د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

صفير أجهزة الإنذار وتعب الممرضين

نتفاجأ أحيانا من حجم الشيء حينما نراه على حقيقته، وتخف بالتالي لدينا شدة العجب حيال غرابة التفاعل معه، وأمثلة ذلك تتعدد في شأن تقديم الرعاية الطبية طوال المرضى الوقت للمرضى. وصفير أجهزة الإنذار المرتبطة بالأجهزة التي تراقب حال المرضى هو أحد الأمثلة.
يعتمد تقديم رعاية متواصلة للمريض، وخصوصا منهم الذين حالتهم حرجة أو يتلقون أدوية عبر الوريد أو تجرى لهم عملية جراحية، على توفير وسيلة لتنبيه الممرضين والأطباء بحصول أي تغيرات غير طبيعية في حالة جسم المريض أو تغيرات مؤثرة على سلامة تقديم الرعاية العلاجية له. ووسيلة التنبيه هذه هي الصوت، وتحديدا صوت صفير ينبعث من أجهزة مراقبة Monitoring Devices موصولة بجسم المريض. والمطلوب من هذه الأجهزة أن تعمل بكفاءة لتصدر صوت الصفير عند حصول أي تغيرات تمت برمجة الأجهزة تلك على ملاحظة حصولها. ونورد على سبيل المثال، جهاز تنظيم دخول السائل المائي المحتوي على أحد أنواع الأدوية إلى جسم المريض عبر أحد أوردة جسمه، وهذا الجهاز مبرمج على إصدار صوت تنبيه بالصفير عند حصول أي إعاقة لجريان السائل الدوائي من العبوة المعلقة بجوار المريض إلى جسمه، مرورا بأنبوب التوصيل والقسطرة المغروزة في مجرى الوريد. وأيضا هناك أجهزة مراقبة مقدار ضغط الدم أو نظم نبض القلب أو تتابع تنفس المريض، المبرمجة هي الأخرى على إصدار تنبيه بصوت صفير لتنبيه طاقم التمريض والطبيب بحصول شيء ما غير طبيعي ويتطلب التعامل معه لضمان سلامة المريض وحفظ حياته.
إلى هنا والقصة جميلة، وواضح جدا أنها فكرة ذكية ومنطقية وتمكن من تقديم رعاية آمنة للمريض، هذا بشكل نظري. أما بشكل عملي، فإن هناك متاعب لا تنقضي في هذا الشأن وفي تحقيق تلك الغاية. وقد نشر الباحثون من جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو ضمن عدد 22 أكتوبر (تشرين الأول) من مجلة «بلوس وان» الطبية The Journal PLoS One، نتائج دراستهم حول صفير التنبيه لتلك الأجهزة وعلاقته بحالة «إجهاد الإنذار» Alarm Fatigue التي يعاني منها الممرضون خلال عنايتهم بالمرضى الموصولة بأجسامهم تلك الأجهزة.
وتصنف حالة «إجهاد الإنذار» لدى الممرضين بدرجة «قضية رئيسية» لدى اللجنة المشتركة The Joint Commission، وهي الهيئة الرئيسية لاعتماد المستشفيات بالولايات المتحدة، وذراعها الدولية هي «اللجنة الدولية المشتركة» أو «جي سي آي» JCI إحدى أهم هيئات اعتماد المستشفيات على المستوى العالمي. وتشير المصادر الطبية إلى أن حالة «إجهاد الإنذار» تحصل حينما يمسي مقدم خدمة الرعاية العلاجية بالمستشفى في حالة من اللامبالاة للصفير المتواصل الصادر عن إنذار تلك الأجهزة، ويقدم بالتالي على إما تجاهل ذلك الإنذار أو ببساطة يوقف عمل جهاز الإنذار نظرا لـ«الصداع» والإجهاد الذي يسببه له ذلك.
