زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

بترا: نصف عمر الزمان

سافرت إلى عمان لتسجيل برنامج «حوار مع الكبار»، وأنا في طريقي إلى عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، لم يكن في ذهني سوى اللحظة التي أدخل فيها آثار مدينة «بترا»، والتي قام الأنباط ببنائها كعاصمة لدولتهم في أوائل القرن الرابع قبل الميلاد، لكي ينافسوا بها عواصم حضارات الشرق الأدنى القديم في مصر وبلاد النهرين. كذلك أراد الأنباط أن ينافسوا بعمارة البتراء الأهرامات في مصر؛ وحدائق بابل في العراق.
تم تسجيل البرنامج داخل قلعة أثرية، يجاورها المسرح الروماني في قلب عمان.. وقلت في بداية البرنامج: إن «الملك عبد الله ملك الأردن قد قابل رئيس قناة (الديسكري)، وقال له إن آثار الأردن رائعة، ولكن للأسف عدد السائحين لا يصل إلى مستوى روعة الآثار، وللأسف لا يوجد عندنا أثري، وأشار إلى شخصي المتواضع لكي يقوم بالدعاية المطلوبة كما أقوم بها بالنسبة لآثار مصر».. لذلك اقترح رئيس قناة «الديسكري» أن يقوم الملك برحلة لآثار الأردن، وهى الرحلة الملكية، وطاف الملك عبد الله بعربته آثار الأردن، وأعاد آثار المملكة إلى حيز الضوء والاهتمام. لا بد أن نتعلم أن السياحة صناعة رائعة؛ تضخ المال في شرايين أي اقتصاد يطمح إلى النمو؛ وتخلق فرص عمل متنوعة. كما أن السياحة الثقافية المنظمة تساعد على حماية المناطق الأثرية، لسبب بسيط أنها تجعلها دائما في ضوء الاهتمام والعناية، على عكس المناطق المهجورة التي يضربها الإهمال وينساها الإنسان والزمان.
جاءت اللحظة التي سافرت فيها لزيارة «بترا» ومعي الإعلامي محمد المجالي، وهناك استقبلنا الدكتور محمد النوافله رئيس مجلس مفوضية سلطة إقليم البترا، وهو المسؤول عن إدارة موقع «بترا». وقد وجدت الكثير من التعديات حول الموقع الأثري المسجل على قائمة التراث العالمي، بالإضافة إلى وجود مئات من الباعة الثابتين داخل الموقع، ونحو 300 جمل.. ولكن لم أر أحدا من الباعة يضايق سائحا، أو يجري ليطلب من زائر ركوب الجمل، وهذا هو الدرس الأول، الذي يجب أن نتعلمه.. أما الدرس الثاني، وهو أن الدولة عرفت أهمية الموقع الأثري، ولذلك أعطوا له طبيعة خاصة منذ عام 2009، بمعنى أنه يتبع رئيس الوزراء مباشرة وليس دائرة الآثار، وعين الدكتور النوافله لإدارة الموقع بدرجة وزير.. وبعد زيارة الملك عبد الله ورئيس الوزراء للموقع تم وضع خطة حماية وتنمية للبترا؛ منها عمل حد آمان للموقع، ونقل بعض الكتل السكنية المجاورة للموقع، وإعداد المنطقة ثقافيا وسياحيا لكي يقضي فيها السائح أكبر مدة ممكنة من الليالي السياحية.
وهناك الكثير من البعثات الأثرية التي تعمل في الموقع والتي حققت عددا من الاكتشافات الأثرية الجديدة، والتي يجب أن يعلن عنها لكي تثير خيال العامة في كل مكان وتحفزهم على زيارة موقع أثري فريد.. أما عن لحظة وصولي إلى الموقع الأصلي، الذي يعرف باسم «الخزنة»، فهي لحظة لا تنسى وتعتبر من اللحظات الرائعة، وقد سجلت حديثي وقلت: «مدينة بترا كنز أثري فريد، يستحق أن يكون رمزا لآثار المملكة». وهناك بعض من زار الموقع وظل يبكي من الدهشة والإعجاب، بل وحدث أن مات سائح بريطاني بالسكتة القلبية وهو ينظر إلى عمارة «بترا».
صدق الشاعر الإنجليزي عندما قال: «إن عمر بترا هو نصف عمر هذا الزمان..».