زلماي خليل زاد: أوباما مقتنع بأن سوريا غير جاهزة للحل الآن

السفير الأميركي السابق لدى العراق وأفغانستان لـ {الشرق الأوسط} : خطر الجماعات المسلحة في ليبيا يهدد مصر وأوروبا

زلماي خليل زاد: خطأ انسحاب أميركا من العراق لن يتكرر في أفغانستان
زلماي خليل زاد: خطأ انسحاب أميركا من العراق لن يتكرر في أفغانستان
TT

زلماي خليل زاد: أوباما مقتنع بأن سوريا غير جاهزة للحل الآن

زلماي خليل زاد: خطأ انسحاب أميركا من العراق لن يتكرر في أفغانستان
زلماي خليل زاد: خطأ انسحاب أميركا من العراق لن يتكرر في أفغانستان

من بين مهماته السابقة، كان زلماي خليل زاد سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى أفغانستان وكذلك لدى العراق أثناء الفترات الحساسة والصاخبة التي كانت تعيشها هاتان الدولتان أثناء الوجود العسكري الأميركي فيهما. الآن، تقلص ذلك الوجود، لكن الصخب والقلق على المستقبل لا يزالان يديران هاتين الدولتين، وكأن البصمات الأميركية تمتزج دوما بالفوضى والاضطراب.
حاليا خليل زاد مستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ورئيس مؤسسة «خليل زاد أسوشياتس للاستشارات الدولية». قبل أفغانستان والعراق كان سفيرا لأميركا لدى الأمم المتحدة.
في حديثه إلى «الشرق الأوسط» ركز على أهمية النظام الفيدرالي أو الكونفدرالي لحل أزمات بعض الدول العربية، ورأى أنه إذا استطاع أكراد العراق دفع فواتيرهم من عائدات النفط، فقد تقبل الحكومة العراقية بطرحهم للكونفدرالية، ودحض ادعاء قاسم سليماني رئيس «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» بأن بلاده أنقذت أربيل «لأن أربيل لم تكن مهددة بالسقوط، والمساعدة الإيرانية لم تكن حاسمة».

