علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

جماعة «وهل تصدق؟»

أول من أمس، وفي جريدة «الشرق الأوسط»، قال الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز: «وبشأن المصالحة بين مصر وقطر، نأمل أن تسير المصالحة بينهما بأسرع وتيرة ممكنة، فهما دولتان شقيقتان ولا توجد بينهما خلافات جوهرية». والوتيرة السريعة في العمل السياسي هي نفسها ما نسميه في العمل الدرامي «سرعة الإيقاع»، والمقصود بها ليس ما يستغرقه الفعل من وقت، بل التركيز على الفعل الأساسي في العمل الفني والسياسي أيضا، مع حذف كل ما لا لزوم له. هذا هو ما يحقق سرعة الإيقاع، وهو أيضا ما قصده الأمير متعب بالوتيرة الأسرع.
حدثتك من قبل عن المثقف الفضائي الذي استولت عليه حالة حزن مروعة بعد إعلان الاتفاق على المصالحة، لقد خسر قطر كعدو، بينما هو يستمد مبرر وجوده من العداوات والخصومات مع الآخرين. نعم أستطيع أن أكشف بثقة عن أحدث اكتشافاتي، وهو أن بعض الناس يعتزون بما يملكونه من عقار ومال، وهناك أيضا عدد من الكتّاب الفضائيين وقادة الرأي العام يعتزون بما يملكونه من عداء للآخرين، فتكون النتيجة أن مصر عندما تدخل صلحا مع أي أحد يشعرون على الفور أن الحكومة صادرت جزءا كبيرا من ثروتهم. العداء لأميركا وإسرائيل وأوروبا هو ثروتهم الحقيقية، وهو ما يكشف عن الحقيقة المرة، وهي كسلهم العقلي وفقرهم الروحي الشديد وعجزهم الأشد. غير أنه لا بد من الاعتراف بأنهم يتمتعون بذكاء نادر، لقد أفلتوا مما تفرضه عليهم المصالحة من واجبات، وذلك بتكوين جماعة جديدة شعارها هو «وهل تصدق؟».. هكذا ظهرت إلى الوجود عشرات المقالات تسألك: وهل تصدق أن قطر ستقبل هذه المصالحة؟ إذا كنت تصدق ذلك فلا بد أن حضرتك أبله أو ساذج على الأقل.
وخوفا من اتهامك بالبلاهة والسذاجة ستقدم طلبا للحصول على عضوية الجماعة فتقول لمن حولك في البيت والمكتب والمقهى: وهل تصدق أن قطر ستحترم هذا الاتفاق؟
جماعة «وهل تصدق؟» هذه، هي التي أفسدت من قبل السلام الذي أنجزه السادات وحصلنا به على سيناء كاملة تحت نفس الشعار، وهو: وهل تصدق أن إسرائيل تريد سلاما مع المصريين..؟ نعم لقد حرر السادات سيناء غير أننا فقدنا سيادتنا عليها.. نحن لا نستطيع أن نقترب بمدرعاتنا من حدودنا مع إسرائيل.. وكأن السيادة على مكان لا تتحقق بغير المدرعات، وكأنهم لا يعرفون أن سيادة الدولة على المكان تتلخص في قدرتها على فرض قوانينها عليه.
هكذا نجحت جماعة «وهل تصدق؟» في دفعنا للتعامل مع سيناء بوصفها أرضا مهددة بهجوم إسرائيلي واحتلالها من جديد، لذلك حرصنا - نعم حرصنا - لسنوات طويلة على عدم تنميتها، فتحولت بمساعدة الجيران الأعزاء إلى أرض بور صالحة فقط لإنتاج التطرف.
جماعة «وهل تصدق؟» تواجه الآن مأزقا صعبا، بل هم يواجهون كارثة، هل من حقهم الآن بعد الزيارتين الناجحتين اللتين قام بهما الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا وإيطاليا، وبعد الاتفاقات معهما على مشاريع اقتصادية واستثمارية كثيرة، أن يشتموا أوروبا التي تعمل هي وأميركا على تقسيمنا وتفتيتنا و... و...؟
[email protected]