خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

كارثة إسرائيل

لا أقصد بكارثة إسرائيل ما حل بإسرائيل أو غزة أو الفلسطينيين. ما خطر لي هو وضع يهود العالم. بين كل ما نشرته الصحف العالمية عما جرى في غزة، لفت نظري مربع صغير من نحو 150 كلمة في صحيفة «الغارديان» يشير إلى وقوع مظاهرات في شتى المدن الأوروبية الرئيسية ضد إسرائيل، تطورت إلى هجمات على المعابد والدكاكين والمحلات اليهودية بما دفع رؤساء الحكومات الغربية إلى التصريح بإدانتها والتحذير من أي تصرفات معادية للسامية كهذه.
أعادني الخبر إلى ما كنا نؤمن به في الحركات اليسارية عالميا بأن الصهيونية وإقامة دولة يهودية ستعززان معاداة السامية بوضع علامة استفهام على المواطن اليهودي من حيث ولاؤه وازدواجيته. هذا في الواقع ما حذر منه كبار الشخصيات اليهودية من اليسار واليمين، من اشتراكيين وليبراليين. هكذا كان الوضع عند نشأة الحركة الصهيونية وصدور وعد بلفور.
الحقيقة أن الناطقين الصهاينة أخذوا يشيرون إلى تململ معاداة السامية ورفع رأسها في الغرب مؤخرا. يتعاطف الغربيون مع اليهود وهم يتذكرون ما حصل في المحرقة (الهولوكوست) وما تعرض له اليهود من اضطهاد. بيد أن ذكريات المحرقة ستتلاشى تدريجيا بولادة جيل جديد لا يشعر بمسؤوليتها. هذا سر مواصلة تذكير الناس بها إعلاميا. السؤال الآن هو إذا ما واصلت إسرائيل تكرار ما حدث في غزة، مرة تلو الأخرى ومعاملة الفلسطينيين بأسلوب الأبارتايد، فماذا سيكون أثر ذلك على الرأي العام الغربي والعالمي؟ لا بد أن يتذكروا أن نتنياهو يقوم بهذه الشنائع بفضل المساعدات التي تتلقاها إسرائيل من يهود الغرب وبفضل تأثيرهم على حكوماتهم. كان بين الكتيبة الإسرائيلية المسؤولة عن ضرب غزة، مواطن أميركي وأن جل هذه المستوطنات غير الشرعية بناها ويسكنها مواطنون أميركيون في الحقيقة.
ذكر لي أحد المعلقين أن توقف شركات الطيران العالمية عن السفر لإسرائيل بحجة الخوف من صواريخ حماس، ينطوي على أكثر من ذلك. كان تعبيرا خفيا عن القرف من إسرائيل والغضب على ما تقوم به.
هل ستتوقف هذه المشاعر عند حدود القرف والغضب ولا تنقلب لمعاداة السامية، في ظروف توقد ذلك؟ ظروف مثل أزمة اقتصادية مصرفية تدك العالم الغربي؟ (من حسن حظ نتنياهو أنه قام بمذبحة غزة بعد انصرام الأزمة المصرفية العالمية وتحسن الاقتصاد الغربي) وظروف تحول العرب والمسلمين إلى أكثرية في أوروبا ونمو مشاركتهم في العملية السياسية والنشاط السياسي والفكري العام.
نسي الناس الآن كل ما قيل من تحذيرات يسارية ويمينية، يهودية وغير يهودية، من فكرة إقامة دولة يهودية في قلب العالم العربي. بيد أن الكثير من الخبراء في الموضوع ما زالوا يتذكرونها ويرون أنها مسألة وقت. فما لم تسرع إسرائيل إلى تطبيع وضعها مع الفلسطينيين ومنحهم حقوقهم الكاملة وتمضي في صب نفس الوقود على نيران المشكلة، من مجزرة إلى مجزرة، فإنها ستفتح الأبواب لإضافة فصل جديد إلى التاريخ الموجع لمعاداة السامية عالميا. وسنقرأ في هذا الفصل كيف أن إسرائيل أصبحت كارثة لأهلها على نحو ما حذر منه أحبار الشعب اليهودي وعقلاؤهم.