حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

لا لفتنة التفرقة!

الدول تتحول إلى أوطان عندما يحس المواطن فيها بأن لديه نظاما وقانونا جادا وقويا يحمي حقوقه كمواطن ويضمن له العدل والمساواة دون تفرقة ولا تمييز. و»اللحمة الوطنية» و»الوحدة الوطنية» مسألتان أساسيتان ومن البديهيات والمسلمات. ولذلك يبدو خبر دراسة مجلس الشورى السعودي لقانون «تجريم العنصرية والمذهبية والقبلية» مسألة مفرحة وطال انتظارها بعد أن استشرت ملامح التطرف والتشدد والتعصب المناطقي والقبلي والمذهبي بشكل مرعب ومخيف لم يعد من الممكن القبول به ولا السكوت عنه ولا محاولات تبريره ولا التخفيف من وجوده.
وهذا القانون على ما يبدو قدم لأول مرة من أحد أعضاء المجلس منذ ست سنوات لم يلق الدعم ولا القبول المطلوب في حينه وذلك على الرغم من فداحة المطلوب عرضه وخطورته وانتشار قنوات التطرف المذهبي والمناطقي والمذهبي، وظهور العشرات من المواقع الالكترونية تمجد هذا المسار المتطرف بجهل وسذاجة سرعان ما تتحول إلى نار مشتعلة، ويتخلل كل ذلك مسابقات شعرية ومزادات واحتفالات لتكريم شخصيات كل شعاراتها هو التشدد لمنطقة أو قبيلة أو مذهب على حساب الآخرين.
والشيء الغريب أن المجتمع السعودي المحافظ والمتدين بطبعه والذي يفتخر باتباع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف من كتاب الله الكريم وسنة نبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من أن التحذير الصريح يأتي على لسان سيد الخلق من التمسك بجاهلية الاعتزاز بالقبائل والانتماءات وأمر صريح بتركها حينما قال «دعوها فإنها نتنة» لأنها من إرث الجاهلية العقيم، يتم تناسي هذا الأمر الواضح والصريح والانغماس في تمييز عنصري بمختلف اشكاله.
التعصب وعدم المسؤولية تحولا إلى سرطان خطير يظهر في أشكال مختلفة، روعت أطياف المجتمع مؤخرا في حادثة دموية هائلة في منطقة الأحساء والتي أودت بحياة أبرياء من المواطنين الشيعة على أيدي قتلة ومجرمين متطرفين وحصلت ردة فعل إيجابية جراء هذه الحادثة أظهرت غريزة فطرية في رفض سفك الدماء والقتل تحت شعارات مفرقة وهدامة وممزقة. وبالرغم من فداحة هذه الجريمة إلا أن العنصرية لا تأتي فقط في هذا الشكل الفج والدموي والقاتل ولكن هناك أوجها مختلفة لذلك ولا تقل ضررا ولا سلبية عن القتل والإجرام الدموي المخيف، فهناك اعتبارات في التعليم والتوظيف وفي الرياضة وفي الزواج وفي العلاقات الاجتماعية بمختلف أشكالها تحول المجتمعات مع مرور الوقت إلى «كانتونات» و»جزر» منعزلة عن بعضها البعض، وهذا يتطلب معالجة سريعة.
ولعل العصبيات «المؤججة» بوضوح التي تظهر بوجهها القبيح من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت حالة مرضية خطيرة تحولت مع إهمالها إلى خطر أمني يهدد السلم الاجتماعي الدقيق والمتوازن والحساس.
المسألة تتطلب مواجهة جادة للغاية وتنقية الكتب والمناهج من أي سموم، وتجريما جادا لكل أشكال ذلك في المنابر الأدبية أو المناهج الدراسية أو الحلقات الدينية أو الملاعب الرياضية أو الوسائل الإعلامية. واليوم ومشاهد الدمار التي تحيط بالسعودية في كل مكان باسم المذهب والقبيلة والطائفة والمنطقة يجب أن تكون جرس الإنذار المدوي للتعامل مع هذه المسألة على أنها مسألة أشبه بالإرهاب المجتمعي وعدم الاستهانة من كل نفس مجرمة تحاول «تقسيم» المجتمع بشكل طبقي لا ينسجم مع تعاليم الإسلام السمحة.
النظام الذي أعلن عن دراسته في مجلس الشورى خطوة مدنية حضارية مهمة، ولكن لن يكون له معنى إذا لم يتم التسريع في تطبيقه بشكل عادل وصارم على الكل فورا.