د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

إنعاش القلب.. ما هو الأفضل؟

الإنعاش القلبي الرئوي Cardio Pulmonary Resuscitation (CPR) يعتبر اليوم في عالم الطب أحد أساسيات تقديم الرعاية الطبية، ومطلوب من كل فرد في الهيئات الطبية المعنية بتقديم الخدمة الطبية المباشرة للمرضى، أن يتحصل على شهادة التدريب الخاصة بالقدرة على القيام والمشاركة في تلك العملية. وتجديد تلك الشهادة أساس للسماح له بمزاولة المهنة.
الإنعاش القلبي الرئوي هو عملية يتم بموجبها معالجة حالة التوقف المفاجئ للقلب Sudden Cardiac Arrest (SCA)عن النبض وتوقف الرئة عن التنفس، أي إن العملية هي إنقاذ حياة إنسان توقف القلب وتوقفت الرئة لديه عن العمل بغض النظر عن أسباب ذلك. وتشير رابطة القلب الأميركية إلى أن الإحصائيات الطبية في الولايات المتحدة تذكر حصول نحو 400 ألف حالة توقف القلب المفاجئ أو توقف الرئة المفاجئ عن العمل، 88 في المائة منها تحصل في المنازل.
وفي سبيل تطوير قدرة الطاقم الطبي على تقديم تلك العملية الأساسية والحيوية، طور علم الطب بروتوكولات للإنعاش القلبي الرئوي خاصة بالتعامل مع حصول الأسباب والسيناريوهات المختلفة لحالة توقف القلب والرئة عن العمل. ومن ثم وصلنا إلى برنامجين أساسيين لدعم حياة المصابين، هما: برنامج «دعم الحياة الأساسي» Basic Life Support (BLS)، وبرنامج «دعم الحياة المتقدم» Advanced Life Support (ALS)..
والهدف من عملية الإنعاش القلبي الرئوي هو محاولة إعادة تنشيط دورة دموية تدفع بالدم إلى الدماغ كي تحمي خلايا الدماغ من التلف. ومعلوم أن خلايا الدماغ تحتاج إلى تزويدها بالدم بشكل متواصل، وإلا فإنها ستتعرض للتلف والموت خلال فترة لا تتجاوز 10 دقائق من بدء توقف تزويدها بالدم المُحمل بالأكسجين. وتحديدا فإن خلايا الدماغ تبدأ بالتلف بعد الدقيقة الرابعة، أي إننا نتحدث عن عملية إنعاش يجب أن تبدأ بسرعة من حين ملاحظة توقف القلب عن العمل.
وأساس عملية دعم الحياة الأساسي هو تنشيط الدورة الدموية بالضغط على القفص الصدري حتى يتحرك الدم ويندفع إلى الدماغ، وكذا تنشيط عملية التنفس وفق برتوكولات خاصة لا مجال للاستطراد في عرضها. وهذا كله كسبا للوقت إلى حين وصول فريق الإسعاف الطبي ونقل المصاب سريعا إلى المستشفى بعد استخدام أجهزة تدعم تلك العملية.
وتشير رابطة القلب الأميركية إلى حقيقة مفادها أنه رغم كل التطور الطبي وكل الخدمات الإسعافية المتقدمة، فإن 90 في المائة من المُصابين بتوقف القلب والرئة بالولايات المتحدة لا يبقون على قيد الحياة لحين الخروج من المستشفى، أي إنه يتم إنقاذ حياة 10 في المائة فقط من ضحايا توقف القلب والرئة ويستطيعون مغادرة المستشفى بعد ذلك أحياء. ولذا أمست الأوساط الطبية بين اختيارين، إما أن تُقدم عملية دعم الحياة الأساسي للمُصاب ويتم العمل في نفس الوقت على نقله بسرعة للمستشفى لتلقي الدعم المتقدم فيها، أو أن يتم البدء بالدعم المتقدم حال وصول الإسعافيين المتخصصين إلى المُصاب ثم نقله إلى المستشفى.
وقد يتصور البعض في الأوساط الطبية، ناهيك عن خارجها، أن تقديم الدعم المتقدم في حالات توقف القلب والتنفس للمُصاب في المنزل أو الشارع أو غيره، هو دون أدنى شك أفضل من تقديم الدعم الأساسي، ولكن هل هذا صحيح؟
ومع تطور المعرفة الطبية في أساليب المعالجة، تراجع الأوساط الطبية إرشاداتها الخاصة بمعالجة الأمراض، ومن أهمها إنقاذ الحياة. وضمن عدد 24 نوفمبر (تشرين الثاني) من مجلة جاما للطب الباطني JAMA Internal Medicine، الصادرة عن رابطة الطب الباطني الأميركية AMA، عرض الباحثون من جامعة هارفارد نتائج مراجعتهم للوسيلة الأفضل في تقديم دعم الحياة حال توقف القلب المفاجئ وتوقف التنفس المفاجئ.
الباحثون قاموا بمراجعة نتائج تقديم دعم الحياة، بنوعيه الأساسي والمتقدم لنحو 40 ألف حالة. وما يثير الدهشة ملاحظتهم أن تقديم نوعية جيدة من عملية دعم الحياة الأساسي وسرعة نقل المصاب إلى المستشفى هو أفضل من تقديم دعم الحياة المتقدم واستخدام أساليب متقدمة ومعقدة لإنقاذ حياة المصابين أولئك خارج المستشفى. وأضافوا أن تقديم الدعم المتقدم قد يكلفنا فقد مزيد من الأرواح بخلاف تقديم دعم الحياة الأساسي، وخلصوا إلى أن أفضل وسيلة لمعالجة حالات توقف القلب والرئة المفاجئة هو تقديم نوعية جيدة من دعم الحياة الأساسي مع سرعة العمل على نقل المصاب إلى المستشفى. وعلق الباحث الرئيسي في الدراسة، براشي سانجافي بالقول: «وجدنا أن فرص البقاء على قيد الحياة بإجراء دعم الحياة الأساسي هي أطول من فرص البقاء على قيد الحياة بإجراء دعم الحياة المتقدم، وهو ما يُثير تساؤلات حول مدى صحة الافتراض الشائع بأن تقديم دعم الحياة المتقدم خارج المستشفى أفضل من تأخير ذلك». وتحديدا في المقارنة، لاحظ الباحثون في نتائجهم أن المصابين الذين تم تقديم الدعم الأساسي لهم وتم نقلهم بسرعة للمستشفى، كانت فرصهم للبقاء على قيد الحياة ومغادرة المستشفى أعلى بنسبة نحو 50 في المائة من أولئك الذين تم الانشغال عن سرعة نقلهم إلى المستشفى بعملية تقديم دعم الحياة المتقدم إليهم خارج المستشفى. والواقع أن مراجعة نتائج استخدام الوسائل العلاجية هو جزء من تطوير المعرفة الطبية، وليس صحيحا أن تقديم الوسائل العلاجية المتقدمة هو على الإطلاق أفضل، بل إن هناك جوانب مهمة أخرى مؤثرة في الحصول على نتائج أفضل للوسائل العلاجية المتقدمة، ومن أهمها تقديم تلك الوسائل العلاجية المتقدمة في أماكن مهيأة للاستفادة منها وضمن ظروف تضمن نتائج أفضل لتطبيقها.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]