* يشعر الأكراد بأن العالم لم يساعدهم خصوصا في كوباني. تركيا لا تساعد بل على العكس، ثم هناك مشكلات بين الأكراد أنفسهم. كيف ترى حل المشكلات الكردية؟
- أعتقد أن الأكراد ارتاحوا عندما تدخلت الولايات المتحدة الأميركية في الوقت المناسب لحماية أربيل، وأيضا ساعدتهم بعض الدول المجاورة.
* تقصد إيران؟
- ودول أخرى. كانت أربيل مهددة.. «داعش» لديه أسلحة تتفوق على أسلحة البيشمركة، ومثل هذه الأزمات قد تفتح العيون على مشكلات أخرى، فهي هددت بغداد وكردستان، وفتحت الباب أمام تغيير الحكومة، حيث سيدرس الطرفان احتمال التوصل إلى تفاهم واستيعاب متبادل. حصلت بعض الخطوات الإيجابية، سنرى ما إذا كانت ستؤدي إلى اتفاق دائم. الأكراد يتطلعون إلى علاقة بينهم وبين بغداد تكون أقرب إلى الحكم الكونفدرالي. الكل جزء من الدول، إنما كل طرف يدير شؤونه الخاصة. يسهل التوصل إلى هذا إذا نجح الاتفاق حول النفط. وإذا استطاعت كردستان أن تنتج ما يكفي من النفط بحيث تدفع ميزانيتها، عندها تصبح العلاقة بين الطرفين أكثر براغماتية.
* هل تعتقد أن الأكراد يمكن أن يملأوا خزينتهم من نفطهم؟
- حسب السرعة التي يسيرون عليها، هذا مؤكد. يمكنهم إنتاج 600 إلى 700 ألف برميل يوميا خلال عام، وعندها سيكونون قادرين على دفع فواتيرهم، وبالتالي تصبح بغداد أسهل، وليست سهلة.
* لكن ألن يطالبوا بالاستقلال بعد اكتفائهم النفطي؟
- كلنا يعرف أن الأكراد يشعرون بأن لديهم حق تقرير المصير، وقالوا إنهم يريدون البقاء جزءا من العراق في إطار حكم كونفدرالي. وإذا توقفت بغداد عن دفع فواتير كردستان فقد توافق على مثل هذا الترتيب الكونفدرالي، لكن طالما أن كردستان معتمدة على أموال بغداد، فمن الصعب أن تقبل الأخيرة.
* قال قاسم سليماني أخيرا، إنه لولا إيران لسقطت أربيل بين أيدي «داعش»!
- لا أتفق مع هذا إطلاقا. هناك أولا مسألة ما إذا كانت أربيل على وشك السقوط! سمعت عدة تحليلات من مقيمين في أربيل عن أن الوضع كان ولا يزال طبيعيا. ثانيا إذا كنا سنضع بالترتيب المبادرة الحاسمة لحماية أربيل، فإن الغارات الجوية كانت الحاسمة. الأكراد قالوا إن الإيرانيين ساعدوا وغيرهم ساعد، لكن لا أضع المساعدة الإيرانية في خانة الحسم كما وصف قاسم سليماني.
* لكن الأكراد سربوا أنهم طلبوا أولا المساعدة من تركيا، وعندما رفضت التجأوا إلى إيران وأميركا.
- لا أعرف هذا. لم يقولوا هذا لي. إنما بالنسبة إلى أميركا فإن الأكراد قدروا الدور الأميركي، واعترفوا بالمساعدة الإيرانية، لكنهم قالوا إن دولا أخرى أيضا ساعدتهم، وكذلك بغداد ساعدت.
* يتكلمون الآن في بغداد عن تشكيل قوات «الحرس الوطني» من السنة، بسبب وجود ميليشيات شيعية. ألا يعني هذا أولا أن لا ثقة بالجيش العراقي الموعود. ثانيا، إذا لم يشعر السنة بالاطمئنان ألن تكون قوات «الحرس الوطني» هي نواة جيش جديد لدولة سنية في العراق؟
- هذه قضية معقدة. من جهة يمكن أن يكون عندك قوات حرس على نسق الشرطة، أو الحرس الوطني في أميركا، تساهم كل منطقة فيها، ويكون عندك جيش وطني يثق به الجميع، وتكون هناك مهمات مختلفة لكل هؤلاء. وعندها يمكن مثلا للمناطق ذات الكثافة الشيعية أن يكون لها حرسها الخاص، وهذا ينسحب أيضا على المناطق السنية، والكردية (البيشمركة) فتتعاطى مع المسائل الصغيرة، إنما عندما يكون التهديد خارجيا عندها يتدخل الجيش. هذا يعني أن كل الأطراف تثق بالجيش، وأن النظام السياسي الذي يخدمه الجيش هو الآخر مقبول من كل الأطراف.
يأتي الخطر إذا كان الجيش غير موثوق به، والنظام لا تثق به كل الأطراف، فإن هذه القوات قد تبدأ بمواجهة بعضها البعض. ميليشيا هنا، وحرس هناك، وصراع في الوسط. يجب ألا تكون القوات قابلة لمقاتلة بعضها لبعض إذا كان هناك اتفاق سياسي حول شكل البلاد، مع جيش وشرطة موثوق بهما.
الآن الجيش ضعيف، لذلك تضاعف دور الميليشيات، وهذه مذهبية، لأنها كلها ميليشيات شيعية مثل «البدر» و«عصائب أهل الحق». من هنا الحديث عن تقوية «البيشمركة» وإنشاء الحرس الوطني.
* البعض يقول إن الأميركيين وراء فكرة الحرس الوطني، لأنه سينافس «داعش» لجهة جذب المجندين.
- ربما. أنا اعتقدت أن الفكرة كانت أن الطريقة لإلحاق الهزيمة بـ«داعش» في المناطق التي يوجد فيها وأغلبها سنية، نحتاج إلى عدة أشياء، أولا: حكومة يشارك فيها السنة ويثقون بها. ثانيا: نحتاج أيضا إلى قوة من السنة للمواجهة أو للانشقاق عن «داعش»، وبالتالي فإن الحل الأخير لمشكلة «داعش» هو إذا شعر السنة بأن هناك حكومة شرعية يشاركون فيها، عندها يمكن للسنة أن يحلوا بشكل أفضل مشكلة «داعش»، لأنه إذا قاد الشيعة القتال ضد «داعش»، عندها سيصبح من الصعب على السنة الحياد في مقاتلة «داعش». لذلك هناك الحاجة إلى تسوية سياسية وحكومة يثق بها الجميع، وقوات محلية تقاتل أو تنشق عن «داعش».
* ألا تعتقد أن سخط السنة في العراق أفاد «داعش»؟
