الجيش الحر يرفض اقتراح دي ميستورا بتعليق النزاع في حلب ويقترح تنفيذه في «المناطق المحررة»

حلب والغوطة الشرقية أكثر المناطق تؤوي نازحين يحتاجون للإغاثة والحماية

عناصر من الشرطة التركية في محطة للوقود على الحدود التركية السورية مر عليها البيشمركة في طريقهم لكوباني أمس  (رويترز)
عناصر من الشرطة التركية في محطة للوقود على الحدود التركية السورية مر عليها البيشمركة في طريقهم لكوباني أمس (رويترز)
TT

الجيش الحر يرفض اقتراح دي ميستورا بتعليق النزاع في حلب ويقترح تنفيذه في «المناطق المحررة»

عناصر من الشرطة التركية في محطة للوقود على الحدود التركية السورية مر عليها البيشمركة في طريقهم لكوباني أمس  (رويترز)
عناصر من الشرطة التركية في محطة للوقود على الحدود التركية السورية مر عليها البيشمركة في طريقهم لكوباني أمس (رويترز)

أعلن الجيش السوري الحر رفضه مقترح تعليق النزاع في مدينة حلب الذي تقدم به المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا أول من أمس، القاضي بإقامة ما سماه «مناطق مجمدة» في سوريا يتم فيها تعليق النزاع والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، متقدما باقتراح بديل، هو تنفيذ المناطق المجمدة في «المناطق المحررة من سيطرة نظام» الرئيس السوري بشار الأسد، وتحديدا في القنيطرة (جنوب البلاد) وريفي حلب وإدلب الممتدين من الحدود التركية إلى العمق السوري.
وقال عضو هيئة رئاسة أركان الجيش السوري الحر أبو أحمد العاصمي لـ«الشرق الأوسط» إن هذا المقترح، على أهميته: «يصعب تنفيذه في حلب أو في أي منطقة تتضمن تماسا عسكريا مباشرا مع قوات النظام لأننا لن نوقف القتال هناك، وخصوصا في المناطق التي نتمتع فيها بتفوق عسكري»، مشيرا إلى أن حلب «لا يمكن تنفيذ هدنة فيها كوننا نحاول التقدم إلى مناطق جديدة فيها، فيما يحاول النظام استعادة أحياء تسيطر عليها المعارضة».
وتنقسم السيطرة في مدينة حلب بين القوات النظامية وقوات المعارضة، إذ تسيطر الأخيرة على الأحياء الشرقية وجزء من الأحياء الشمالية، فيما تحولت مناطق حلب القديمة إلى نقاط اشتباك مستمرة، بينما يحتفظ النظام بالسيطرة على المناطق الجنوبية وجزء من الأحياء الغربية. وتتركز الاشتباكات في المدينة على المدخل الواقع في الشمال الشرقي، قرب سجن حلب المركزي، وعلى المدخل الشمالي الغربي من جهة مجمع الزهراء، فيما تشهد مناطق شمال حلب اشتباكات وقصفا مستمرا من الطرفين.
وقال العاصمي إن مدينة حلب «يستحيل أن تشهد هدوءا» نظرا إلى الخارطة المتغيرة يوميا على صعيد الاقتتال فيها، وتقدم قوات المعارضة من جهات وانحسار تواجدها من جهات أخرى. لكن المدينة: «تمتاز بجانب إيجابي بالنسبة لنا، وهو أن مساحتها كبيرة جدا، ما يعني أن قوات النظام، لا يمكن أن تحاصرها أبدا، خلافا لما يشيعه النظام بأنه قادر على إطباق حصار عليها». وأشار إلى أن عجز النظام عن تنفيذ ذلك المخطط «يعود إلى فقدانه الكادر البشري والكثير الذي يحتاجه لخنق المدينة ومحاصرتها»، علما بأن مساحتها تعادل 5 أضعاف مساحة الغوطة الشرقية في دمشق التي يحاصرها النظام. وقال: إن النظام «يقصف أحياءها الخاضعة لسيطرة المعارضة من مسافات بعيدة، كما ينفذ غارات جوية، لكنه غير قادر على محاصرتها والتقدم فيها، ما يدفعه لأن يطالب بمنطقة تجميد عمليات فيها لتخفيف الضغط العسكري عليه».
وكان دي ميستورا قال بعد لقائه أعضاء مجلس الأمن الدولي إنه ليست لديه خطة سلام وإنما «خطة تحرك» لتخفيف معاناة السكان بعد أكثر من 3 سنوات من الحرب. وقال المبعوث الأممي بأن مدينة حلب المقسمة قد تكون «مرشحة جيدة» لتجميد النزاع فيها، من دون مزيد من التفاصيل، مشددا على أنه «ينبغي أن يحصل شيء يؤدي إلى تجميد النزاع في تلك المنطقة ويتيح الفرصة لتحسين الوضع الإنساني وللسكان لكي يشعروا بأنه، على الأقل هناك، لن يحدث مثل هذا النزاع».
