ليونيد بيرشيدسكي
TT

لماذا لا يثق بوتين في الغرب؟

يمتلك السيد بوتين الإجابة عن تساؤلات أولئك الذين يتعجبون كيف تمحورت روسيا تحت قيادته وبشكل حاسم بعيدا عن المسار الأوروبي: إن ذلك بدأ قبل زمن طويل من توليه الرئاسة، خلال تقسيم دولة يوغوسلافيا في منتصف التسعينات.
في مقابلة مطولة نشرتها الأسبوع الماضي وكالة تاس الروسية، بدا بوتين مسترخيا ومستعدا على غير عادته للتطرق إلى المسائل الشخصية. ولقد سمح، على سبيل المثال، بأن يُخبر الناس عن كريمتيه، اللتين كثر اللغط حول زواجهما من أجانب ومعيشتهما في الخارج، بأنهما تعيشان في موسكو وتقابلان والدهما مرة أو مرتين كل شهر. بل إنه هو ذاته لا يتصور الحياة خارج روسيا. وفي الوقت الذي بدأ فيه ناخبوه يعانون من الصعوبات الاقتصادية بعد انخفاض أسعار النفط، شعر بوتين بوضوح بأنه في حاجة إلى استدعاء الحس الوطني لديهم - وليوضح السبب وراء اعتباره للغرب بأنه منافس مخادع:
في كل مرة تركع روسيا على قدميها، تغدو أقوى وتعلن عن حقها في الدفاع عن مصالحها فيما وراء حدودها، ويتغير الموقف ناحية البلاد وناحية قادتها على الفور. تذكروا ما حدث مع بوريس نيكولايفيتش (يلتسين، أول رئيس لروسيا). في بداية الأمر، كان رد فعل العالم تجاهه جيدا. وبصرف النظر عما يصنعه يلتسين، كان الغرب يهلل له. ولكن بمجرد أن ارتفع صوته مدافعا عن يوغوسلافيا، تحول في عيون الغرب وعلى الفور إلى سكير وشخصية شريرة. وفجأة اكتشف الجميع أن يلتسين يحب الشراب. فهل كان أمرا سريا من قبل؟ لا، ولكنه أمر لم يعرقل اتصالاته مع العالم الخارجي حتى بات من الضروري الدفاع عن مصالح روسيا في منطقة البلقان. وحينما تحدث يلتسين بصراحة عن تلك القضية، صار تقريبا أعدى أعداء الغرب. تلك هي الحقيقة، ولقد حدث كل ذلك أخيرا.. إنني أتذكره جيدا.
بينما أقرأ ذلك، لم أتمكن إلا تذكر كيف تحدث أول وزير خارجية لدولة روسيا، أندريه كوزيريف، إلى اجتماع لجنة الأمن والتعاون الأوروبية في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1992، فلما بدأ الوزير في الحديث، لم يكن الحضور يصدقون ما كانوا يستمعون إليه من حديثه:
مع التحفظ التام على سياسة التدخل في أوروبا، فإننا ندرك وبوضوح تام أن تقاليدنا في كثير من مناحيها، وإن لم تكن في الأساس، تتجذر أصولها في قارة آسيا، ومن شأن ذلك أن يضع حدودا لتقربنا مع أوروبا الغربية.
ثانيا: لا يمكن اعتبار مساحة الاتحاد السوفياتي السابق من حيث إنها منطقة للتطبيق الكامل من جانب لجنة الأمن والتعاون الأوروبية. وفي جوهر الأمر، هذه مساحة ما بعد حقبة الإمبراطورية، والتي يُخول لروسيا حق الدفاع عن مصالحها فيها مستخدمة كل ما يُتاح من وسائل، بما في ذلك الوسائل العسكرية والاقتصادية. إننا نُصر وبقوة على انضمام جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، ومن دون تأخير، إلى الاتحاد الروسي الجديد.
ثالثا: إلى أولئك الذين يعتقدون أنه بإمكانهم تجاهل تلك الخصوصيات وهذه المصالح يجب علينا ألا ننسى أننا نتحدث عن دولة قادرة على الدفاع عن نفسها وعن أصدقائها.
واليوم، يقول بوتين بصحبة وزير خارجيته سيرغي لافروف، تلك الأمور نفسها في كل وقت، حيث تسعى روسيا إلى التحالف الوثيق مع الصين، وتريد من الجمهوريات السوفياتية السابقة الانضمام إلى الكتلة التي تتزعمها موسكو والمسماة «الاتحاد الأوراسي».
في عام 1992، رغم ذلك، كانت تأكيدات الوزير كوزيريف غير مفهومة، حيث انفرد وزير الخارجية الأميركي وقتها، لورانس إيغلبرغر، بكوزيريف في حجرة جانبية وطالبه بتفسير لما قاله، وكان كوزيريف سعيدا ليطمئنه إلى أنه لم يعنِ كلمة مما قال. وكما أوضح في وقت لاحق، كان خطابه يهدف إلى «إظهار المخاطر التي تتربص بالمجتمع الدولي في حالة ما انهزم الإصلاحيون في روسيا وجاء أصحاب النزعة القومية الوطنية إلى سدة الحكم.
ومع ذلك، لم تعتقد الولايات المتحدة وحلفاؤها أنهم يواجهون، فعلا، شكلا مختلفا من الدولة الروسية عن تلك التي عرفوها في حقبة التسعينات.
يصعب كثيرا توجيه اللوم إزاء الفرصة الضائعة لإدماج روسيا بشكل متكامل - فضلا عن أوكرانيا وروسيا البيضاء - في داخل أوروبا على الفور عقب خروجهما من تحت عباءة الاتحاد السوفياتي. ربما كانت أوروبا أكثر ترحيبا، وربما كان ينبغي على موسكو بذل جهود أكثر صدقا فيما يخص الإصلاحات الليبرالية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»