مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

طرد أرواح «أونلاين»

لو كانت مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت غير موجودة الآن، فهل ستكون «داعش» مثلا بنفس فعاليتها و«باقية وتتمدد»؟!
لا.. لن تكون بهذه الفعالية والتمدد. هذه الـ«لا» ليست انطباعا، بل حقيقة يشهد لها الواقع والأخبار اليومية التي تربط بين تدفق المراهقين والجانحين من شتى بقاع العالم للانخراط في عالم «داعش» الغرائبي.
ظاهرة «داعش»، كما ذكرت سابقا، لا يجوز حصرها في الشق الديني الإسلامي؛ هي ظاهرة عالمية فعلا، مثل الاحتباس الحراري وشح المياه ووباء إيبولا ومن قبله كورونا، لذلك هي مسؤولية العالم كله.
لا يعني هذا أن «داعش» وقبلها «القاعدة» وقبلهم «الإخوان»، وفي موازاتهم الخمينية وجماعاتها، ليست نتيجة أزمات عميقة تخص المسلمين في وعيهم لذاتهم وفهمهم لتاريخهم، وكيفية إدارة الشأن السياسي فيما بينهم.
هي تعني هذا، لكن يضاف له، نتحدث عن «داعش» حصرا، وجود أزمة عالمية تمثلها «داعش»، وإلا فكيف نفهم أن شخصا أوروبيا للتو أسلم، قبل ذهابه لـ«داعش» بشهرين، لا يعرف العربية ولا يفقه ذرة عن الإسلام «يجاهد» مع «داعش»؟ وتزداد المسخرة حين يحصل هذا من مراهقة نمساوية!
أظن أن دول العالم، خاصة الغربي منه، لو وفرت بعض المليارات التي تصرف على الجهد العسكري لقصف «داعش» وبناء أجهزة أمنية جديدة، ووضع المزيد من القيود على السفر وحركة المال، بما ينهك الاقتصاد، لو وفرت هذه الجهود باتجاه واحد وهو: كبح التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي كـ«تويتر»، وما يستجد من صيغ مشابهة، لحرم سدنة الموت والخراب من اصطياد الأنصار.
الغرب يؤمن بحرية التعبير وغير ذلك من قيم الليبرالية، هذا جميل ومتحضر، ولكن نحن هنا أمام خطر على بقاء هذه القيم أساسا!
يقال الرهان على الوعي وليس على المنع، ولكن هذا الكلام يحمل خطورة في كيفية التوفيق بين وجود هذا الوعي الواقي، وبين بقاء المجتمعات والدول نفسها على قيد الوجود، لا نملك ترف الصبر على إشراق هذا الوعي الموعود.
الغرب، الذي انطلق منه الإنترنت، هو من يسعى الآن لمحاصرة مخاطر الإنترنت، بعدما وصل اللهب ملابسهم. الأحد الماضي دعت أميركا حلفاءها الذين يشاركونها الحرب على «داعش» لتوسيع نطاق الحرب لتشمل الإنترنت، خلال اجتماع في الكويت خُصص لمواجهة الحملة الدعائية للمتطرفين على الشبكة.
قبل هذا كان الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ قد قرر طلب مساعدة قادة شركات الإنترنت (تويتر، فيسبوك، غوغل، مايكروسوفت) لمساعدته في محاربة نشاط الإرهابيين على الشبكة، علما بأنه في غضون عام واحد ارتفع عدد الأوروبيين الإرهابيين في سوريا والعراق من بضع مئات إلى قرابة 3 آلاف، وفقا لأرقام منسقية مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي.
كان من آخر الأخبار المذهلة تجنيد فتاة فرنسية «يهودية» اسمها سارة وعمرها 17 عاما للقتال مع «داعش». والسلطات الفرنسية أكدت وجود 100 فتاة وامرأة فرنسية مع «داعش».
يقال في المثل: «من حضّر العفريت يصرفه».. والغرب هو من يعرف كيف يتعامل مع عفاريت التكنولوجيا.. ننتظر ونراقب.
[email protected]