وكشف العاصمي لـ«الشرق الأوسط» أن هذا المقترح «بدأ قبل 3 أشهر»، وأن مندوبي دي ميستورا الذين اجتمعوا مع أعضاء المجلس العسكري في الجيش السوري الحر «طرحوا الفكرة في سياق رديف، إذ بحثوا إمكانية أن تكون هناك هدن عسكرية في بعض المناطق». لكن إجابة الجيش السوري الحر، كانت «الموافقة على شرط أن تكون الهدن في المناطق المحررة من سيطرة النظام والخاضعة لسيطرتنا، وليس في المناطق التي يعاني فيها النظام من وضع عسكري حرج». وأشار إلى «أننا طرحنا فكرة إقامة هذه المنطقة في القنيطرة التي تعد شبه محررة، على أن يتضمن اتفاق الهدنة التزاما منا بعدم استعمال المنطقة كقاعدة انطلاق لعمليات الجيش الحر، في مقابل أن لا تقصفها طائرات النظام، وتكون المنطقة محمية من قبل عناصر الأمم المتحدة الذين يشرفون على مراقبة تنفيذ الهدنة».
ويعني هذا المطلب، إنشاء منطقة حظر جوي في سوريا، وهو ما تسعى إليه المعارضة، لكن دمشق وحلفاءها يرفضون هذا الطلب، علما بأن المعارضة تراه «حلا مناسبا سيؤدي إلى طرد القوات الحكومية من مناطق كثيرة، كونها لا تستطيع إلا استخدام سلاح الجو لقصف مواقع المعارضين».
ويعد تخصيص مناطق محمية ومحيدة عن النزاع، ضرورة من وجهة نظر الأمم المتحدة، ووجهة نظر الجيش السوري الحر أيضا على حد سواء، وسط معلومات بوجود 4.7 مليون نازح في سوريا وحدها، وأجبروا على النزوح أكثر من مرة بسبب الاشتباكات المتنقلة وتشمل 10 محافظات على الأقل داخل البلاد. وإذ أكد العاصمي أن الجيش الحر «يؤيد إنشاء مناطق آمنة في سوريا لتخفيف النزوح الداخلي والخارجي»، قال: إن «الأمم المتحدة تسعى إلى تهدئة المنطقة بهدف إدخال المعونات الإغاثية». وأضاف: «برغم أهمية هذا المسعى، فإن ذلك لا يعفي المجتمع الدولي من البحث عن حل شامل»، معتبرا أن الأمم المتحدة «للأسف تحولت إلى جمعية خيرية إذ لا تبحث عن حل شامل».
ويُنظر إلى حلب، التي باتت مقسمة منذ هجوم للمعارضة في صيف 2012 بين مناطق تسيطر عليها القوات النظامية في الغرب وأخرى تسيطر عليها المعارضة في الشرق، على أنها المنطقة المثالية لإنشاء هدنة لوقف النار فيها، بعد نجاح هدنة سابقة في حمص مهّدت لاتفاق شامل قضى بإخراج قوات المعارضة منها إلى مناطق آمنة خاضعة لسيطرتهم شمال المحافظة. إضافة إلى ذلك، يعد ريف دمشق والغوطة الشرقية مكانين مناسبين أيضا، كون الغوطة التي تحاصرها القوات الحكومية وتنفذ فيها عمليات متواصلة في مسعى للسيطرة عليها، تضم أكثر من نصف مليون نازح، إضافة إلى نصف مليون آخرين من السكان فيها. تلك المناطق، في حاجة إلى إدخال مساعدات غذائية، بحسب ما تقول مصادر المعارضة، كذلك حلب التي تؤوي ما يزيد على نصف مليون مواطن.
غير أن المعارضة تتخوف من عدم التزام النظام بالهدنة. وقال العاصمي إن الهدنة في حمص: «نُفذت بضمانة إيرانية»، كما أن المخاوف تمتد إلى «الهواجس من استغلال النظام للهدنة بإدخال قواته الأمنية وتنفيذ اعتقالات في المدن والمناطق المحيدة عن النزاع». إضافة إلى ذلك، تطالب المعارضة بوجوب ضمانات دولية لإنشاء جيوب محمية، وتطمينات على أعلى المستويات «كي لا تُفسّر الموافقة على أن الثورة وقفت عند حدود هذه المناطق»، بحسب تأكيد العاصمي.
وفي مقابل المخاوف من خرق النظام للهدن واستغلالها، يؤكد العاصمي «أننا نحترم الهدنة بهدف حماية ناسنا وشعبنا»، مشددا على أنه في حال تمت الموافقة على الهدنة بشروط الجيش السوري الحر، أي في المناطق المحررة، فإن ذلك «سيدفعنا لإصدار أوامر تلزم جميع المقاتلين بالتهدئة»، مشيرا إلى أن سلطة الجيش الحر «قائمة على أكثر من 30 فصيلا فاعلا، أما الذين لا سلطة لنا عليهم، وهم تنظيمات متشددة، فإنهم لا يمثلون العدد الكبير من المقاتلين المعارضين».
وأكد السفير السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أن حكومته مستعدة «للنظر» في اقتراح دي ميستورا لكنها تنتظر تفاصيل إضافية من اجتماع من المفترض أن يكون انعقد مساء أمس الجمعة. وقال دبلوماسيون إن الدول الأعضاء في المجلس منفتحة إلى حد ما على «الخطة» التي قد تكون خطوة أولى على طريق حوار وطني، لكنها تريد مزيدا من التفاصيل.



حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة على خلفية التحركات الأحادية الميدانية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الماضية، التي أدت إلى إرباك معسكر الشرعية اليمنية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى تبعات اقتصادية وإنسانية وأمنية في ظل تربص الجماعة الحوثية بالمناطق المُحرَّرة.

جاء ذلك غداة حراك سياسي وعسكري مكثَّف في إطار الجهود السعودية - الإماراتية الرامية إلى احتواء التوتر في المحافظات الشرقية، وذلك مع وصول فريق عسكري مشترك إلى عدن، وعقد لقاءات رسمية مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتوازي مع لقاءات في حضرموت مع قيادات محلية وقبلية، في مسعى لإعادة تطبيع الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مزيد من التصعيد.

وجاءت هذه التحركات في وقت تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة توتراً متزايداً على خلفية تحركات ميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما أعقبها من مواجهات وأحداث أمنية، دفعت «تحالف دعم الشرعية» إلى تكثيف مساعيه السياسية والعسكرية لفرض التهدئة، والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة في المناطق المُحرَّرة.

الزبيدي استقبل في عدن وفداً عسكرياً سعودياً إماراتياً مشتركاً (سبأ)

في هذا السياق، استقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، وهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في القصر الرئاسي بعدن، قيادة القوات المشتركة لـ«تحالف دعم الشرعية»، يتقدمهم اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي، بحضور عضو مجلس القيادة عبد الرحمن المحرمي، ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة العليا اللواء هيثم قاسم طاهر.

ووفق مصادر رسمية، ناقش اللقاء سبل توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تهدِّد أمن اليمن والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والتهديدات التي تمس المصالح الدولية وحرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين القوات اليمنية والتحالف.

وأشاد الزُبيدي بالدور الذي تضطلع به دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مؤكداً أهمية الشراكة القائمة في دعم القوات اليمنية، بينما أكدت قيادة القوات المشتركة دعمها المستمر للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

بيان رئاسي

بالتوازي مع هذه التحركات، جدَّد مصدر مسؤول في مكتب الرئاسة اليمني الإشادة بجهود السعودية لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، وذلك بعد وصول الفريق العسكري السعودي - الإماراتي إلى عدن.

وأوضح المصدر أن الزيارة تأتي ضمن جهود الرياض وأبوظبي لتعزيز وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ومعالجة تداعيات الإجراءات الأحادية الأخيرة، بما يضمن عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، وتمكين السلطات المحلية والحكومة من أداء مهامها وفقاً للدستور والقانون.

