روجر كوهين
كاتب, نيويورك تايمز
TT

هل تطارد أميركا ذيلها؟

هناك، بكل تأكيد، الصورة نفسها. ففي حالة كاسيغ، تستقر رأس الضحية بين قدمي القاتل المقنّع. رأينا، في حالات إعدام أخرى، الضحايا المذعنة الكسيرة، ووتيرة الذبح ذاتها، واستمعنا للضحية، وصوت الجلاد الباهت. ولذا فنحن بالكاد في حاجة إلى تصور كيف انتهت حياة هذا الشاب الأميركي المثالي، وأحد عمال الإغاثة الذي اعتنق الإسلام مؤخرا.
ومع ذلك، فلن يهدأ ذلك التصور ولن يستقر الخيال. ويتجلى شر تنظيم داعش باديا للعيان وليس أقل من دليل على حنكتهم في ذلك.
وبمثل ما اختصرنا مذبحة سبتمبر (أيلول) في أرقامها الثلاثة، فمن الأفضل أن نؤقلم أنفسنا، حتى نخضعها للقدر ذاته من التفاهة والابتذال حين مشاهدة دبلجة جلاد تنظيم داعش المسمى «جون الجهادي»: قليل من الجناس لتلطيف وطأة الألم.
ومجددا، يتحتم علينا التصور - تلك الدقيقة الفظيعة التي ناضل «جون الجهادي» للاستحواذ عليها، وقبوله إثرها، في إنجلترا الممطرة، ذلك العاطل المثقل بالديون العقارية ذو الرقاقة العجيبة على كتفه، ووقفته الأخرى تحت شمس الشام اللامعة، حيث يتبدى كل شيء للعيان ويتخذ موضعه في حفريات الذاكرة. لقد صار الرجل جزءا من كيان أكبر، ولديه من خلاله مهمة. وقد استصدر الترخيص بإهلاك الآخرين (حتى معتنقي الدين الإسلامي مثل كاسيغ) تحت اسم الإيمان والتدين.
كم من على شاكلته ينتظرون دورهم، حتى يتم اقتلاعه من حانة برادفورد، أو الضواحي الضائعة في إحدى البلدات الفرنسية التائهة، أو لعلها ليبيا الممزقة هذه المرة؟
ما لا يمكن تحمله، في واقع الأمر، هو ذلك الإحساس، بأن الولايات المتحدة، وبعد 13 عاما على هجمات سبتمبر كانت وبكل أسف تطارد ذيلها، في مشهد رعب هزلي ومثير للسخرية، فسحق جيب متطرف هنا لا يؤدي إلا إلى بروز جيب آخر هناك، ولا يشير ذلك إلا إلى أن آيديولوجية «القاعدة» لا تزال تستشري مثل النار في هشيم العالم العربي إثر الغزو الأميركي للعراق.
وبأكثر من ذلك، فإن خسارة 4500 جندي أميركي في العراق مع فقدان أكثر من 100 ألف قتيل مدني عراقي لم يخرج علينا بمزيد انتصار ولا وضوح، ولم يؤد إلا إلى دولة كسيرة ومجتمع ممزق، حتى إن ثورات الربيع العربي التي تعهدت بتلمس سبيل (ما) لعبور حالة المواجهة، انتهت (بعيدا عن تونس) في مستنقع من الإحباط وانتقامية المتطرفين، حتى بات «جون الجهادي» يمتلك اليد العليا.
هل كانت تختلف مشاعرنا قليلا لو أن أولئك الضحايا لقوا حتفهم رميا بالرصاص؟ فهي وسيلة «مقبولة» لإزهاق الأرواح في الثقافة الأميركية.
تعهد الرئيس أوباما بـ«تدمير» تنظيم داعش. ولكن حتى مع إنجاز ذلك الوعد، وحتى الآن لا تبشر الوسائل المستخدمة بأي تناسب مع تحقيق الهدف المعلن، ففي أي تكوين انتشاري ستعود آيديولوجيات «داعش» لتطفو على سطح الأحداث؟
ليس هناك من سبب قط، في ضوء المحاولات الفاشلة لتعريف نمط جديد من أنماط المواطنة لما بعد الطائفية في المجتمعات العربية، أن نعتقد أن معتنقي الفكر الديني المتطرف العنيف سيصابون بعقم فكري يحول دون انتشار أفكارهم. فالشباب المتحالف مع الإحباط المتحالف هو الآخر مع عقود من الصراع غير المنتهي تعتمل في صدورهم رغبة في للموت جدا عارمة.
ألف دانيال بولغر، وهو جنرال أميركي شارك في حروب العراق وأفغانستان، كتابا بعنوان «لماذا خسرنا؟». ويقول فيه ومن دون مواربة: «إنني جنرال في جيش الولايات المتحدة، ولقد خسرت في الحرب العالمية على الإرهاب». وعلى المنوال ذاته، تنتهي الدماء والثروات الأميركية، ليست في نزعة للتذمر أكثر من كونها جملا تقريرية مؤكدة.
ولكن، ماذا كان الهدف من وراء تلك الحرب؟ إذا كان المقصد الحفاظ على أمن أميركا، فلا يمكن اعتبارها من قبيل الفشل. وإذا كان المقصد إعادة صياغة المجتمعات العراقية والأفغانية، وإقصاء التهديد الإرهابي من على خريطة الولايات المتحدة، فلم يتحقق من ذلك شيء. حيث تستدعي إعدامات «داعش» إحساسا ما من قاع اللاوعي الأميركي، إحساسا يائسا بأننا جرى استدراجنا، بوسيلة ما، إلى فخ المبالغة.
* خدمة «نيويورك تايمز»