- بكل تأكيد، وسخط السنة في سوريا أفاد «داعش». للأسف فإن الانقسام الطائفي تم تسييسه في السنوات الأخيرة في سوريا، حيث الحكومة «العلوية» تقاتل السنة، ووقعت كوارث على المدنيين أدت إلى ظروف متطرفة، فكانت الآيديولوجيا المتطرفة النتيجة الطبيعية، وكذلك رأينا هذا في العراق، فبعد فترة من تعاون السنة مع العملية السياسية، ومع الأميركيين في الأعوام من 2006 إلى 2008 عاد الانقسام بسبب أحداث سوريا. وأيضا في العراق، بعد إضعاف تنظيم القاعدة عام 2006 إثر مقتل أبو مصعب الزرقاوي، فعاد وبرز تحت اسم جديد، فرأينا هذا الانقسام بين السنة والشيعة. لذلك من الضروري وجود حكومة يشارك فيها الجميع، لا يهم إذا كان النظام فيدراليا مع حكومة مركزية؛ لأنه إذا تم إضعاف «داعش» ستبرز مجموعة متطرفة أخرى، من هنا الحاجة إلى تسوية سياسية «تمتلكها» كل الفئات. وهناك حاجة أيضا إلى تسوية إقليمية، لأن هناك انقساما، حيث إن إيران تدعم بعض المجموعات، ويدعم العرب مجموعات أخرى، وكذلك تفعل تركيا، كل هذا أوجد مناخا من الانقسام والصراع والتوتر. يجب على السنة والشيعة أن يقبل بعضهم البعض، ويحترموا حقوق بعضهم. نحتاج إلى تسوية إقليمية شبيهة بالتي عاشتها أوروبا، حيث كان الألمان والبريطانيون والفرنسيون يقاتل بعضهم البعض خلال حربين عالميتين.
متى تستطيع منطقة الشرق الأوسط أن تحقق تقدما في هذا المجال؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يواجهها.
* هل تعتقد أن المنطقة بحاجة إلى حرب إقليمية؟
- آمل أن لا. وإن كان البعض أكثر تشاؤما، يقولون لا بد أن تقع بعض المصائب قبل أن يجلس اللاعبون الإقليميون، كما بعد الحرب العالمية الثانية. أتمنى ألا تقع الحرب في المنطقة، ويتعلم الناس من الآخرين، بدل أن يكرروا أخطاء الآخرين. وهذا يتطلب توافقا متبادلا وبعض قواعد اللعبة بين المجموعات. أعرف أن الكثيرين في العالم العربي يرفضون الفيدرالية أو الكونفدرالية، إنما لفترة من أجل بناء جسور الثقة، ومن أجل الوصول إلى تقاسم السلطة. الكل يحتاج إلى تقاسم السلطة المركزية، مثلا في العراق الأكراد يريدون أكثر من تقاسم السلطة المركزية، يريدون تسيير شؤونهم الداخلية أيضا. على دول المنطقة أن تبحث عن الخيارات، وتصل إلى اتفاقات مقبولة ويمكن العمل بها، لأن البدائل صراعات متواصلة، أو ديكتاتوريات.
* لكن حكومة حيدر عبادي في العراق لا يبدو أنها تعلمت من التاريخ، لأنها وضعت على رأس وزارة الداخلية رجلا اتهم بأن الميليشيات التابعة له كانت تقتل السنة؟
- ربما لا يمكن حل كل المشكلات دفعة واحدة، لكنك على حق.. المشكلة لا يمكن حلها إلا إذا وضعت على رأس المؤسسات الأمنية شخصا تثق به كل المجموعات. إذا وضعت زعيم ميليشيا على رأس وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع فهذا يقلص الثقة ولا يحل المشكلة. لكن يقول البعض إنه في الصراع مع «داعش» هناك حاجة لزعيم ميليشيا، لكن بسبب هذا الصراع بالتحديد هناك الحاجة لبناء الثقة بين المجتمعات وتخفيف الانقسام.
* هل تعتقد أن حكومة عبادي إذا عجزت عن تحقيق ما تنصح به، يجب أن تحرر السنة وتسمح لهم بإقامة دولتهم؟
- آمل أن يحققوا ما وعدوا به، لكن إذا عجزت، فإن المشكلة كما قلت ستستمر، ويبحث الناس عن إمكانيات بديلة. هناك من قال هذه هي الفرصة الأخيرة للعراق. أنا لست متشائما إلى هذا الحد، لكن يجب على كل طرف أن يفعل أقصى ما يستطيع - من السهل قول هذا - لمساعدة العراق.
لقد توجه الأتراك (أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء) إلى بغداد، والعراقيون ذهبوا إلى المملكة العربية السعودية، وأعطى إياد علاوي (رئيس الحكومة الأسبق) دورا مهما للعمل على المصالحة الوطنية، هناك بعض الاحتمالات أن تحدث أمور إيجابية. لكن لا يمكنك الاعتماد على هذا.
* تريد الولايات المتحدة دعما قويا لسياستها من تركيا. ما الدور البناء الذي يمكن لتركيا أن تلعبه؟ مع العلم أن داود أوغلو نفى أن بلاده سمحت لمقاتلي «داعش» بعبور حدودها إلى سوريا.
- تركيا لاعب مهم في المنطقة. مهمة بسبب التنافس الإقليمي، والمنطقة لا يمكن أن تستقر إذا لم تساعد تركيا على ذلك، وهذا ينسحب على إيران وعلى الدول العربية. دورها مهم في أمور كثيرة من التطور الاقتصادي، والتسوية السياسية.
تسوية سياسية في سوريا مستبعدة إذا لم تكن تركيا لاعبا أساسيا، حتى محاربة «داعش» لا يمكن أن تنجح من دون تركيا. علينا أن نفكر بتسوية تركز على العراق وسوريا، إنما أكثر على سوريا؛ لأن هناك معادلة وضعت في العراق: حكومة وحدة وطنية، نوري المالكي رحل، هناك أفكار جديدة مثل اللامركزية، وقوات حرس وطني، أفكار يمكن النقاش حول ما إذا كانت جيدة أم لا، إنما المهم هناك إطار عمل. بينما في سوريا لا يوجد إطار عمل؛ لذلك هناك ضرورة للسوريين أن يأتوا بأفكار للحل، أو أفكار للحل تأتي من الخارج، وهذه الحالة تحتاج إلى لاعبين إقليميين، ويجب أن يكون هناك لاعبون لأن لهم دورا في سوريا؛ لذلك هناك حاجة لتسوية سورية يشارك فيها لاعبون إقليميون مثل: إيران، تركيا والمملكة العربية السعودية وأيضا القوى العظمى مثل روسيا والولايات المتحدة الأميركية. البعض اقترح دول مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا (الفريق الذي يفاوض إيران حول المسألة النووية) بالإضافة إلى لاعبين إقليميين، وفي الوقت المناسب ينضم سوريون للعمل على تسوية للأزمة السورية.
* أي سوريين؟
- على الأقل الآن، هناك المعتدلون مثل الجيش السوري الحر، والنظام، للاتفاق على مرحلة انتقالية والعمل معا ضد «داعش»، ولأن محاربة «داعش» تبدو وكأنها تقوية للنظام السوري، لذلك هناك حاجة لخارطة طريق لسوريا وهذه غير متوفرة حاليا.
