سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

أبو عمار يعزّي الفقيد

تحدثت من قبل عن كتاب «محطات رحلة في قطار العروبة» (الدار العربية للعلوم) للسفير كلوفيس مقصود، متوقفا باختصار عند ما قد يكون أطول قطار دبلوماسي في تاريخ «الجامعة العربية». وإذ أستعيد القراءة، أكتشف ما بين التنقلات عبر الأمم، جانبا من الطرافة التي تخفف من ثقل الأحداث. فقد كان منزل كلوفيس في القاهرة (وفي الهند) مضافة عربية للزوار والمقيمين. وخلال عمله في «الأهرام»، جمعته صداقات إعلامية كثيرة، منها مودة خاصة مع إحسان عبد القدوس.
ذات مرة أقام عشاء للأصدقاء، فاتصل به إحسان قبل يوم مستأذنا: «هل لديك مانع بأن تحضر الست معنا؟». و«الست» في لبنان هي الزوجة. فكان جواب كلوفيس: «نتشرف»، فالجميع قادمون مع زوجاتهم. مساء اليوم التالي اكتشف المضيف أن «الست» هي الست.. أي أم كلثوم. وعندما قدمه إحسان إليها، قالت بظرفها المعهود: «كلوفيس.. دا طبعا اسمك الفني، أُمّال اسمك الحقيقي إيه؟».
سمعنا كثيرا عن عناقات الراحل ياسر عرفات. لم يسمع أحد من قبل مثل هذه: «شهر آذار/ مارس 1971، كان في ضيافتي أبو إياد (صلاح خلف) وأبو اللطف (هاني القدومي)، وإذ بالباب يُقرع ويدخل أبو عمار مسرعا: ما سمعتوش الأخبار؟ البابا كيرلّس مات (بابا الأقباط) قوموا بقا نعزّي. ذهبنا نحن الأربعة لتقديم التعزية. وفور وصولنا بدأ أبو عمار يعانق ويقبل الكهنة الموجودين. وبدل أن يكون الراحل مسجى على سرير كان مسجى على كرسي وسط القاعة، فلم ينتبه أبو عمار إلى ذلك، وراح يعانقه ويقبله معتقدا أنه أحد الذين يتقبلون التعازي. وحين أدرك ما حدث، توقف والتفت إلينا قائلا: إيه اللي حصل ده؟. وفي سرعة خاطره المعهودة في مثل هذه الحالات، استدار نحو الكاهن الواقف إلى جانب البابا وأخذ يعانقه ويعزيه».
كان الزعيم اللبناني كمال جنبلاط يقوم بزيارة الرئيس فؤاد شهاب كل يوم ثلاثاء. وطلب من صديقه كلوفيس مرافقته مرتين، وفي الأولى قدم لشهاب كتابا عن التجربة البرتغالية، وفي نهاية الزيارة، تقدم ببضعة طلبات محلية صغيرة. وفي الزيارة الثانية حمل معه كتابا آخر، وفيما هو يقدمه، قال له شهاب ضاحكا: «يا كمال بك شو بدنا بالكتاب.. قُللي شو الطلبات أولا».