سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

حظنا من الربيع العلمي

كان الزحّاف - بيبو نصفا من كل شيء. ليبي الأب، كندي الأم، مسلم ومسيحي، متعلّم وجاهل، أما الشيء الوحيد الكامل فيه، فقد كان إدمانه المخدرات. تقول صحيفة «غلوب آند مايل»، أعرق صحف كندا، إن الزحاف عاش حياته بين نصفين لم يكتملا: الأب، بلقاسم الزحاف، يحب الحياة والسهر والطرب والتنقل بين البارات التي يملكها، وأم غارقة في العمل، بلغت أعلى مراتب الوظيفة في وزارة الهجرة. بين انغماس الأم في العمل وانغماس الأب في الحياة، خرج الابن باكرا إلى عالم الإدمان. اشترى المخدرات وباعها. بدأ بالخفيف منها وتطور إلى ما هو شديد الخطورة. وفي بحثه عن المال، لم يتورع عن السرقة المسلحة وغيرها، وتنقل في كندا من مقاطعة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى، إلى أن انتهى به الأمر في مأوى للمشردين في العاصمة أوتاوا.
سوف تجد قاسما مشتركا بين الذين ينتهون إلى العنف والقتل وهو طريق المخدرات، ولا تشكل الدوافع السياسية أو الوطنية أو الدينية إلا غطاء نفسيا واجتماعيا واهيا في تبرير المزاعم والمآثم. وثمة جرائم كثيرة تُرتكب تحت تأثير المخدر المرعب. وينتمي هذا النوع من الفاعلين إلى فئة عمرية محددة بصورة عامة، وكذلك إلى خلفية سلوكية أو عائلية متشابهة، خصوصا في العالم الغربي حيث يتكاثر الضياع ويزداد الميل والضعف حيال الأهواء والنوازع المتفلتة من كل ضوابط.
تصرفت الجماعات الأوروبية المتطرفة في الماضي بتأثيرات واحدة تقريبا؛ أبرزها المخدرات والانفلات الجنسي بين المنتسبين، وهكذا، نرى اليوم قاصرات أوروبيات يأتين للزواج في أراضي المعارك، ثم يكتشفن بعد قليل أنهن أسيرات غابة متوحشة مليئة بالقتل والرعب والموبقات.
في هذه الموجة العارمة من العنف المغلف بالدعاوى الدينية، يتحول الشبان مثل الزحاف إلى نماذج للدراسة النفسية، التي يتعاطى معها العلماء والخبراء كمجرد قضية في مختبر. وهي دراسات لا تفيد في أكثر من إحالتها إلى أرشيف الحالات البشرية الصاعقة. تشكل الإنترنت واستخداماتها المتعددة أهم مظاهر التقدم التكنولوجي في التاريخ. ونحن وحدنا، أو بالأحرى بعضنا، نستغل هذا التقدم في ممارسة أكثر الأعمال همجية وتخلُّفا. نعبئ بها العقول الطرية أو المخدرة، ونوزع من خلالها أفظع صور التوحش البشري، والأكثر فظاعة أن نرتضي جميعا أن يكون هذا هو كل دورنا ومساهمتنا في الثورة العلمية، التي لم نعرف من ألوانها وآفاقها سوى لون الدماء.