ولمعرفة حجم المشكلة من جانب عدد مرات صدور الصفير في أجهزة مراقبة المرضى، لاحظ الباحثون في نتائج دراستهم صدور مليونين و500 ألف صفير تنبيه من أجهزة مراقبة المرضى في عنبر العناية المركزة لمستشفى واحد بالولايات المتحدة، ولك أن تتخيل العدد الكلي لمرات صدور ذلك الصفير في كافة مرافق تقديم الرعاية الطبية العلاجية لجميع المرضى طوال الشهر في كل عنابر تنويم المرضى بالمستشفى الواحد.
وعلقت البروفسورة باربرا درو، الباحثة الرئيسية في الدراسة، بالقول: «ثمة الكثير من القصص الإخبارية حول مرضى ماتوا بسبب إسكات الممرضين صوت تنبيه أجهزة مراقبة قلب المرضى، وهناك أيضا تنبيهات كثيرة من الوكالات الصحية الفيدرالية تحذر من عواقب وصول الممرضين إلى حالة إجهاد الإنذار». وتضيف: «على الرغم من هذا لا يتوفر سوى القليل من البيانات المنشورة ضمن الدراسات الطبية حول حجم هذا الموضوع لتوضيح الصورة للعاملين الإكلينيكيين في المستشفيات حول ما الذي يجدر فعله للتعامل مع هذه المشكلة، ودراستنا الجديدة هي الأولى التي تسلط الضوء على عدد مرات صدور صوت الصفير من أجهزة مراقبة القلب ودقة صدورها وأسباب صدور التنبيه الكاذب عنها واستراتيجية حلول هذه المشكلة الطبية المهمة»، على حد وصفها.
وقام الباحثون في دراستهم بتحليل البيانات المتعلقة بمعالجة 461 مريضا من البالغين في عنابر العناية المركزة التابعة للمركز الطبي بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسسكو، وذلك خلال 31 يوما، ووجدوا أن أجهزة مراقبة القلب الموصولة بأجسامهم أصدر أكثر من مليونين و500 صفير تنبيه خلال تلك الفترة ولأولئك المرضى في تلك العنابر.
وفي كل ما تقدم لا مشكلة مقارنة بالتالي في النتائج، ذلك أنه بشيء من التفصيل في ذكر نتائج الدراسة، أصدرت الأجهزة تلك 1.1 مليون صفير تنبيه لمشكلات في إيقاع نبض القلب، منها تقريبا 89 في المائة هي بالفعل إنذار خاطئ أو إنذار كاذب بسبب أخطاء في برمجة وقراءة تلك الأجهزة الكومبيوترية لما يحصل في حال نبض المريض.
وقالت البروفسورة درو: «يمطر الممرضون بوابل من تنبيهات الصفير الصادرة عن تلك الأجهزة، والتي يمكن خفضها وجعلها واقعية ومفيدة في تنبيه الممرضين عبر تحسين برمجة تلك الأجهزة وآلية إصدارها لتنبيهات الصفير، والدراسة تلاحظ أن غالبية تنبيهات الصفير هي من النوع الكاذب الذي يجبر الممرضين على إسكات صدورها».
والقصة أشبه بقصة الراعي الذي استهتر بتكرار إصداره التنبيهات الكاذبة حول مهاجمة الذئب لقطيع أغنامه طلبا لمعونة أهل القرية، وحينما أصدر إنذارا حقيقيا تخلف أهل القرية عن مساعدته بسبب سابق عبثه معهم في هذا الأمر. وكذلك الطاقم الطبي إذا ما تكررت ملاحظته أن تلك الأجهزة غير ذات كفاءة في ملاحظة أي تغيرات تهدد سلامة المريض وأنها تصدر أصوات الصفير بداع وبغير داع فإنه سيصاب بالإجهاد وسيتسم تفاعله معها بالإهمال، وحينما تتأثر سلامة المريض تكون نتيجة البحث عن «تحليل سبب جذر المشكلة» Root Cause Analysis لا علاقة لها بأداء طاقم التمريض عمله بدقة، بل المشكلة في كفاءة عمل أجهزة مراقبة حالة المرضى.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]