فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

لئلا يصعد المتطرفون المنابر

لم تزل الجماعات الأصولية المتشددة تستغل وتستخدم المقولات المقدَّسة لدى المسلمين بغية الدخول إلى تخوم مشاعر الناس، وضربهم بالسياط الدينية والتوبيخ الدائم لهم على الملأ بأن كل ما يقدمونه، واقعيا، غير كافٍ لنجاتهم من عقوبات الدنيا والآخرة، وآية ذلك أن المنابر التي تمتطى من قبل هؤلاء سائبة كما لم يكن من قبل.
لقد شكَّلت الأصولية ورطة كبرى ليست لدى الحكومات والدول في مناطق المسلمين بل أحرجت أولا تلك المؤسسات الدينية التي تفتقر إلى استراتيجية شاملة واضحة للمعنى الذي تريده من المبثوث من تلك المنصات الدينية للمجتمع، وبالطبع تلك المنابر ترسِّخ ثقافة الموت الشاملة، وهذا يؤكد خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.. هذا الملك الصالح الذي أبدى ملاحظته كثيرا على أداء المؤسسات الدينية ومستوى إيقاعها وتأثيرها على المجتمع السعودي، وهذا يصح على جميع الدول الطامحة لإسلامٍ معتدل. وقد كشف وزير الأوقاف الأردني هايل الداود قبل أيام عن إيقاف الوزارة لـ30 خطيبا عن الخطابة من بين 5500 خطيب يعملون في الوزارة، بسبب ترويجهم للفكر التكفيري وللمنظمات الإرهابية في خطبهم.
كان الخطاب الديني الغالب في الخليج قبل الصحوة الدينية، يرتكز على الأسس الجامعة، وعلى الآداب والأخلاق، ومحاسن التدبير، وقيم المجتمع، غير أن التغوُّل الديني الذي حدث خلال الـ30 سنة الماضية حوَّل الخطاب الجامع إلى سياط تفرقة مرعب، إذ سرعان ما يتبنى القائل من على منصته الدينية مقولات التأزيم، ونبرات الحشد، ولهذا يخطبون عن الجهاد داخل الأحياء والمدن، بين المدارس والمستشفيات، بينما هذه المحالُّ المسكونة بالمدنيين ليست بحاجة إلى مثل هذا الخطاب المأزوم، وكنتُ تمنيتُ على من أراد الخطابة عن الجهاد أن يلقي الخطب في المدن العسكرية السعودية وعلى رجال الأمن الأشاوس الذين يحمون الوطن من الإرهاب، وأن يستأذنوا المسؤولين في إلقاء مثل هذه النبرات العالية على رجال الأمن الذين يجاهدون حقا حماية للأرض وسكَّانها وأفرادها. لقد افتقدت المجتمعات الخليجية ومناطق المسلمين عامة إلى صيغ الاعتدال المؤسسة للمحبة والسلام والتسامح التي كانت قبل هذه النبتات الشيطانية الكارثية.
لدى بعض المؤسسات الدينية تحديات كبيرة، حين نتحدث عن آلاف المساجد والجوامع التي يرتادها الناس باستمرار لا يمكننا العثور على استراتيجية واحدة لدى المسؤولين عن المنابر تلك، ويبدو ذلك واضحا حين نعلم أن هناك عددا من الخطباء لم يتحدثوا عن مجزرة «الدالوة» في الأحساء، أو عن رجال الأمن الذين قضوا نحبهم في شرورة، من هنا فإن البدء الفاعل لتأسيس استراتيجية ترفع إلى صناع القرار للتعهد بتنفيذها بغية صد الهجمات الإرهابية، والأمواج المتلاطمة من الخلايا المتناسلة في العراق، ذلك البلد الذي يحيطنا شمالا، أو اليمن الذي تضع الجماعات الأصولية خنجرها من خلاله على خاصرة الخليج ناوية الطعن. حين نكوِّن استراتيجية تمهد لرسم خطابٍ ديني جديد فإننا نكون قد بدأنا الخطوة الأولى نحو ما هو مأمول لدى القيادة ممثلة بالملك الذي عتب على تلك المؤسسات وللمجتمع أيضا.
عاشت بعض المؤسسات الدينية بحالة من النرجسية، والترفُّع عن المحاسبة، والأنفة من النقد، والاستخفاف بالكتابات الناصحة المرشدة، ولهذا بقيت طويلا ضمن سباتها العميق. لقد اختار الملك عبد الله عبارة دقيقة حين قال وبإخلاص الفاهم: «أنتم فيكم كسل»! إن المؤسسات الحكومية كلها ضمن مجال التصحيح والتصويب بما في ذلك مؤسسات الشؤون الإسلامية والمساجد والمنابر، إذ لا بد من البدء بمشروع كامل يعتمد على التقنية للرقابة الكاملة والتامة، ومن دون هذا الجهد السهل الذي تدعمه ميزانيات طائلة تتوافر لديها لن تنجح فعلا خطة القضاء على الإرهاب أو تقليصه.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2003 اكتشفت وزارة الداخلية خليَّة بمكة المكرمة، كانت تنوي استهداف الآمنين في بيت الله الحرام، والآن نحذِّر فعليا من تمكُّن الإرهابيين من بيوت الله.