مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

كلب البيك

مما يميز الزعيم السياسي اللبناني وليد جنبلاط كسره للنمطية في التعليقات والتصرفات، وطبعا قدرته الفائقة على إتقان طقوس الإشارات والتحولات في شرق المتوسط هذا، معدن البدايات وموئل النهايات.
وليد بيك مزيج فريد من نوعه، زعيم الموحدين الدروز، وقائد بني معروف، وسلالة الإقطاع اللبناني، وفي الوقت نفسه هو الرفيق الاشتراكي المناضل العروبي، الثائر الأممي اليساري.
انتقل، طبقا لحسابات معقدة تنطلق من هذه الاعتبارات التكوينية السالف ذكرها، من موقع إلى موقع، من تحالف إلى تحالف، من لغة إلى لغة.. تستطيع أن تعتبره «حكيم الطوائف» الشرقية.
فوق هذا كله هو رجل صاحب حس فكاهي وثقافة منوعة، ضد رتابة السياسيين وتكرارهم التقليدي، يخرج من إهابه أحيانا شاب مرح بلا قيود، ولعل هذا ما يكسبه جاذبيته الخاصة.
قبل أيام أطلق البيك حسابه على موقع «تويتر»، مدشنا ضجيجا جنبلاطيا لطيفا يليق به. جاء في الخبر الذي نشرته صحيفة «الحياة» أن النائب وليد جنبلاط قرّر الدخول إلى الإعلام الاجتماعي من بابه العريض طارحا أسئلته على بيل غيتس عبر حسابه الجديد حول وباء إيبولا.
غرّد جنبلاط للسفير البريطاني في بيروت توم فليتشر، مؤكدا له أن هذا هو حسابه الجديد، وكتب له معلقا: «هذا أنا وأوسكار (الكلب)». وكان جنبلاط ردّ على أحد المغرّدين الذي سأله عن الكلب الذي يظهر معه في الصورة، قائلا: «هذا صديقي المفضل أوسكار»، مرفقا التغريدة بوجه مبتسم.
هذا الصديق العزيز لوليد جنبلاط مشهور وله ثقله وأدواره الخطيرة مع بيك المختارة، ففي أغسطس (آب) الماضي كان هو بطل اللقاء بين جنبلاط وباقة من الجميلات عارضات الأزياء في قصر المختارة، وحينها عوتب الزعيم اللبناني على التفرغ للثرثرة مع الجميلات والبلد متوتر (متى هدأ؟!) و«داعش» على الأبواب، فكان جواب البيك حاسما، مشيدا بـ«أوسكار»، وكما جاء في «الأنباء» الكويتية نقلا عن موقع «يقال نت» اللبناني روى جنبلاط قصة استقباله لـ36 عارضة أزياء. ومما قاله البيك: «أنقذ أوسكار الوضع، ووفّر علي محاضرة في أهمية الانتخابات الرئاسية، أو ذكر (داعش)، لأنه في كلتا الحالتين فهن سيقعن في الملل وستنهار سمعتي فورا». وختم جنبلاط: «شكرا أوسكار، لقد كان الاجتماع بالحسناوات لطيفا.. كم أنا محظوظ».
ما من شك أن أوسكار، الكلب الوفي المتحضر مع الحسان، هو أفضل من كثير ممن لبس الثياب، وهو بلا ريب أكثر «إنسانية» من الذين يقتلون وينحرون ويحرقون ويغتصبون باسم الدين والطائفة.
أفضلية اكتشفها مؤلف شهير في تراثنا العربي هو محمد بن المرزبان، توفي 309 هجريا، وكتابه كان بعنوان «تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب»، متذمرا من فساد أهل زمانه وندرة الصديق الصالح، وأنه: «قد ذهب الذين يعاش في أكنافهم».
لا ريب أن أوسكار، كلب البيك، كان سيصبح ضمن كتاب ابن المرزبان، لو عاصره، ربما أحد أجداده ذكر في الكتاب.
[email protected]