سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

في الانتظار

إذا كنت أستوعب جيدا ما أقرأ وما أسمع، فإن هناك مدينة لها اسمان: عربي قح، هو عين العرب، وكردي أصيل هو كوباني. كانت هذه المدينة في الماضي تقع شمال سوريا. اليوم تقع شمال تركيا. أو غربها. أو مشرقها، لا أدري.
من حيث المبدأ، يجب أن تكون عين العرب في حماية الدولة السورية. لكن للدولة أولويات أكثر أهمية، أقرب إلى دمشق. لذلك، يجب أن تكون في أولويات تركيا بسبب تداخل الأراضي. لكن الأراضي ليست مهمة، الأكثر أهمية هو التراضي. تفضل عد معي: التوافق مع الولايات المتحدة حول الهدف النهائي من إنقاذ كوباني، ثم التوافق معها حول النظرة إلى النظام. وعندما يتم ذلك، نبحث في التوافق مع حزب العمال الكردي الذي يقطن زعيمه السجن التركي منذ عقدين.
عندما نبسط هذه العقبة ندخل في قاعدة إنجرليك: هل تسمح لأميركا باستخدامها فنسمح للمقاتلين الأكراد بالعبور إلى كوباني، أم تصر أميركا على ضرب «داعش» في العراق قبل سوريا فلا نسمح لها بشيء؟ إذا حدث واتفقنا على القاعدة العسكرية نبدأ في التفاهم على قاعدة، أو قواعد، للتفاهم بين الدولتين. أولا، هل تركيا عضو كامل في الحلف الأطلسي يلتزم قراراته ومقرراته وبيانات مؤتمره، أم هي نص نص تماما مثل جغرافيتها؛ شيء من أوروبا - شيء من آسيا؟
عندما تُحسم هذه العقبة ندخل في المرحلة التالية: هل تتدخل تركيا مباشرة أم مساندة فقط؟ هل تعبر دباباتها الواقفة في البرد منذ شهر أم تكتفي بتغطية تسلل المقاتلين الأكراد؟ وعندما نتفق على هذه المسألة، هل تكتفي تركيا بالدور البري أم تُعطى كذلك دورا جويا؟ وعندما نحسم الأمر، من يدفع التكاليف، أميركا أم الأطلسي أم تتكفل أنقرة حصتها؟
في غضون ذلك يُعرض علينا كل يوم عمود دخان أسود شديد الارتفاع في سماء كوباني. وقد حان الدور في هذا المقال لأن نسميها عين العرب، حرصا على سيادتنا وعروبتنا. عين العرب ونص. وسوف نتوافق على ذلك بعد فناء المدينة وأهلها، وبعد عثور «داعش» على مدينة بديلة تنقضّ عليها وعلى أطفالها ونسائها. فالقصة أن «داعش» في حاجة إلى التوسع. تريد أن «تترحرح» قليلا لكي تقيم دول السماح والعدالة والمستقبل. فمتى يفهم الأكراد أنها ليست مسألة عنصرية على الإطلاق؟! كل ما هو مطلوب منكم أن تموتوا. وهو ليس طلبا جديدا في أي حال.