* تقول السعودية إن إيران جزء من المشكلة.
- نعم، إيران جزء من المشكلة ولا شك بذلك. أيضا الولايات المتحدة جزء من المشكلة لأنها لم تفعل ما يكفي لمساعدة المعتدلين. لكن، إذا أردنا إيجاد حل، فهل يمكن أن نجده إذا لم تكن إيران حول الطاولة، أو من دون السعودية التي لها دور مهم، أو من دون تركيا، أو من دون روسيا التي تساعد بشار؟ لهذا، إما أن نقتنع بالحرب وبكل ما تسببه من موت للمدنيين وتضاعف عدد اللاجئين، وأوضاع متطرفة تؤدي إلى نتائج متطرفة، أو أن نتطلع إلى دور دولي جدي ودور إقليمي لإيجاد تسوية.
* يبدو أن الرئيس باراك أوباما مشغول جدا في التوصل إلى صفقة مع إيران وكأنه من دونها ستكون نهاية العالم.
- حسنا، من المهم التوصل إلى صفقة تمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، لكن هناك قضايا أخرى مهمة: سوريا مهمة، ربما يعتقد الرئيس أوباما أن سوريا غير جاهزة لصفقة؛ لأن المعارضة ضعيفة جدا ويجب تقويتها، وربما العلاقات الأميركية - الروسية معقدة في هذا المجال ولا يمكن التوصل إلى اتفاق على سوريا. مثلا، نرى فيما يخص إيران أن الروس يشاركون الأميركيين للتوصل إلى صفقة. الطرفان يختلفان حول أوكرانيا ويمكنهما التوافق على أخرى. هناك مجموعة من الإيرانيين يدعمون نظام الأسد بقوة، لكن الأمر أصبح مكلفا جدا لهم، وربما تريد إيران أن تركز على أمور داخلية. هذا يجب اختباره.
* لكن ما زال البعض في الشرق الأوسط مصرا على أن الرئيس أوباما يريد تقاربا مع إيران على حساب بقية دول المنطقة؟
- هذا سيكون خطأ. لكن ما أعتقده هو ضرورة إقناع إيران بالتخلي عن النووي، وإغراؤها بلعب دور بناء.
* كيف يمكن لإيران أن تلعب دورا بناء؟
- أعني أن لا تتبع سياسة تفرقة مذهبية، وأن تعمل على تسوية تحترم كل حقوق المذاهب، ولا تدعم الميليشيات، بل تعمل مع الدولة... هذه أمور ملموسة. لهذا فإن إيران دولة قادرة وتملك قدرات هائلة، تستطيع أن تستعمل قدراتها لتسوية تحترم كل الأطراف.
* لكن، هل يمكن لهذا النظام أن يتغير بعد 35 سنة؟
- نعم، النظام يتطور ويتغير، وإلا فإنه يتفتت ويمكن الإطاحة به. وأعتقد أن الشعب الإيراني تعب من تكلفة السياسة الإيرانية الخارجية، فالمغامرة السورية كانت مكلفة جدا، ومن الأسهل لو كانت هناك تسوية، وهذا يتطلب تعديلا في السياسة الإيرانية، لأن البديل هو عدم استقرار طويل الأمد في المنطقة، يورط إيران أكثر ويمتص قدراتها، لأنه إذا افترضت أن اضطهاد السنة في المناطق التي تسيطر عليها سيكون مقبولا من الجميع، فهذا غير واقعي، لهذا فإن سياسة حكيمة، من كل الأطراف في المنطقة تقوم على قبول الحقوق، مطلوبة.
* رأينا ما حدث في العراق بعد انسحاب القوات الأميركية، كيف ترى أفغانستان العام المقبل؟
- أولا أعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية ارتكبت خطأ بانسحابها من العراق، لأنه أوجد فراغا أدى إلى تطورات كثيرة، منها: انقسام حاد في العراق، وتنافس أكبر في المنطقة لملء الفراغ، وأيضا صعود «داعش»، لذلك فإن الدرس الذي يجب تعلمه هو عدم ترك فراغ، آمل ألا تكون العلاقة الأميركية الجديدة مع العراق مؤقتة، بل قائمة على دروس سابقة جرى استيعابها. بالنسبة إلى أفغانستان، هناك اتفاق حتى نهاية عام 2016 بمعنى أنه لمدة سنتين إضافيتين ستكون هناك قوات أميركية. توقعي، أن القيادة الأفغانية الجديدة التي يرأسها الرئيس الجديد أشرف غني ستقترح على إدارة الرئيس أوباما والكونغرس والرئيس الأميركي المقبل وجوب تمديد الوجود الأميركي لعدة سنوات أخرى حتى تكون أفغانستان وقفت على قدميها، أو تكون جرت تسوية، بحيث يتم تجنب الفراغ. هناك سبب آخر يدفع أفغانستان إلى مواصلة العلاقة مع أميركا، فهي بخلاف العراق الغني بالثروات والقادر على دفع بعض التكاليف، رغم ضخامة المبالغ التي ضاعت فيه، فإن أفغانستان غير قادرة على دفع فواتيرها، أو تسليح جيشها، والمحافظة على قدراتها.. إنها تحتاج إلى أميركا ودول أخرى لتقديم المساعدة.إذا جرى الانسحاب، فسيتقلص الاهتمام بأفغانستان وكذلك الدعم المالي، وإذا حدث هذا فستبرز مشكلة جديدة؛ لذلك سيكون خطأ استراتيجيا العودة إلى التسعينات من القرن الماضي، حيث انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان عندما انهار النفوذ السوفياتي، إذ تلا ذلك تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. لقد قال الرئيس السابق جورج دبليو بوش لن نكرر ذلك الخطأ. لذلك آمل من الرئيس أوباما، ومن من سيخلفه، أن لا يكررا خطأ الانسحاب.
* بعض الجماعات في ليبيا أعلنت ولاءها لـ«داعش»، هل تعتقد أن «داعش» يشكل الآن تهديدا لمصر أو لأوروبا؟
- لكلتيهما... في ليبيا هناك فراغ مؤكد وخطير.
* قال الرئيس السابق لبولونيا إنه يمكن تحقيق الازدهار الاقتصادي من دون ديمقراطية كما الصين.. ألا تعتقد أن هذا يناسب أو يساعد بعض الدول العربية، حيث لا ترحيب بالديمقراطية؟
- الديمقراطية تبقى البديل الأفضل، لكن على كل دولة أن تجد طريقها الخاص من أجل الوصول إلى الديمقراطية؛ لأن إيجابيتها تتفوق على الكثير من البدائل. إذا وافقنا على طرح الاقتصاد أولا، يجب ألا نهمل الجانب الديمقراطي ولو على مراحل.