وأشار البيان إلى أن المشاورات الجارية تتناول معالجة مسألة القوات المُستقدَمة من خارج المحافظات الشرقية، وسبل مغادرتها، إضافة إلى تمكين مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها الحصرية، واحترام المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (أ.ف.ب)

وحذَّر المصدر من أن أي تصعيد إضافي من شأنه تبديد المكاسب المُحقَّقة، وصرف الانتباه بعيداً عن المعركة ضد جماعة الحوثي، وتقويض جهود الإصلاحات الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد، مؤكداً حرص قيادة الدولة على تغليب الحلول السياسية، ودعم الجهود السعودية - الإماراتية، والعمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

آليات مرتقبة للحل

أفادت مصادر مطلعة بأن الفريق العسكري السعودي - الإماراتي يبحث وضع آليات تنفيذية لخروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وإعادتها إلى مواقعها السابقة، إلى جانب ترتيبات لتسليم بعض المواقع لقوات «درع الوطن»، في إطار إجراءات منسقة تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

كما عقد الوفد السعودي، برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، لقاءً موسعاً في حضرموت مع قيادة السلطة المحلية برئاسة المحافظ سالم الخنبشي، وقيادات الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى، ومرجعيات قبائل حضرموت، ومشايخ وأعيان الوادي والصحراء.

وأكد المحافظ الخنبشي أن زيارة الوفد السعودي تمثل دعامةً لأواصر الأخوة بين البلدين، مشيداً بمواقف المملكة الداعمة لحضرموت في هذه الظروف، بينما شدَّد رئيس الوفد السعودي على أن اللقاءات تأتي في إطار فرض التهدئة، ورفض أي تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة، والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة.

رئيس الوفد السعودي في حضرموت اللواء محمد القحطاني يلتقي قيادات قبلية ومحلية (سبأ)

وأشادت القيادات البرلمانية والقبلية بالموقف السعودي، عادّةً أن هذه التحركات تمثل تطميناً للمواطنين، وتؤكد الحرص على معالجة تداعيات دخول قوات من خارج المحافظة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

في المقابل، نعت رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية عدداً من منتسبي المنطقة العسكرية الأولى، الذين سقطوا خلال مواجهات وصفتها بأنها اعتداءات نفَّذتها مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرةً إلى سقوط 32 قتيلاً و45 جريحاً، إضافة إلى مفقودين، ومؤكدة التزام القوات المسلحة بواجباتها تحت قيادة الدولة ووفقاً للدستور والقانون.

وفي موقف سياسي لافت دعا أحمد علي عبد الله صالح، وهو النجل الأكبر للرئيس اليمني الأسبق، جميع الأطراف اليمنية، إلى وقف التصعيد وضبط النفس، والعودة إلى الحوار، محذِّراً من أن استمرار التوتر في المحافظات الشرقية لا يخدم استقرار البلاد، ولا جهود توحيد الصف في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.


في زمن الحرب... «الدان الحضرمي» على قائمة التراث الإنساني اللامادي

الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)
الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)
TT

في زمن الحرب... «الدان الحضرمي» على قائمة التراث الإنساني اللامادي

الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)
الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)

في إنجاز ثقافي يُعد من أبرز المكاسب الرمزية لليمن في السنوات الأخيرة، أدرجت لجنة التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في دورتها العشرين المنعقدة في العاصمة الهندية نيودلهي، ملف «جلسة الدان الحضرمي» ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، بعد جهود استمرت سنواتٍ من العمل المؤسسي والفني المتواصل.

ويُعد هذا الإدراج اعترافاً دولياً مستحقاً بأحد أهم الفنون التقليدية في محافظة حضرموت، شرق اليمن، لما يحمله «الدان الحضرمي» من قيمة تاريخية وثقافية وجمالية، بوصفه فناً يجمع بين الشعر والموسيقى والغناء، ويعكس في طقوسه ومضامينه أنماط العيش والعلاقات الاجتماعية والذاكرة الجمعية للحضارم عبر قرون طويلة.

وثمّن مندوب اليمن الدائم لدى اليونسكو، محمد جميح، قرار اللجنة، مشيراً إلى أن «(الدان الحضرمي) يستحق عن جدارة هذا الإدراج»، مؤكداً أن الوصول إلى هذه النتيجة جاء ثمرةً لعمل دؤوب استمر لسنوات، منذ أن كانت الفكرة مشروعاً ثقافياً، وصولاً إلى اعتمادها اليوم تراثاً إنسانياً عالمياً.

