سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

لا منطق في سلوك «الكاف» مع المغرب

أشعر بأن هناك استسلاما غير مفهوم من جانب المعنيين بملف الرياضة في العواصم العربية الأفريقية وغير الأفريقية إزاء قرار الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف) الذي عاقب المغرب باستبعاده من المشاركة في نهائيات كأس الأمم الأفريقية التي ستنعقد من 17 يناير (كانون الثاني) إلى 8 فبراير (شباط) العام المقبل، لا لشيء إلا لأن الحكومة في الرباط كانت حريصة على حياة رعاياها المغاربة، أكثر من حرصها على استضافة النهائيات، وهو حرص كان يجب أن يكون محل تقدير لها، لا موضع استنكار من الاتحاد، فضلا عن أن يكون سببا لعقاب من أي نوع!
لقد كان معروفا، منذ وقت مبكر، أن المغرب سوف يستضيف النهائيات، وكان معروفا كذلك، أن الأجهزة المختصة بالرياضة في العاصمة المغربية قد أنهت استعداداتها تقريبا لاستضافة البطولة المقرر موعدها سلفا، وكان معروفا للمرة الثالثة، أن المغرب، كدولة، كان مرحبا بتنظيم البطولة على أرضه، بل وكان يزهو بذلك، شأنه شأن أي دولة في العالم، تنعقد أي بطولة رياضية كبيرة فوق أرضها.
غير أن طارئا استجد في الموضوع كله، وكان هذا الطارئ هو وباء الإيبولا الشهير، الذي شاع ولا يزال، في دول غرب القارة، والذي تقول آخر الأرقام، إن ضحاياه قد بلغوا خمسة آلاف، حتى الآن، وهو رقم مرشح لأن يتضاعف بالطبع عشرات، بل مئات المرات، والدليل على ذلك أن تقريرا أميركيا حديثا يقول، إن مصابي المرض يمكن أن يصل عددهم، في يناير، أي في نفس شهر انعقاد البطولة، إلى مليون بني آدم!
شيء من هذا كان لا بد أن يستوقف المغرب، لأنه من دول غرب أفريقيا أولا، ولأن موافقته على استضافة البطولة، تظل تمثل مغامرة غير محسوبة العواقب ثانيا.
الغريب، بل المثير حقا، أن يتكلم الاتحاد الأفريقي وهو يبرر العقوبة التي يريد إنزالها بالمغرب عن تعاقدات مسبقة عقدها هو، وعن إعلانات مع جهات، وعن أرباح، وعن خسائر سوف تلحق به، كاتحاد، إذا استجاب لرغبة المغرب في تأجيل البطولة، ثم لا يتكلم في الوقت نفسه عن أرواح بشر يمكن أن يحصدها الوباء إذا ما خضعت الرباط لضغوطه، وضغوط تعاقداته، وإعلاناته، وارتباطاته المادية على وجه الخصوص!
هذا أمر غريب حقا، وأغرب منه أن يقال مثل هذا الكلام، ثم يظل موضع تسليم منا نحن العرب، في كل عاصمة عربية أفريقية، وغير أفريقية، فلا نقف إلى جوار المغرب، ولا ننصره في موقف محق اتخذه هو، بناء على اعتبارات وحسابات دقيقة، وليس بناء على أشياء في الهواء!
ذلك أن منظمة الصحة العالمية نفسها تقول في تقاريرها، إنه من المتوقع أن يتصاعد معدل الإصابة بالوباء إلى ذروته، في الموعد الذي ستنعقد خلاله البطولة، وقبلها طبعا، وبعدها، وهذه التقارير هي ذاتها التي اعتقد أن المغرب اعتمد عليها، ولم تعتمد على كلام مطلق، ولا على كلام هائم في الفضاء، وبالتالي، فقد كان المتوقع أن ينصت الاتحاد الأفريقي لمبررات المغرب، وأن يرى ما إذا كانت معقولة، ومقبولة، أم لا، ثم يقرر بعد ذلك، وليس قبل ذلك، ما إذا كان له أن يعاقبها أم لا!
لقد عرض الاتحاد ملف استضافة البطولة، بعد اعتذار المغرب عن عدم استضافتها، على عدة دول عربية أفريقية، من بينها مصر، وكان الرفض السريع والمباشر، هو أول رد فعل على العرض، بما يدل على أن الإخوة في المغرب، حين اعتذروا، فإنما كانوا يفعلون ذلك، بعد أن حسبوها جيدا، وبعد أن رأوا، بالورقة والقلم، أن ضرر استضافة البطولة أكبر من نفعها، على المواطنين المغاربة أنفسهم، لا على الحكومة بطبيعة الحال، ولا بد أن أي حكومة، في مكان حكومة المغرب الحالية، كانت ستتخذ القرار ذاته، لو أنها وجدت نفسها، في مواجهة موقف مماثل.
ولو أن أحدا رد فقال، إن غينيا الاستوائية قد قررت استضافة البطولة، فسوف يكون علينا، هنا، أن نفرق بين موقع المغرب، في غرب القارة، وموقع العاصمة الغينية الاستوائية «مالابو» بالقياس مع الرباط مثلا.. فكلتا العاصمتين في أقصى غرب أفريقيا، غير أن الرباط تقع في أقصى شمال هذا الغرب، أي أنها بعيدة عن الوباء، حتى الآن، ومن حقها أن تحرص على أن تظل بعيدة عن امتداداته، بخلاف «مالابو» التي تقع في عمق المنطقة الموجود فيها الوباء، أي أنه قائم فيها، وفي أجوائها، سواء استضافت البطولة، أو لم تستضفها!
لا يجوز، في أي شرع، ولا في أي قانون، أن نخير المغرب بين أن يستضيف البطولة، ويعرض حياة بعض أبنائه للخطر المحقق، وأن يخضع لعقاب لا محل له من الإعراب، لأن العقاب كان سيكون له معنى، وهدف، وقيمة، بل ومبرر وجيه، لو أنها اعتذرت عن عدم الاستضافة، دون وجود خطر عليها يعرفه العالم كله، ويراه، ويقاومه، ويجاهد في إغلاق كل الأبواب في طريقه.
وإذا كان عيسى حياتو، رئيس الاتحاد، يقول إن الاتحاد سوف يفقد مصداقيته إذا ما تأجلت البطولة، أو ألغيت، فأظن أن فقدان الاتحاد لمصداقيته، أفضل ألف مرة من أن يفقد إنسان واحد بريء، حياته، دون وجه حق!
وإذا قال قائل، إن الاتحاد يطبق القانون، فالظرف القاهر الذي اعتذر بسببه المغرب، يدعو الجميع إلى أن يقدموا معه، روح القانون على نصوص القانون! وتلك مسألة في حاجة إلى عقول تستوعب وتقدر!