حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

مغامرة مطلوبة!

في سنة واحدة شهدت كل من البورصة الأميركية والبورصة السعودية اكتتابين ماليين أثارا الكثير من الدهشة والإثارة والجدل في آن؛ ففي نيويورك كان الحديث عن الحدث المالي الأهم والأكبر هذا العام في طرح أسهم شركة «علي بابا» الصينية للاكتتاب العام، وهو الاكتتاب الأكبر هذا العام والذي كان بمثابة المفاجأة السارة جدا لكل المتعاملين في البورصات العالمية، والاكتتاب كانت قيمته 25 مليار دولار وهي قيمة هائلة بكل المقاييس.
وشهدت البورصة السعودية هي أيضا أكبر اكتتاباتها في تاريخها، وذلك حينما طرحت أسهم أكبر وأهم مصارفها، وهو البنك الأهلي التجاري، بقيمة تبلغ 6 مليارات دولار.
والاكتتاب الأميركي يكرر تكريس صورة إغراءات شركات الاقتصاد الجديد مثل شركات غوغل وأبل وأمازون وسيسكو وتويتر وفيسبوك، وهذا الشيء المتكرر يأتي مجددا للتذكير بأن الاقتصاد الجديد ليس بفقاعة صابون ستنفجر وتختفي آثارها بل إنها باقية ومستمرة وتكبر وتتطور. والصورة مختلفة فيما يخص الاكتتاب الكبير الذي حصل في السعودية؛ فهو رغم ضخامته الكبرى والإقبال المالي الهائل، فإن الاكتتاب كان تكريسا وتأكيدا على ثقة الناس في الاقتصاد التقليدي القديم، والبنوك تشكل إحدى أهم ركائز ورموز ذلك الأمر.
هناك حالة من الغموض الكبير والخوف الأكبر الموجود لدى المستثمرين السعوديين تحديدا أو العرب عموما تجاه الإقدام على الاستثمار بجدية في شركات الاقتصاد الجديد ومن ثم طرحها في الأسواق المالية المفتوحة، فلا يزال التركيز بشكل أساسي على الشركات التقليدية وهي التي تعمل في مجالات العقار والصيرفة البنكية وشركات الاتصالات والكهرباء. قياس الفجوة الاقتصادية له أوجه كثيرة ومختلفة لعمل ذلك الأمر، وهناك المعايير التي يتم احتسابها لقياس الإنتاجية ومعدلات الاستثمار والبطالة ومعدلات دخل الفرد، ولكن ازدياد رقعة رأس المال الموظف والموجه للاقتصاد الجديد هو بمثابة تكوين منظومة اقتصادية جديدة متكاملة تفتح الأبواب للدخول في مجالات استثمارية جديدة ومتنوعة جميعها فيها نوع من التكامل والتوافق بحيث يكون هناك نوع من الاعتمادية على سلسلة مترابطة من القطاعات تخلق وتبدع فعلا اقتصاديا جديدا يوجد الحاجة ويكون العرض ويأتي بالتالي بالطلب المتوقع ويتم تحقيق العوائد ومن ثم الأرباح والنمو المتواصل، وهكذا يتم تحقيق الغاية المهمة من وراء ذلك وهي توسيع قاعدة الاقتصاد المنتج وتقليص الاعتماد على الاقتصاد القديم المتأصل في الاعتماد على السلعة الواحدة وما يتبع ذلك من مجازفات وأخطار وتقلبات وتحديات وغموض وقلق.
النمو الرأسي في الاقتصاد الذي يعتمد على قطاع بعينه بقدر ما يدعو للفرح والاطمئنان يجب أن يكون أيضا مدعاة للقلق ومبعثا لروح التحدي والإبداع لضرورة فتح المجال وبسرعة لتطوير مناخ الاستثمار في كل ما له علاقة بالاقتصاد الجديد والأفكار غير التقليدية التي تأتي معه والتي تفتح المجال للدخول في التعليم الجديد والطب الجديد والإعلام الجديد والصيرفة الجديدة والإنتاج الفني بشكل جديد ومختلف.
الأسواق المالية ونتائج الشركات فيها وحراك الاكتتابات الأولية تقدم لنا مؤشرا مثيرا ومهما لمعرفة الاتجاه الدقيق لرغبات رؤوس الأموال، ومع الإقرار بوجود رؤوس أموال عربية تسعى للاستثمار بشكل مستمر في الشركات العالمية التي تتألق أو تطرح جديدا من منظومة ما يعرف بالاقتصاد الجديد إلا أن الأمر المهم لم ينعكس أبدا على الأسواق العربية ولم يبرز في أي منها «لاعب» آسر تمكن من النجاح بشكل إقليمي وعالمي مع شديد الأسف، إلا أن ذلك من المفروض أن يكون محفزا لا محبطا؛ محفزا على أن يجبر المهتمين على خوض التجربة وكسر الحاجز النفسي والخروج من براثن الاقتصاد التقليدي والبحث والمغامرة في الاقتصاد الجديد، ولقد آن الأوان لذلك.