المساجد في إندونيسيا لم تسلم من الفيضانات

رجل يستعد لأداء صلاة الجمعة أمام مسجد الإحسان الذي دمرت الفيضانات جزءاً منه في آتشيه تاميانغ بإندونيسيا (أ.ف.ب)
رجل يستعد لأداء صلاة الجمعة أمام مسجد الإحسان الذي دمرت الفيضانات جزءاً منه في آتشيه تاميانغ بإندونيسيا (أ.ف.ب)
TT

المساجد في إندونيسيا لم تسلم من الفيضانات

رجل يستعد لأداء صلاة الجمعة أمام مسجد الإحسان الذي دمرت الفيضانات جزءاً منه في آتشيه تاميانغ بإندونيسيا (أ.ف.ب)
رجل يستعد لأداء صلاة الجمعة أمام مسجد الإحسان الذي دمرت الفيضانات جزءاً منه في آتشيه تاميانغ بإندونيسيا (أ.ف.ب)

في جزيرة سومطرة الإندونيسية التي اجتاحتها فيضانات أسفرت عن سقوط نحو ألف قتيل، منعت آلاف الأشجار التي اقتلعتها السيول المصلّين من الوصول إلى المساجد، الجمعة.

وبلغت حصيلة الفيضانات، وهي من الأسوأ التي شهدتها سومطرة في شمال الجزيرة في الفترة الأخيرة، بما في ذلك في آتشيه (التي تعرّضت لتسونامي في 2004)، 995 قتيلاً و226 مفقوداً ونحو 890 ألف نازح، الجمعة، حسب الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث.

في دار المخلصين، تعذّر على الناجين من الفيضانات أداء صلاة الجمعة في المسجد الذي أغلقت مدخله آلاف الأشجار بعدما جرفتها الأمطار الغزيرة التي تهطل منذ أسبوعين، ما حال دون إمكان الوصول إليه.

وقال أنغا (37 عاماً) الذي يتحدر من بلدة تانجونغ كارانغ المجاورة: «ليس لدينا أيّ فكرة من أين يأتي كلّ هذا الخشب».

طائرة عسكرية تتبع للجيش الإندونيسي تحمل أجولة أرز ومساعدات أخرى لضحايا الفيضانات شمال سومطرة (أ.ف.ب)

وقبل الفيضانات، كان المسجد يستقطب جمعاً غفيراً من المصلّين. أما اليوم، يضيف أنغا: «فلم يعد ممكناً الوصول إليه. وكان المسجد يقع بالقرب من نهر. لكن النهر اختفى وتحوّل إلى حقل للموت».

وأشار قرويون، لوكالة الصحافة الفرنسية، إلى أن الأشجار وجذوعها التي جرفها التيّار وأحاطت بالمسجد سمحت بتفادي أن يحلّ دمار أكبر به.

وعاين مراسل وكالة الصحافة الفرنسية الخراب الذي أصاب الموقع حيث انتشرت الأشجار المقتلعة الآتية على الأرجح من المزارع المجاورة في محيط المسجد.

حماية أفضل للغابات

عزت السلطات الأضرار في جزء منها إلى الاستغلال الحرجي المتفلّت من الضوابط.

ويعتبر خبراء البيئة أن إزالة الغابات على نطاق واسع فاقمت الفيضانات وانهيارات التربة، بتدميرها الغطاء الحرجي الذي يثبّت عادة التربة ويحتبس التساقطات. وتعدّ إندونيسيا من البلدان التي تشهد أعلى نسب سنوية لإزالة الأحراش.

