حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

اتحاد القوة

هناك قصة قديمة جدا باتت جزءا معروفا من التراث والفلكلور والقصص الذي يتم ترديده عبر الأجيال وفي كل الدول العربية بلا استثناء. القصة «المثالية» الطيبة التي يتم تدريسها في الكثير من المناهج التعليمية والتي تقول وتحكي عن الشيخ العجوز الراقد على فراش الموت في سويعاته الأخيرة، وحوله يجتمع أولاده وهو يحاول أن يعلمهم الدرس الأهم والأخير في الحياة، يحاول أن يعلمهم أن الاتحاد قوة، وذلك بأن جعل كل ابن يمسك عصا ليكسرها فتُكسر بسهولة، ثم يقوم بجمع كل العصي في حزمة واحدة مجتمعة ويطلب من كل ابن أن يكسرها، وطبعا يفشل كل واحد منهم في ذلك الأمر كما هو معروف في القصة، فنخرج بالتالي بالدرس السابق ذكره.
هذا «الدرس» حاولت مجموعة غير بسيطة أبدا من الأنظمة العربية تطبيقه بالقوة وبالشكل الإجباري على الأمة العربية في مناسبات مختلفة. والواقع يقول إن الضعفاء مهما اتحدوا لا يمكن أن يكونوا أقوياء. النظرية الساذجة جدا التي كان يروج لها أن الدول الضعيفة لو اتحدت ستصبح «فجأة» قوية وكيانا فولاذيا لا يمكن هزيمته، فوحدة الضعفاء تكون تجمعا أكثر ضعفا، هذه مسألة غير قابلة للجدال ولا النقاش، مثل أن تفتح مدرستين حكوميتين بعضهما على بعض لتكون بعد ذلك النتيجة النهائية صرحا أكاديميا تعليميا مبهرا ومميزا، بينما حقيقة الأمر أن ما حصل هو تكتل للبيروقراطية والجهل وقلة الضمير.
الأصل والأساس في المسألة هو أن تكون قويا ثم تنشد الاتحاد مع من يضاهيك ويجاريك في القامة والآمال والأحلام والطموحات؛ فالقوة تولد قوة لا من يضاهيك في اللغة والدين فقط. ولعل المثال الأوروبي الرائع يعطينا أكبر دلالة وأهم تأكيد على ما نقول هنا؛ فهذه دول كانت ذات أعراق مختلفة وخلفيات ثقافية متنافرة وطوائف متنوعة وطبعا لغات شتى، ولكن كل دولة بشكل عام كانت قوية وكانت ناجحة وقوية وواثقة من إمكانياتها، وشعورها بالقوة رفع بشكل تلقائي من درجة طموحها وجعلها تحاول أن تبقى على هذا النجاح وتضمن مستقبله واستقراره، وكان بالتالي من «الطبيعي» أن يكون الاتحاد بينها مطلبا تكامليا وتصاعديا وتلقائيا، وكان الميلاد المهم لثقافة الاتحاد، ولكن يحدث أحيانا العكس ويكون الموعد على وحدة بين الجهلاء والضعفاء، مثل أن تتوحد دول أنظمتها قمعية وباطشة، ومن ثم تنتج نظاما مدمرا يسيطر فيه الاستبداد والطغيان، فلم يكتب له البقاء ولا الاستمرار، وينتهي، مثلما كان يحاول أن يفعله نظام معمر القذافي من محاولات الوحدة بشكل عشوائي.
إذا لم تتوافق الدول التي تنشد الاتحاد وتنظر من نفس المنظور على ذات الهدف فسيتحول الاتحاد «النبيل والجميل» في النية والهدف إلى ما يشبه الاحتلال أو سيطرة غير عادلة على السلطة أو إلغاء لشخصية وهوية الدولة الأخرى.
الاتحاد مطلب جميل وسيكون أهم لو يتم التفكير فيه مع الأقوياء والمعدين لنفس النظرة، لأن الاتحاد مع الأقوياء يولد قوة أعظم، وهذا قد يكون مفتاحا للتغيير.