سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

صحافة الكبار: ثالث الأنيس

احتفلت «الأهرام» بالذكرى الثالثة لغياب أنيس منصور، منتقية أفضل طريقة من طرق تكريم الكاتب وقرائه وزاويته: إعادة نشر سلسلة من أعمدته. يا لها من مهمة صعبة. ليس أن تكون أنيس منصور، فهذه مهمة مستحيلة، ولكن أن تقف في بساتينه متأملا أي شجرة تستفيء وبأي ثمار تعود.
ترك أنيس نحو 250 كتابا وآلاف الأعمدة والخواطر. ولم تجعل منه هذه الكميات الأسطورية كاتبا «مكثارا» بل بقي كاتبا مبدعا. وكان المبدعون المصريون في زمانه كثيرين، فلم يتفرد أو يتميز عنهم، بل كان مزيجا منهم، مثل شجرة عالية ملقحة بأغصان كثيرة. فقد كان فيه من مصطفى وعلي أمين. وكان فيه تأثيرات من أحمد بهاء الدين، وكان فيه من محمد حسنين هيكل. وكان فيه – مثلهم جميعا، التأثر العفوي بسيد الحداثة في الصحافة المصرية ورمسيس الأسلوب، الأستاذ محمد التابعي.
كان يكفي لأن يكون لأي جيل، أستاذ مثل التابعي، لكي ينبت جيل كله عمالقة. وعندما يكثر العمالقة لا يعود هناك من هو أهم، ومن هو أكثر أهمية، بل يصبح هناك صف طويل من المتقدمين بين متساوين، وفي اللغة عندما يكون هناك اثنان، لا يكون هناك أول. لذلك، كان هؤلاء المعلمون مجموعة من التوائم، الذين تقدمهم وتقدم عصرهم الاسم الذي كلما ذكر التلامذة الكبار ذكر المعلم الكبير، التابعي.
إلى الآن لا نعرف إن كان التابعي ظلا أم رجلا، فهو أول من أدخل نفسه في سياق المقال وإطار الحدث. لكنه ظل مثل فراشة تحوم فوق السطور، تشرد وتعود وترفرف ولا ينقل وجودها ولا يغلظ تطفلها. عندما تقرأ كيف سافر التابعي مع الملك فاروق رغم أن الملك لا يحب وجوده، يصير همك أن تعرف ماذا فعل التابعي لا كيف تصرف ملك مصر. وعندما يروي لك التابعي كيف استدعته أسمهان إلى فندق الملك داود في القدس لمساعدتها في مأزق نفسي شديد، لا يعود همك أن تعرف ماذا حدث لصاحبة أشهر اسم في السياسة والفن والعائلات الكبرى، ذلك الزمان، وإنما ماذا قال التابعي، وماذا لم يقل. وهل أكمل الرحلة إلى النمسا مع الحاشية الملكية أم استقل باخرة عائدة نحو بور سعيد.
كان للقصور العربية والعالمية شاعرها. التابعي بدأ تقليدا جديدا في مصر: صار للقصر الملكي، فالجمهوري، كاتبه. هيكل لعبد الناصر وموسى صبري للسادات. وحاول حسني مبارك أن يغري أحمد بهاء الدين بأن يكون رئيس تحرير للآخر والمعبر عن سياسة الرئيس. فضل التغريد المستقل.
إلى اللقاء..