محمد جميح مندوب اليمن لدى اليونسكو (سبأ)

وعبّر جميح عن شكره لوزارة الثقافة وطاقمها، واللجنة الوطنية لليونسكو، ومؤسسة حضرموت للثقافة التي تولت إعداد وتمويل ملف الترشيح، إضافة إلى لجنة التراث الثقافي غير المادي وخبراء التقييم وسكرتارية اللجنة، ورئيسها السفير الهندي لدى اليونسكو فيشال شارما.

وتسلمت الجمهورية اليمنية شهادة إدراج الملف رسمياً من المدير العام المساعد لليونسكو لقطاع الثقافة، أرنستو راميريز، في مقر انعقاد اللجنة بنيودلهي، في لحظة عكست حضور اليمن الثقافي رغم ظروف الحرب والتحديات السياسية والإنسانية.

إشادة حكومية

أكد معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية، أن هذا الإنجاز يمثل «اعترافاً دولياً مستحقاً بأحد أهم التجليات الإبداعية في حضرموت واليمن عموماً»، معتبراً أن «الدان الحضرمي» يجسد عمق الهوية الثقافية اليمنية التي حافظت عليها الأجيال المتعاقبة، رغم التحولات القاسية التي شهدها البلد.

وأشار الإرياني إلى أن هذا الاعتراف العالمي يعكس تقديراً للفن الحضرمي الأصيل الذي يختزن في تفاصيله الذاكرة الجمعية وروح المكان، وهو ثمرة جهد وطني مشترك شاركت فيه وزارة الثقافة ومؤسسة حضرموت للثقافة، إلى جانب الدور البارز الذي اضطلع به السفير محمد جميح في متابعة الملف داخل أروقة اليونسكو.

ويمثل «الدان الحضرمي» أكثر من مجرد لون غنائي تقليدي؛ فهو ممارسة ثقافية متكاملة ترتبط بالمجتمع والبيئة والتاريخ، وتُؤدى في جلسات جماعية تتناوب فيها الأصوات على إلقاء الشعر وإنشاد الألحان، في تعبير حي عن التفاعل الاجتماعي والوجدان الجمعي.

وأكدت مؤسسة حضرموت للثقافة أن إدراج هذا الفن في القائمة التمثيلية لليونسكو يعكس قيمته في حفظ الذاكرة الثقافية للحضارم، ويؤكد دوره في نقل التراث الشفهي من جيل إلى آخر.

وأوضحت المؤسسة أنها عملت على إعداد ملف الترشيح بالتعاون مع مجموعات من الممارسين لهذا الفن، وبشراكة فاعلة مع وزارة الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية، وبدعم فني من مكتب اليونسكو الإقليمي لدول الخليج واليمن، الذي كان له دور محوري في إبراز تميز الملف واستيفائه للمعايير الدولية.

بعد تاريخي

أشار وزير الثقافة اليمني السابق ومستشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي للشؤون الثقافية، مروان دماج، إلى البعد التاريخي العميق لـ«الدان الحضرمي»، معتبراً أن هذا الفن العتيق الممتد من جذور التاريخ أصبح اليوم جزءاً من الذاكرة الإنسانية جمعاء.

وذهب دماج إلى أن العرب عرفوا الغناء «داناً» منذ أكثر من ألفي عام، وأن الدان يمكن اعتباره من أقدم أشكال الأغنية العربية، مستحضراً ارتباطه بالشعر العربي القديم وأسواقه التاريخية في وادي حضرموت.

وتتجاوز أهمية إدراج «الدان الحضرمي» البعد الثقافي البحت، لتأخذ دلالات وطنية وإنسانية أوسع، في ظل ما يتعرض له التراث اليمني من مخاطر الطمس والتشويه بسبب الحرب والانقسام والإهمال. ويؤكد هذا الإنجاز أن اليمن رغم الدمار والمعاناة لا يزال حاضراً في خريطة الثقافة العالمية، بقيمه الإبداعية وإسهاماته الحضارية.

كما يمثل الإدراج خطوةً مهمةً في مسار صون التراث غير المادي، ويوفر مظلة حماية دولية لهذا الفن، ويعزز فرص توثيقه ونقله للأجيال المقبلة، باعتباره جزءاً أصيلاً من الهوية اليمنية وقوة ناعمة يمكن أن تسهم في تحسين صورة اليمن وتعزيز حضوره عربياً ودولياً.

