كولبرت كينغ
TT

أميركا.. درس عمره 50 عاما

معظمنا ممن كانوا يعيشون منذ 51 عاما ماضية يتذكرون جيدا ماذا فعلنا لحظة سماعنا نبأ إطلاق النار على الرئيس جون كيندي. بالنسبة لي، بدّل هذا اليوم في دالاس رؤيتي للرئاسة والمؤسسات الأميركية.
كنت حينها عدت للتو إلى مكتبي داخل اللجنة الأميركية للخدمة المدنية، عندما لاحظت أن شيرلي، سكرتيرة المكتب، تبكي. ولدى سؤالها، أخبرتني بالسبب. في الواقع، لم يكن هناك ما يمكنه إعدادنا لمعايشة أحداث عطلة نهاية الأسبوع تلك في نوفمبر (تشرين الثاني) 1963.
كيف يمكن للمرء استيعاب اغتيال رئيس الولايات المتحدة؟ لقد قتل في وضح النهار في أحد شوارع دالاس. إنه رئيس كنا نتطلع نحوه، وكان رأس عائلة ساحرة كانت تأخذ بأيدينا نحو «حدود جديدة». لقد رحل.. هكذا من دون سابق إنذار!
مساء ذلك اليوم، جلست أتابع التلفاز ممسكا بابني الأكبر روب، الذي لم يتجاوز 18 شهرا من عمره حينها. وانضممت إلى باقي أفراد الأمة في وصلة من البكاء والنحيب. وكانت تلك النوبة الأولى من البكاء في كثير من النوبات التي شهدتها الأيام الكثيرة التالية. وجلست أتابع المشاهد المدمية للقلب: حلول الظلام على قاعدة أندروز التابعة للقوات الجوية، موكب الجنازة، مراسم الدفن بمقبرة أرلينغتون الوطنية. وتقاطع مع هذه الفترة الحزينة مشهد صادم من داخل قبو مركز شرطة دالاس، حيث كانت الأمة بأسرها شاهد عيان على مقتل لي هارفي أوزوالد على يد جاك روبي. إلا أنه كانت هناك الكثير من الأحداث الأخرى التي تجاوزت قدرتي على الاستيعاب حينها.
لقد بدّل حادث الاغتيال ذلك جميع التوقعات. وانتهت الديناميكية والجمال اللذان أطلق عليهما «الحدود الجديدة». لقد مات جون كيندي في دالاس، لكن الرئاسة الأميركية لم تمت معه. ورغم توقف قلب الرئيس، فإن قلب الأمة ظل نابضا.
في الساعة 12 ونصف مساء، اغتيل الرئيس الـ35 للولايات المتحدة. في الساعة 2 و38 دقيقة، أدلى ليندون جونسون بالقسم ليصبح الرئيس الـ36 للولايات المتحدة، حيث تولى الإشراف على مراسم القسم قاض فيدرالي تبعا للسلطات التي يخولها له الدستور.
واستمرت القوات المسلحة الأميركية في شتى أرجاء العالم في ممارسة شؤونها اليومية المعتادة، من طوابير صباح والتجمع في وحدات بأحجام مختلفة وتمشيط المناطق المحيطة وتنظيف الأسلحة والتدريب.
وظلت الأضواء مضاءة داخل الكابيتول هيل، واستمرت الحكومة في عملها. وكان هذا تحديدا هو الدرس المستفاد من 5 عقود مضت: أن الأفراد، المبجل منهم والممقوت، القوي منهم والضعيف، يأتون ويرحلون، ووحدها المؤسسات القوية هي ما يبقى. لقد ظلت الولايات المتحدة على مسارها رغم المأساة التي وقعت بقلب دالاس. إن 22 نوفمبر 1963 يعلمنا أنه ليس هناك سياسي يتعذر الاستغناء عنه في هذا البلد، وليس هناك من يحمل الأمة بأسرها على كاهله، وأن تلك الفترة لم تكن الوقت المناسب للسياسات الحزبية.
هذا هو الدرس الذي علينا وضعه نصب أعيننا الآن. إن الذي مكننا من البقاء على مسارنا عام 1963 هو احترامنا القانون واعتمادنا على نظام ممنهج يتطلب الالتزام بالقواعد والإجراءات، بدءا من الدستور.
وعندما نعود بذاكرتنا إلى الوراء، نجد أن عطلة نهاية الأسبوع الحزينة التي مرت علينا منذ 51 عاما ماضية تلك شهدت تحقق أمنية جورج واشنطن لأميركا، حيث ظلت البلاد ماضية في طريقها «بحيث كسبت الوقت اللازم كي تستقر وتصل مؤسساتها الحديثة مرحلة النضوج، وأن تمضي قدما من دون توقف حتى تبلغ مستوى القوة والاتساق، اللازمين لمنحها القدرة على السيطرة على مصيرها».
لكن، ماذا عن اليوم؟ ما رأسمالنا الحالي؟ تعطل الحكومة، وإرث يقوم على غياب القانون ومحاولات العرقلة وسحب الثقة؟ إننا نمر بحالة من التداعي في كل مكان.
* خدمة «واشنطن بوست»