سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

قبل أن نقول أهلا للعراق

عشية وصول إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي للبحرين لحضور مؤتمر «حوار المنامة»، شن البحرينيون على وسائل التواصل الاجتماعي حملة تدعو الحكومة البحرينية إلى عدم استقباله، وعبرت عن استيائها بعبارة تلخص المزاج البحريني (جاء يطلب العون منا على الإرهاب، وهو الذي أعان الإرهاب علينا)!! في إشارة إلى موقف الحكومة العراقية من أحداث البحرين الذي ساهم كثيرا في زيادة حدة التوترات داخل المملكة، ودشّنت الحملة على وسائل التواصل بفيديو مسجل لإحدى مداخلات الجعفري في البرلمان العراقي تعود لعام 2011، تهجم فيها على مملكة البحرين وعلى ملك المملكة والعائلة الحاكمة وعلى أجهزة الدولة الأمنية، ودعا لمساندة ما سماهم (الثوار البحارنة).
ثم توالت ردود الفعل على زيارة الجعفري فاستنكر النائب الشيخ عبد الحليم مراد رئيس جمعية الأصالة الإسلامية، وقال في بيانه «بأن شعب البحرين الشريف يرفض دخول هذه النوعيات المعروف عنها بتكريس الطائفية المقيتة وإشعال نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، فنحن في البحرين في غنى عن ذلك ولا يشرفنا دخول مثل هؤلاء».
وكتب محميد المحميد في جريدة «أخبار الخليج» مقالا بعنوان «ماذا سيفعل الجعفري في البحرين؟» جاء فيه (من حق الدولة أن تتخذ مواقفها وقراراتها وفق ما تراه مناسبا للمصلحة العليا، دون أدنى انتقاص من سيادة الوطن، ومن حق الدولة كذلك أن تمارس (المرونة الذكية والدبلوماسية الشجاعة) في تعاملها مع الدول والمنظمات، خاصة تلك التي كانت لها مواقف وتصريحات مناوئة للشعب والأرض، لكن من حق المواطن البحريني أن يعبر عن رأيه المسؤول من زيارات بعض مسؤولين وإقامة بعض علاقات مع تلك الدول والمنظمات، وهذا حق أصيل، ثابت وراسخ، كفله الدستور».
ثم أصدرت جمعية المنبر الإسلامي (إخوان) بيانها الذي يطالب حكومة البحرين باحترام مشاعر الشعب، وطرد الجعفري من أراضيها.
لم يقتصر الدور العراقي المحرض على الإرهاب في البحرين على التصريحات المناوئة لها أو الحرب الإعلامية التي شنتها الفضائيات العراقية على البحرين أيام الأزمة، حين كانت بعض الفضائيات تشكل غرفة عمليات تحرض وتشحن وتدفع باتجاه التصعيد والعنف والإرهاب تحت مسميات (الجهاد الإسلامي) الشيعي على دولة (الظلم) البحرينية، بل كان للعراق دور ميداني في زيادة حدة الأعمال الإرهابية في البحرين.
ففي فبراير (شباط) 2013 أعلن وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة أن الأجهزة الأمنية، نجحت بالتعاون مع دولة شقيقة في ضبط خلية إرهابية مكونة من (8) عناصر بحرينية، لافتا إلى أن التحريات دلت على تنقلهم بين إيران والعراق ولبنان وتلقيهم تدريبات على استخدام الأسلحة والمتفجرات مع توفير الدعم المالي.
وفي 30 ديسمبر (كانون الأول) من ذات العام عرض تلفزيون البحرين عملية قامت بها قوات خفر السواحل البحرينية بمطاردة لأحد الزوارق أسفرت عن إلقاء القبض على مجموعة عراقية، وقال أسامة العوفي رئيس النيابة العامة عنها في مؤتمره الصحافي «إن النيابة العامة أمرت بسرعة ضبط وإحضار المتهمين الهاربين على متن القارب وبندب خبراء الأسلحة والمتفجرات لفحص المضبوطات. وبطلب التحريات بشأن بعض الوقائع والأشخاص الذين ورد ذكرهم باعترافات المتهمين».
وفي رده على أسئلة الصحافيين أوضح رئيس النيابة السيد أسامة العوفي أن التحريات ما زالت جارية لكشف وتحديد هوية الأشخاص المتهمين الموجودين في العراق وإيران، وحول هوية القارب الذي سلم المتفجرات والأسلحة إلى المتهمين قال: إن الشخصين اللذين كانا على متن «الطراد»، الهارب وسلما المضبوطات، يتكلمان اللهجة العراقية.