وأكّد الرئيس برابوو سوبيانتو، الذي زار، الجمعة، منطقة آتشيه تاميانغ، للضحايا أن الحكومة تعمل على تحسين الوضع.

وصرّح: «نعرف أن الظروف صعبة لكننا سنتغلّب عليها معاً»، داعياً السكان إلى «توخّي الحيطة واليقظة».

رئيس إندونيسيا برابوو سوبيانتو زار منطقة آتشيه تاميانغ التي شهدت فيضانات والتقى بعض الضحايا (أ.ف.ب)

وتقدّم الرئيس بالاعتذار عن «القصور المحتمل»، مؤكداً: «نحن نعمل بلا كلل أو ملل». ودعا في معرض حديثه عن المسائل البيئية إلى حماية أفضل للغابات، مشدّداً: «ينبغي عدم قطع الأشجار عشوائياً».

وقال: «أطلب من الحكومات المحلية التحلّي باليقظة والسهر على طبيعتنا وحمايتها قدر المستطاع».

غير أن الاستياء متعاظم في أوساط ضحايا الفيضانات الذين ما انفكّوا يشتكون من بطء المساعدات.

وقد تبلغ كلفة الإعمار بعد الكارثة أكثر من 51 مليار روبية (3,1 مليارات دولار) وترفض الحكومة الإندونيسية طلب مساعدة دولية.

وذهب خيري رمضان (37 عاماً) إلى بلدة بابو المجاورة للصلاة، على أمل إيجاد مسجد سلم من أضرار الفيضانات. وعلق: «قد تكون بعض المساجد قد نُظّفت وأريد التغلب على الحزن الذي يسكنني».


ممثلة أفغانستان في «الأولمبية الدولية» تأمل أن تُغيّر «طالبان» موقفها من حقوق النساء

الأفغانية سميرة أصغري المنتخَبة عضواً في اللجنة الأولمبية الدولية تتحدث إلى الصحافيين بالمنطقة الإعلامية المختلطة على هامش الجمعية العمومية الـ133 بوينوس أيرس في 9 أكتوبر 2018 (أ.ف.ب)
الأفغانية سميرة أصغري المنتخَبة عضواً في اللجنة الأولمبية الدولية تتحدث إلى الصحافيين بالمنطقة الإعلامية المختلطة على هامش الجمعية العمومية الـ133 بوينوس أيرس في 9 أكتوبر 2018 (أ.ف.ب)
TT

ممثلة أفغانستان في «الأولمبية الدولية» تأمل أن تُغيّر «طالبان» موقفها من حقوق النساء

الأفغانية سميرة أصغري المنتخَبة عضواً في اللجنة الأولمبية الدولية تتحدث إلى الصحافيين بالمنطقة الإعلامية المختلطة على هامش الجمعية العمومية الـ133 بوينوس أيرس في 9 أكتوبر 2018 (أ.ف.ب)
الأفغانية سميرة أصغري المنتخَبة عضواً في اللجنة الأولمبية الدولية تتحدث إلى الصحافيين بالمنطقة الإعلامية المختلطة على هامش الجمعية العمومية الـ133 بوينوس أيرس في 9 أكتوبر 2018 (أ.ف.ب)

رأت عضو اللجنة الأولمبية الدولية عن أفغانستان، سميرة أصغري، في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، أن على السلطات الطالبانية أن تدرك أنه إذا أرادت يوماً أن تحظى بقبول دولي، فعليها احترام حقوق النساء في التعليم والرياضة.

ورغم ذلك، تؤيد أصغري، البالغة 31 عاماً والتي تعيش في المنفى للمرة الثانية، الانخراط في حوار مع حكومة «طالبان»، التي منعت الفتيات من الدراسة بعد سن الثانية عشرة، وحظرت عمل النساء في معظم الوظائف والخدمات العامة، وكذلك منعت ممارستهن الرياضة.

يلوّح الأفغان بعَلم «طالبان» بينما يحضر رجال الدين والقراء الجدد من مدرسة إسلامية أو مدرسة دينية حفل تخرُّجهم في منطقة صابري بولاية خوست 10 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

وتُقر أصغري، التي أصبحت في عام 2018 أول شخص من أفغانستان في عضوية اللجنة الأولمبية الدولية، بأن «الوضع صعب للغاية»، وأن الدفاع عن رياضة النساء في أفغانستان «يتطلب بعض الحذر».

ومع ذلك فإن لاعبة كرة السلة الدولية السابقة، مثل كثير من أبرز الرياضيات الأفغانيات، لا تتردد في التحدث علناً عن معاملة النساء تحت حكم «طالبان».

وقالت، في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، عبر البريد الإلكتروني: «الواقع هو أنه عندما تتخذ موقفاً علنياً دفاعاً عن حقوق النساء تصبح هدفاً، لكنني أؤمن بشدة بالتواصل والانخراط».

وأضافت: «ما دامت (طالبان) هي الواقع على الأرض في أفغانستان، فلا يمكننا أن نُضيع الوقت دون فعل شيء. من جهتي، حاولت تسهيل النقاشات بين اللجنة الأولمبية الدولية والسلطات الحالية، مع التركيز على حقوق النساء والفتيات في الرياضة، خصوصاً الفتيات في المدارس الابتدائية اللواتي ما زلن داخل أفغانستان».

