عادل النقطي
إعلامي تونسي، مراسل صحيفة الشرق الأوسط في تونس.
TT

دروس من انتخابات تونس

ما جرى ويجري هذه الأيام في تونس لا يكاد الكثير من التونسيين أو الأجانب يصدقونه. فإجراء انتخابات كانت عموما شفافة، رغم وجود بعض التجاوزات التي لا تخل منها أي عملية تصويت في كل بلاد العالم، والاتجاه نحو خروج حكومة ودخول أخرى في كنف الهدوء، وفي إطار تجسيد سنة التداول السلمي على السلطة كان حلما بعيد المنال.. كان حدثا لا يجري تقريبا إلا في الخارج وخاصة في الديمقراطيات العريقة، وعادة ما اكتفى التونسيون حتى الآن بمتابعة أطواره عبر وسائل الإعلام. ولم يكن أكثر المتفائلين من بين التونسيين يتوقع حدوثه في بلادهم. أما مشهد تهنئة الخصوم السياسيين بعضهم لبعض حتى قبل الصدور النهائي للنتائج الرسمية للانتخابات، فلا أحد كان يعتقد أنه قد يجري يوما على أرض تونس.
النتائج تبقى بالطبع مهمة. ولكن العديد من التونسيين لا يفضلون اليوم الحديث عن فائز أو منهزم في هذه الانتخابات.. ويرون أن كل من ساهم في إنجاح هذا الاستحقاق الانتخابي المهم هو بالضرورة منتصر.. وأول المنتصرين هي تونس التي حافظت على وحدتها.. وأول المنتصرين هو الشعب التونسي الذي تمسك بإدارته وآمن أن لا طريق إلى تغيير واقع الأشياء إلا من خلال صناديق الاقتراع، والمشاركة في الانتخابات متغلبا على مشاعر الإحباط واليأس والخيبة التي خلفتها السنوات الأخيرة القاسية والصعبة وعلى آلامه وجراحه مغلبا صوت الحكمة ورافضا طريق الفتنة والقفز في المجهول.
دروس كثيرة تفرض نفسها من انتخابات 2014. وهي دروس على كل مكونات الطيف السياسي وكل الأحزاب المنهزم منها والمنتصر، وخاصة المصدوم من النتائج، أن تتوقف عندها طويلا لتقرأ بعمق أبعادها وتداعياتها ولتحاول فك شفرة الرسائل التي بعث بها الشعب التونسي إلى نخبه السياسية عبر صناديق الاقتراع، حتى لا يغتر المنتصر ولا ييأس المنهزم، وحتى يقوم من بدوا وأنهم أضاعوا البوصلة في هذه الانتخابات بالمراجعات اللازمة لا إلقاء اللوم على الناخبين وعلى اختياراتهم والتشكيك فيها. عليهم أن يستوعبوا جيدا هذه الرسائل إن كانوا حقا جديرين بالبقاء في الساحة السياسية.
إن انتخابات 2014 التي جرت في تونس هي خطوة مهمة على طريق مطباتها كثيرة ومسالكها وعرة. والانتخابات ليست في حد ذاتها غاية، بل هي في النهاية مجرد وسيلة يختار الناس من خلالها من يدير شؤونهم لفترة محددة يعودون بعدها لمحاسبة من اختاروهم على ما حققوه لهم وإن كانوا في مستوى الثقة التي منحوها لهم.
واليوم وبعد المصادقة على الدستور الجديد، وبإجراء انتخابات تشريعية، وفي انتظار إجراء الانتخابات الرئاسية، تنهي تونس فترة الانتقال الديمقراطي على مستوى المؤسسات على الأقل، وتدخل مرحلة جديدة لا تقل أهمية عن التي سبقتها، بالنظر إلى حجم المشاكل التي تتخبط فيها البلاد على المستوى الأمني والاجتماعي والاقتصادي. وكل ما يأمله التونسيون أن يدرك كل الطيف السياسي في تونس حكاما جددا ومعارضين، ومهما كانت التحالفات التي ستتشكل، حجم هذه التحديات وحقيقة المصاعب التي تعرفها البلاد، ويعملون على مجابهتها، وخاصة تغيير الواقع المضني الذي تتخبط فيه فئات واسعة من الشعب التونسي.