لذا تأتي زيارة الجعفري للبحرين اليوم في مفارقة عجيبة تلخص وضع العراق الذي اندفع لخدمة المشروع الإيراني الطائفي في المنطقة، إلى أن اكتوى هو بناره وخلق رد فعل مضادا بالاتجاه المعاكس زاد عليه بالقوة، فعاد يطلب العون لإطفاء حرائق الفتنة الطائفية في دياره وممن؟ ممن كواهم بنارها؟ جاء يطلبه من دول مجلس التعاون التي لولاها لما وصل حزب الدعوة لسدة الحكم، ولم يجد الجعفري جدلا شعبيا مضادا له يدور في البحرين فحسب، بل في جميع دول مجلس التعاون التي زارها، ففي الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) ووجه إبراهيم الجعفري بسيل من الأسئلة التي طرحها طلبة كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت عليه حول المواقف السلبية التي اتخذها العراق من دول مجلس التعاون، وبالأخص من المملكة العربية السعودية، هكذا هو المزاج الخليجي العام تجاه العراق الآن في وقت أحوج ما يكون إلى دعم دول الخليج له.
جاء الوقت الذي أدرك فيه العراق أنه يحتاج لدعم دول مجلس التعاون في الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الذي احتل 40 في المائة من الأراضي العراقية، فما هو الموقف المطلوب من دول مجلس التعاون تجاه سياسة الانفتاح العراقي عليها؟ هل نشجع هذا الانفتاح ونتدارك ما فاتنا ونرحب بعودة العراق لبيته العربي الطبيعي؟ أم نوصد الباب مرة أخرى؟
لا يمكن أن تجازف الدول الخليجية بخسارة العراق مرتين، من صالح الطرفين أن يكون هناك تنسيق وعمل مشترك لمواجهة الإرهاب فهو خطر مهدد للاثنين، إنما السؤال الأهم هو أنه رغم ما تبديه حكومة العبادي من انفتاح تجاه دول المجلس بإشارات في تغير الخطاب العراقي تجاهها والزيارات المتكررة في فترة قصيرة لدول المجلس وخطابات العبادي الصريحة باتجاه إدانة الحقبة السابقة وانتقاد ما أحدثته من شرخ في العلاقات الخليجية العراقية، فإن تلك الخطوة ما زالت بانتظار الخطوات العملية التي تترجم هذا الخطاب، وهذا ما تنتظره شعوب المنطقة من حكوماتها، التي عليها أن تتعلم كيف تحفظ مصالحها وتجنيها من أي خطوة تخطوها.
تركيا وضعت شروطا لقبولها الدخول في الحرب على داعش، فأين شروطنا نحن؟ لدينا مطالب من العراق فأين شروطنا التي تحفظ أمننا ومصالحنا وتحقق مطالبنا؟
دول المجلس اتخذت موقفا صلبا قويا تجاه الشقيقة قطر لإعادة الأمور لنصابها حفاظا على أمنها واستقرارها، ولم تفعل قطر ما فعله العراق في أمننا، وتستطيع دولنا لو صممت أن تجبر العراق على الالتزام باستحقاقاتنا الأمنية فهل نفعلها أم نعود لنهج (حب الخشوم) وعفا الله عما سلف؟
نحن أكثر من سيفرح لعودة العراق لبيته الطبيعي وهذا مكانه الأصلي الذي غادره طوعا، إنما كيف لنا أن نأمن من هذه العودة وما زال النفوذ والتأثير الإيراني ساطعا باديا في القرار وفي الميدان العراقي؟ فها هو البنتاغون يؤكد أن إيران شنت غارات على داعش داخل العراق، من فتح المجال الجوي لإيران؟ من يضمن سلامة السنة في العراق من تلك الغارات؟ العراق أصبح كالمنطقة الحرة لإيران، تتدرب فيها وتحارب وتنطلق ميدانيا منها إلى سوريا وإلى البحرين، وعلى دول المجلس أن تطلب الضمانات لا الشفهية بل الواقعية الميدانية من الحكومة العراقية الجديدة.
العراق مسرح للميليشيات الإرهابية بدءا من حزب الله إلى عصائب الحق وسرايا الأشتر وغيرها من تنظيمات إرهابية أضرت بنا وبأمننا كما ذكر جميع من حضر حوار المنامة من وزراء عرب وخليجيين وأجانب، فكيف نأمن لحكومة لم تستطع أن تكبح جماح تلك الميليشيات داخل أراضيها وسيادتها؟ فما بالك بالتهديد الذي تشكله تلك الميليشيات على أرضنا؟
ها هي دعوة العراق للأمير سعود الفيصل تلقى ترحيبا من لدنه، وها هو كما عودنا صرح بوجوب الاستحقاقات أولا وقبل تلبية تلك الدعوة أولها أن يتصرف العراق كدولة لكل العراقيين، وأن يتوقف عن دعم تلك الميليشيات التي تهدد السنة، عليه الآن أن يضع بقية الأمور في نصابها ليضمن أن الصفحة الجديدة تفتح وهي نظيفة من شوائبها القديمة.. بعدها نقول أهلا بالعراق.