وأجرت اللجنة الأولمبية الدولية محادثات مع سلطات «طالبان» منذ عام 2021، بعد إجلاء بعض الرياضيين والمدربين الأفغان وعائلاتهم من البلاد.

وفي المفاوضات التي سبقت «أولمبياد باريس 2024»، نجحت «الأولمبية الدولية» في إشراك فريق أفغاني متوازن بين الجنسين، جميع أفراده في المنفى.

وتقول أصغري، وهي واحدة من أربعة أبناء لأمّ كانت خبيرة تجميل محترفة متقاعدة وأبٍ كان مديراً في اللجنة الأولمبية الوطنية الأفغانية، إن «المحادثات ليست دائماً سهلة»، مضيفة: «ليست الغاية منها إضفاء الشرعية على أي حكومة، لكنها مهمة جداً لخلق فرص ملموسة للأجيال القادمة من الفتيان والفتيات في أفغانستان».

«تغيير جذري»

ومع تشتت الرياضيات الأفغانيات حول العالم، يصبح تشكيل الفِرق أمراً معقداً.

ومع ذلك، شارك فريق كرة القدم النسائي، المؤلَّف من لاعبات مقيمات في أوروبا وأستراليا، مؤخراً في دورة ودية في المغرب من تنظيم الاتحاد الدولي للعبة «فيفا».

ورأت أصغري أن «هذا الدعم للرياضيات خارج أفغانستان هو مجرد خطوة أولى، وآملُ أن يتماشى (فيفا) مع المحادثات الجارية بين اللجنة الأولمبية الدولية و(طالبان)».

وتأمل أصغري أن تصل الرسالة إلى حكام أفغانستان، مضيفة: «(طالبان) تسلمت البلاد، وهي الآن تحاول الحفاظ على السلطة متجاهلةً الحقوق الأساسية للإنسان، خصوصاً حقوق النساء. من الصعب جداً أن تستمر في حكم أفغانستان بهذه الطريقة على المدى الطويل، ويجب أن تدرك (طالبان) أن قبولها دولياً مرتبط مباشرة باحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حق النساء في التعليم والرياضة».

وأشارت أصغري، التي حضرت مؤخراً دورة ألعاب التضامن الإسلامي في الرياض حيث تَنافس رجال ونساء أفغان، إلى أنها تأمل في «انفراجات صغيرة» بموقف «طالبان».

وقالت: «أعتقد أيضاً أنه إذا استطعنا إيجاد ثغرات صغيرة، مثل تطوير الرياضة في المدارس الابتدائية حيث ما زالت الفتيات مسموح لهن بالدراسة حتى الصف السادس، فعلينا استغلالها. هذا لا يعني قبول قيود (طالبان)، بل عدم التخلي عن الفتيات والنساء في أفغانستان». وتابعت: «علينا التعامل مع الواقع، مع الاستمرار في الدفع نحو تغيير جذري».

وترى أصغري أن تحقيق اختراقات صغيرة كهذه يمكن أن يمنع الأضرار التي لحقت النساء خلال فترة حكم (طالبان) الأولى بين عاميْ 1996 و2001.

وقالت إنها لاحظت ذلك عند عودتها من أول فترة منفى لها في إيران، مضيفة: «ما يُقلقني بشدة هو أننا نخلق جيلاً ضائعاً آخر. أتذكر عندما كنت في الصف السادس في سن الثانية عشرة، وكانت هناك امرأة في العشرين من عمرها تجلس بجانبي في الصف نفسه؛ لأنها لم تتمكن من الذهاب إلى المدرسة خلال الحقبة السابقة لـ(طالبان)».

وكشفت: «لم أكن أعرف كيف أتواصل معها، وكان الأمر صعباً علينا، لكنه كان أصعب عليها لأنها فقدت سنوات كثيرة. لا يمكنني قبول حدوث ذلك مرة أخرى. لهذا السبب، حتى الفرص الصغيرة مهمة للغاية».

ورغم الصورة القاتمة، تحتفظ أصغري بالأمل وتؤمن بـ«الانخراط والحوار المستمر» مع «طالبان»، وتختم قائلة: «مستقبل أفغانستان هو هذا الجيل الشاب. علينا أن نمنحه كل فرصة ممكنة، مهما كانت صغيرة، وألا نتخلى عنه أبداً».


الحكم على رئيس الاستخبارات الباكستانية الأسبق بالسجن بعد محاكمة عسكرية

الفريق الركن فايز حميد الحليف المقرّب لرئيس الوزراء السابق عمران خان تولّى في السابق قيادة جهاز الاستخبارات الباكستانية القوي (أ.ب)
الفريق الركن فايز حميد الحليف المقرّب لرئيس الوزراء السابق عمران خان تولّى في السابق قيادة جهاز الاستخبارات الباكستانية القوي (أ.ب)
TT

الحكم على رئيس الاستخبارات الباكستانية الأسبق بالسجن بعد محاكمة عسكرية

الفريق الركن فايز حميد الحليف المقرّب لرئيس الوزراء السابق عمران خان تولّى في السابق قيادة جهاز الاستخبارات الباكستانية القوي (أ.ب)
الفريق الركن فايز حميد الحليف المقرّب لرئيس الوزراء السابق عمران خان تولّى في السابق قيادة جهاز الاستخبارات الباكستانية القوي (أ.ب)

أعلنت محكمة عسكرية باكستانية، الخميس، الحكم على الفريق أول فايز حميد، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الباكستانية «آي إس آي»، بالسجن 14 عاماً، بعد إدانته بتهم تتعلق بالفساد والتدخل في السياسة وإساءة استخدام السلطة.

