي، وهو جدل عمره يقارب القرن، سنظل نعيد نفس النقاش ونفس الحجج، ونفس النتائج، مع بعض المحسنات البديعية، واللمسات التكنولوجية العصرية، والجوهر لم يتغير. دائرة مغلقة من العبث.
المذهل أن النقاش الخالد يعاد كل كرة ومرة بنفس الحماس والدهشة!
قال نزار قباني:
ما زلنا منذ. نحنُ الكُتّاب
نتمطى فوق وسائدنا.
نلهو بالصرف وبالإعراب.
[email protected]