خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

قطع الأذن ولا قطع اللسان

وجه الإنسان هو دون شك أكثر جزء من أجزاء الإنسان تعرضا للمصائب. يكفي أن ننظر لوجوه الكثيرين حولنا لنرى عليها آثار المعارك التي خاضوها. وللشعوب تقاليد عجيبة في مهاجمة وجوه البشر.
ففي أواخر العهد العباسي كان القادة من أتراك أو عجم يقلعون عيني الخليفة العربي لينحوه من الحكم، باعتباره أصبح رجلا غير كامل ومن دون عينين، وهو شرط في الخليفة سواء استعمل أو لم يستعمل عينيه في حكم الرعية والنظر في قضايا الناس.
وفي كثير من أرجاء الشرق الأوسط، اعتاد القوم على جدع أنف المرأة الساقطة، للدلالة على سقوطها.
وأتذكر أنني عندما كنت موظفا في دائرة النفوس وجاءتني امرأة مجدوعة الأنف تطلب دفتر نفوس لها، انطلقت تشرح قصتها وكيف أنها فقدت أنفها في حادثة سيارة. رحت أرثي لها وأتصور كيف كانت تضطر لسرد الحكاية، صدقا أو زورا كلما صادفت رجلا.
أما في أوروبا فيظهر أن الأنف لم يستهوِ حماة الشرف ففضلوا قطع الأذن، وهو شيء أكثر عقلانية طالما كان سقوط المرأة قد نتج من سماعها لحديث السوء وغزل الشعراء، فالجواري – يقول أحدهم – يغريهن الثناء.
آثروا جدع الأذن رغم علمهم بأن المرأة تستطيع أن تتستر عليه بإسدال شعرها.
وهناك أيضا قطع اللسان. وكانوا يلجأون إليه كلما تفوه الرجل بما لا يرضي السلطات. وأصبحت عبارة «أقطع لسانك» من العبارات البلاغية في قمع حرية الكلام والنقد.
وفي ذلك حكايات كثيرة طريفة. كان منها ما جرى بين الشيخ حسن السهيل، شيخ مشايخ تميم في العراق، ونوري السعيد، رئيس الوزراء.
خرج نوري السعيد بصحبة الأمير عبد الإله، الوصي على العرش، وكبار المسؤولين في نزهة لصيد ابن آوى. جرتهم عمليات الصيد إلى التوغل في مضارب بني تميم. فلما سمع بهم الشيخ حسن السهيل خرج إليهم وأصر ألا يخرجوا حتى يتناولوا الغداء معه.
ذبحوا خروفا مناسبا وطبخوه وجاءوا بالذبيحة على صينية كبيرة من الرز والخضار على عادة الأعراب.
ما أن مد نوري السعيد يده إلى رأس الخروف حتى سحبها مندهشا وقال للشيخ:
«شيخنا هذا شنو؟ هذا خروفكم ما عنده لسان»!
فأجابه الشيخ على الفور:
«الله يحفظك أبو صباح. هي حكومتكم خلّت عند أحد لسان»؟
ورد عليه رئيس الحكومة: «ليش ما خلّت؟! لسانك بعده ينطق»!
فضحك الجالسون وتواصلت المداعبات فقد كانت أيام خير. فرد عليه قائلا: «يا أبو صباح، أنا أتكلم على لسان الخرفان مو لسان الأوادم».
وبالطبع كان شيخ بني تميم يتكلم في زمن كانت فيه فروق بين الغنم وبني آدم، فروق زالت وتلاشت بعد أن قطعت الثورة والانقلابات لسانات الحيوان والإنسان!