ويشكل الحكم لحظةً نادرةً في التاريخ السياسي الباكستاني، إذ إنها المرة الأولى التي يُحاكم فيها رئيس سابق لأقوى جهاز استخباراتي في البلاد ويُسجن على يد المؤسسة العسكرية نفسها.

ويُعدّ هذا التطور نهاية درامية لمسار صعود ضابط كان يُنظر إليه يوماً على أنه أحد أبرز مهندسي المشهد السياسي الداخلي، في بلد لطالما لعب فيه الجيش دور «صانع الملوك».

ووفق بيان رسمي لـ«إدارة العلاقات العامة» في الجيش، فقد اعتُقل حميد في أغسطس (آب) 2024، وأُدين بأربع تهم تشمل الانخراط في أنشطة سياسية، وانتهاك قانون الأسرار الرسمية، وإساءة استخدام موارد الدولة، والتسبب بخسائر مالية جسيمة. وحُكم عليه بالسجن مع «الأشغال الشاقة» وفق المصطلح القانوني الباكستاني.

ويرى محللون أن محاكمة حميد تأتي في سياق حملة متصاعدة ضد المقربين من رئيس الوزراء السابق عمران خان، الذي تولى السلطة بين 2018 و2022، وكان هو من اختار حميد لرئاسة الاستخبارات. ومنذ تسلّمه قيادة الجيش في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، يعمل المشير سيد عاصم منير على تعزيز نفوذه داخل المؤسسة العسكرية. فقد أقرّ البرلمان الشهر الماضي تعديلاً دستورياً يمنحه صلاحيات موسعة وحصانة قانونية مدى الحياة، واضعاً تحت سلطته مختلف أفرع الجيش، ومقلصاً دور القضاء الأعلى عبر نقل بعض الصلاحيات الرقابية إلى المؤسسة العسكرية.

ويرى داعمو التعديل أنه خطوة لاستقرار البلاد، بينما يصفه منتقدون بأنه تركيز غير مسبوق للسلطة. وقال محامي حميد، ميان علي أشفق، إنه يعتزم تقديم طعن بالحكم فور حصوله على نسخة رسمية من قرار المحكمة. وفي بيان الجيش، ورد أن محكمة عسكرية أخرى ستنظر في قضية منفصلة متعلقة باتهامات حول «إثارة اضطرابات سياسية بالتنسيق مع أطراف حزبية»، في إشارة يفهم منها أنها مرتبطة بالتحقيقات المستمرة في دور حميد المحتمل في احتجاجات مايو (أيار) 2023، عندما هاجم آلافٌ من أنصار عمران خان منشآت عسكرية عقب توقيفه.

كانت طموحات حميد السياسية، إذ لم يُخفِ سعيه لتولي منصب قائد الجيش - المنصب الأقوى في البلاد - قد أدت إلى توتر علاقته مع القيادة الحالية تحت إمرة المشير منير. وكان حميد أحد أربعة جنرالات مرشحين للمنصب في ذلك الحين.

كما تعود بعض الاتهامات ضده إلى فضيحة عقارية عام 2017 في إسلام آباد، حين اتُّهم مع شقيقه بمحاولة السيطرة على مشروع إسكان خاص من خلال اعتقال مالكه وابتزازه. وخلال فترة رئاسته للاستخبارات الباكستانية بين 2019 و2021، اكتسب حميد نفوذاً واسعاً، إذ طالته اتهامات المعارضة بتلفيق قضايا ضد خصوم الحكومة، والتدخل في إدارة شؤون الدولة من خلف الكواليس.

ويقول الصحافي والمحلل السياسي رضا رومي، المقيم في نيويورك، إن حميد كان يتصرف بـ«جرأة غير معتادة»، وإن محاكمته «تسلّط الضوء على مدى التجاوزات التي ظلت بلا مساءلة لسنوات».

ويرى مراقبون أن الحكم رسالة واضحة لكل من يفكر في تحدي المؤسسة العسكرية. ويقول عمر قريشي، كاتب الرأي في صحيفة «ذا نيوز» الباكستانية: «إنها رسالة قوية لأنصار عمران خان بألا يتوقعوا الإفراج عنه قريباً، وأن يتراجعوا عن الاحتجاجات الأخيرة. وهي أيضاً تحذير مباشر لضباط الجيش بضرورة الالتزام بالصف». ومنذ الإطاحة بعمران خان في تصويت بحجب الثقة عام 2022، ثم منعه من الترشح وسجنه العام الماضي، تشن المؤسسة العسكرية حملةً واسعةً ضدّه وضد أنصاره. ويقول خان إن التهم الموجهة إليه ذات دوافع سياسية، فيما يتهم هو ومؤيدوه المشير منير بانتهاج الأساليب ذاتها التي اتُّهم حميد باستخدامها سابقاً لدعم حكومة خان.

* خدمة «نيويورك تايمز»