ليونيد بيرشيدسكي
TT

الغرب يواجه بوتين في قمة الـ20

خلال اجتماعات قمة مجموعة الـ20 في بريزبن بأستراليا مؤخرا، أهين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصور متنوعة. مثلا، سخر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في بيان معلن من البوارج الحربية الروسية التي تمركزت خارج سواحل بابوا غينيا الجديدة قبيل انعقاد القمة، قائلا: «لم أشعر بالحاجة لإحضار بارجة حربية معي».
أما الأستراليون فقد بعثوا مسؤولا غير ذي شأن نسبيا لاستقبال بوتين بالمطار، في الوقت الذي اشتكى فيه أعضاء الوفد الروسي من مستوى الفندق المخصص لإقامتهم. وفي الصورة الجماعية للقيادات المشاركة بالقمة، تم تخصيص مكان له في أقصى طرف الصورة.
بدا الأمر وكأن بوتين تلميذ لا يحظى بحب زملائه في المدرسة، ويتعرض لمضايقات من قبل زملائه بالفصل. وقد كانت جميع هذه التصرفات بحقه طفولية وسخيفة وسلبية النتائج.
من جانبه، حرص الرئيس الروسي على عدم الاعتراف بأنه تعرض للإهانة، واصفا التركيز الإعلامي على الإهانات التي تعرض لها بأنه ينتمي لـ«عالم افتراضي تعيشه وسائل الإعلام». ولا شك أن إظهار التعرض للإهانة علانية كان سيقدم صورة سيئة، لذا بدا بوتين حريصا على تقديم نموذج للنضوج أمام أقرانه. ومع ذلك، فإن الأعذار الواهية التي قدمها لتبرير مغادرته القمة مبكرا كانت بوضوح رد فعل على المعاملة التي تلقاها. وادعى بوتين أنه «بحاجة للنوم 4 أو 5 ساعات على الأقل»، رغم أن القادة الأوروبيين واجهوا رحلات سفر أطول. أما الصور التي التقطت في بريزبن فكشفت مشاعر القلق والارتباك على وجه بوتين.
والتساؤل الآن: ما الذي كان القادة الأوروبيون يحاولون إنجازه؟ بوتين يدرك بالفعل أنهم غير راضين عن تدخله في أوكرانيا. وعدم إرسال دعوة له من الأساس لحضور القمة كان سيبعث برسالة تشي باستعداد الغرب لعزل روسيا عن صنع القرار الدولي، مثلما فعلوا من قبل مع الاتحاد السوفياتي. بيد أن هذه الرسالة كانت ستنطوي على تضليل، لأنه رغم تمسك بوتين العنيد والسخيف بنفي تدخل روسيا في أوكرانيا، ما يزال الغرب يرغب في الحديث إليه. وبالفعل، أجرى كل من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ورئيس الاتحاد الأوروبي جان كلود يانكر، ناهيك عن قادة دول مجموعة «بريكس»، مقابلات معه خلال القمة. ولا شك أن النظرات الغاضبة لا تزيد مثل هذه المحادثات إلا صعوبة.
إضافة لذلك، فإنها تزيد شعبية بوتين بالداخل، وتعزز قناعة الروس بأن التباطؤ الاقتصادي الذي تعانيه بلادهم وتراجع أسعار النفط هما نتاج لكراهية الغرب.
في الواقع، يمد الغرب بسذاجة بوتين بهذه الدعاية المجانية في لحظة يواجه خلالها تراجعا في أسعار النفط، وما يتبعه حتما من تقليص قيمة الروبل، مما يهدد شعبيته. أيضا، موقف الغرب يبث في بوتين شعورا أكبر بالحرية تجاه تنفيس إحباطاته في أوكرانيا، التي تعاني بالفعل من الانهيار والإفلاس والحكم غير الكفء. وبناء على قناعته بأن حكومة كييف ليست سوى مجموعة من الدمى الغربية، سيسعى بوتين لمعاقبة الغرب عبر إلحاق مزيد من الألم بهذه الدولة الواهنة.
بيد أن هذا لا يعني مطلقا أنه من السهل التوصل لما ينبغي فعله، ذلك أن الخط الفاصل بين المهادنة والسلوك البناء رفيع للغاية، في وقت تعد فيه المواجهة العسكرية خارج الحسابات، وفرض عقوبات اقتصادية فاعلة سيضر أوروبا بشدة. وخلال دراستهم للبدائل المتاحة أمامهم، ينبغي على القادة الحفاظ على حوار مهذب مع روسيا.
الملاحظ أن رئيس الوزراء الأسترالي توني أبوت، مضيف القمة، قدم نموذجا جيدا على هذا الصعيد، فرغم توعده في أكتوبر (تشرين الأول) بمعاقبة بوتين لمقتل مواطنين من بلاده في حادث إسقاط طائرة مدنية فوق شرق أوكرانيا، فإنه لم يفعل ذلك، رغم علمه أن الكثير من الأستراليين قد لا يروقهم تراجعه. بدلا من ذلك، بدا أبوت مهذبا في تعامله مع بوتين. ورغم الانتقادات التي قد يواجهها في الداخل جراء ذلك، يظل من المنطقي أن تبدي الود حتى تجاه الأعداء - إلى أن تصبح مستعدا لمحاربتهم.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»