علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

الرجل الذي فقد عدوا

في طريقي إلى مقهى عم بيومي للقاء أبو طارق، كنت أفكر في كلمات الملك عبد الله خادم الحرمين الشريفين التي قال فيها «عهدنا مصر دائما عونا وداعمة لجهود العمل العربي المشترك»، معربا عن ثقته في أن يسعى قادة الرأي والفكر ووسائل الإعلام نحو تحقيق التقارب الذي يهدف إلى إنهاء كل خلاف مهما كانت أسبابه.. «فالحكمة ضالة المؤمن» («الشرق الأوسط» 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014).
سألني أبو طارق: ما رأيك يا أبو علوة.. ما رأيك في هذه الدعوة للسادة قادة الرأي والفكر ووسائل الإعلام في أن يحققوا التقارب الذي ينهي الخلاف بكل أنواعه؟
أجبت: أعترف بأني لست ملما بأبعاد الخلافات بين قطر ودول الخليج، من الطبيعي أنني أكثر قربا من الخلاف المصري القطري.. الواقع أنني فشلت في العثور على سبب لهذا الخلاف بيننا وبين القطريين، الجميع يتكلمون عن أن هذه المصالحة ضرورية من أجل وحدة الصف العربي في ظروف تتطلب بالفعل هذه الوحدة... إلى آخر المفردات المستخرجة من قانون السياسة.. أما أنا فأطل على الأمر كله من نافذة الفلسفة. السباب والشتائم التي كان يكيلها بعض المصريين إلى شخصيات قطرية مرموقة، وأيضا إلى الحكومة المصرية والشعب المصري، لم تكن خلافا كما تعرفه السياسة بل كانت أفعالا تتسم بالقبح، وهو ما كان يشعرني بالاشمئزاز والخطر معا.. هذه قضية فلسفية بحتة، القبح قاطرة قوية تشد الناس إلى الوراء وتنزل عليهم أستارا قاتمة تمنع عنهم شمس الحضارة فتعيش في ظلام دامس. والقبح أيضا مرض معدٍ. عندما يتمكن منك في مجال، ينتقل بسرعة إلى بقية مجالات عملك ومعيشتك، وبذلك يكون السماح بسيادة القبح في مكان هو بداية لكي يسود كل الأماكن، فما بالك والمكان كان الجرائد وأجهزة الإعلام؟
في تلك اللحظة دخل المثقف الفضائي. كان حزينا للغاية ويرتدي ربطة عنق سوداء، سألني أبو طارق هامسا: هل قدمت له واجب العزاء؟
قلت: في من..؟ هل فقد عزيزا أو قريبا أو صديقا؟
- لأ.. فقد عدوا.. أعداؤه الآن ينقصهم واحد.. لم يعد في مقدوره الآن أن يستمتع بشتيمة قطر الدولة والحكومة ومحطة التلفزيون.
نهضت من مكاني وذهبت إلى المثقف الفضائي وقلت له: قلبي معاك.. البركة في بقية الأعداء.. لديك الآن أميركا وإسرائيل وبلاد الغرب الأوروبي.. تستطيع أن تشتمهم كل صباح ومساء وتلعن سنسفيل جدودهم أيضا.. وعلى كل لا تيأس من رحمة الله.. فجأة سنخترع عدوا تشتمه على راحتك.
انهمرت الدموع من عينيه وهو يقول في تعاسة: ليت الأمر كذلك.. أنا متشائم، وأشعر بالفزع من حدوث علاقات طبيعية بين مصر وأميركا وبلاد أوروبا.. سيترتب على ذلك خراب بيتي.. لأن الشتيمة هي أكل عيشي والمهنة الوحيدة التي أجيدها.
- ولا يهمك. عندك إسرائيل..
فقال بعصبية: حد ضامن..؟ مش جايز نعمل معاها اتفاقية سلام هي كمان؟ حاروح فين وآجي منين.. حاعيش إزاي؟
فقلت له مهدئا: ولا يهمك يا عزيزي.. إبقى اشتمني... كل يوم هاجيلك هنا الصبح تشتمني.
[email protected]