سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

ثمانون عينين واسعتين

الرجاء الابتسام. ولو قليلا. صوفيا لورين تحتفل ببلوغها الثمانين. ستون منها قضتها تملأ شاشة السينما العالمية. خرجت من أزقَّة نابولي الفقيرة ولم تتوقف. تقول ضاحكة وهي تقدم مذكِّراتها: قيل لي إن أنفك كبير وفمك كبير ولن يقبل بك أحد على الشاشة. ثم تتوقف قليلا: إنه حقا لأنف كبير.
أيامها لم تكن السينما تأتي إلى البيت، بل كان عليك أن تذهب إليها. وكم وقفنا في صفوف طويلة أمام شباك التذاكر، في المطر أو الحر. كانت السينما آنذاك أميركية أو فرنسية أو عربية، ولم يكن أحد قد سمع بالسينما الإيطالية. لكن هذه ما لبثت أن اخترقت درب الجماهير عندما أطلَّت ومعها جمالات مثل صوفيا لورين وكلوديا كاردينالي (مولودة في تونس) وجينا لولو بريجيدا.
وطلع الإيطاليون بشيء جديد هو «السينما الواقعية»، أي التصوير في أحياء الفقر بُعيد الحرب العالمية الثانية. وأضاف مخرجوهم خفة الظل والنقد الاجتماعي. غير أن شباك التذاكر كان يعتمد دوما على جمال ابنة نابولي السمراء ذات العينين الواسعتين كمثل أغنية فيروز «سمرا يا أم عيون وساع». وما لبثت أن اختطفتها هوليوود، وقدَّمتها في أدوار محزنة أو مضحكة، يميِّزُها على الدوام لكنتها الإيطالية وعمق صوت أنثوي مثير للعطف.
قلَّدت السينما المصرية «الواقعية» الإيطالية. وكان من أبرز مخرجيها حسن الإمام، الذي ملأ شاشته بجمال هند رستم. وفي مرحلة تفرغ الكاتب الكويتي الساخر فؤاد الهاشم للتندر عليَّ. ومما قاله مرة إن فلانا «يقول إنه هو الذي اكتشفني. وإذا كان ذلك صحيحا فهذا يعني أنه حسن الإمام وأنا هند رستم».
ثمانون في عالم الأضواء ليست «عيدا». خلال الأشهر الماضية في نيويورك كنت أرى كيف تقوم مظاهرة أمام فندق من أجل رؤية المغنية «شاكيرا»، أو سواها ممن لا أعرف إطلاقا. وذات يوم كنت أتمشى في «الفيلدج» عندما رأيت صوفيا لورين وابنها يمران بالناس ولا من يعرفها. ولولا صوتها لما أدركت أن هذه القامة الجميلة التي تتحدث، إنما هي «سمرا أم عيون وساع». وكالعادة خجلت بأن أتقدم وألقي التحية، لكنها ابتسمت بكبر، إشارة إلى أنها تبلَّغت مشاعر التقدير ونادي المعجبين القدامى.