وفي المحصلة، يشكل الاعتراف الأممي بـ«جلسة الدان الحضرمي» رسالةً واضحةً بأن الثقافة قادرة على تجاوز الحروب، وأن الذاكرة الإنسانية أوسع من حدود الصراعات، لتحتفي بالفنون التي تعبر عن روح الشعوب وعمق تاريخها، كما هي حال حضرموت في شرق اليمن.


غوتيريش: نقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)
TT

غوتيريش: نقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)

وصل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى بغداد، اليوم (السبت)؛ للمشاركة في الاحتفالية الكبرى التي ستنظِّمها الحكومة العراقية بمناسبة انتهاء مهام بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، ومغادرتها البلاد في 31 من الشهر الحالي.

وأكد غوتيريش، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أنه يقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر، وأشار إلى أنه شهد «شجاعة العراق وثباته وإصراره في التغلب على الإرهاب والتدخل الخارجي والطائفية».

وأضاف غوتيريش، وفقاً لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن «بعثة (يونامي) في العراق ساعدت على إعادة البناء بعد عقود من الحرب، وكان هدفنا دعم العراق في جهوده لإعادة الاستقرار»، لافتاً النظر إلى أنه «مع إغلاق البعثة ستظل هناك وكالات للتنمية الحيوية والبشرية، ونقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر».

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يستقبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بغداد (مكتب رئيس وزراء العراق)

وبارك غوتيريش للعراق «النجاح في إقامة الانتخابات الأخيرة»، معرباً عن أمله «في إعادة الحكومة العراقية بناء الثقة والاستقرار في البلاد».

من جانبه، أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن انتهاء مهام بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) لا يعني نهاية الشراكة مع الأمم المتحدة.

وأوضح السوداني، خلال المؤتمر الصحافي المشترك، أن «الحكومة نجحت في ترسيخ دعائم الديمقراطية عبر إجراء الانتخابات»، مبيناً أن «العراق انتقل من جهود الأزمات إلى الاعتماد على جهوده الذاتية».

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بغداد (مكتب رئيس وزراء العراق)

وتابع: «حققنا الأمن والاستقرار وكثيراً من الإنجازات الوطنية رغم التحديات، ونتطلع إلى إقامة علاقات مع الأمم المتحدة تقوم على أسس الشراكة».

وأكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق رئيس بعثة «يونامي» محمد الحسان، في تصريحات صحافية، أن مهمة البعثة أُنجزت بنجاح، وأن مغادرتها جاءت بناء على طلب عراقي، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وقال الحسان إن «بعثة (يونامي) جاءت إلى العراق بطلب من العراقيين، وإنهاء عملها جاء أيضاً بطلب منهم»، مؤكداً أن «الأمم المتحدة تحترم رغبات الدول التي تستضيف بعثاتها، ولا يمكن أن تعمل أي بعثة دون موافقة الدولة المستضيفة، واستعدادها للتعاون».

وأضاف أن «العراقيين استضافوا البعثة لأكثر من عقدين، وكان العمل شاقاً، إلا أنهم وجدوا أن المهمة الموكلة إلى (يونامي) حقَّقت أهدافها، وحان الوقت ليأخذوا الأمور بأيديهم مثلهم مثل بقية دول العالم».

الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق رئيس بعثة «يونامي» محمد الحسان (الأمم المتحدة)

وأوضح الحسان أن «مهمة البعثة أُنجزت بنجاح، ولم يتبقَّ سوى 3 ملفات، تتعلق بالمفقودين من دولة الكويت، ورعايا الدول الثالثة منذ فترة الحرب وغزو الكويت، إضافة إلى ملف ممتلكات الكويتيين والأرشيف الوطني الكويتي».

وذكر أن «هذا لا يعني انتهاء وجود الأمم المتحدة في العراق؛ إذ ستبقى من خلال الوكالات المتخصصة، إضافة إلى التواصل بين العراق بصفته عضواً في مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان».

وأُسست بعثة الأمم المتحدة للدعم في العراق، وهي بعثة سياسية، عام 2003. وفي الـ31 من مايو (أيار) صوَّت مجلس الأمن بالإجماع على قرار تمديد ولاية البعثة لمرة أخيرة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2025 بناءً على طلب رسمي من الحكومة العراقية.