محمد العريان
أقتصادي مصري- أمريكي
TT

تطبيق يوبر والتعطيل القادم للتمويل

تزداد قناعتي، كلما استخدمت تطبيق يوبر Uber، بالقدرة التحويلية للابتكارات التكنولوجية الحديثة، وعلى الأخص حينما تجتمع بمنتهى الذكاء مع العلوم السلوكية والمبادئ الاقتصادية. وفي واقع الأمر، ليست إلا مسألة وقت حتى يعمل ذلك المزيج القدير على تعطيل عدد متنام من الصناعات، بما في ذلك قطاعات معينة من التمويل.
وصلت إلى محطة بنسلفانيا في مدينة نيويورك في وقت سابق من هذا الأسبوع لألتحق بالكثيرين الذين يصطفون في صف بطيء الحركة انتظارا لسيارات الأجرة. فعلت ذلك اتباعا للعادة. ولكن بعد مرور بضع دقائق من الانتظار أدركت أن أذكى شيء أفعله هو تشغيل تطبيق يوبر على هاتفي الجوال. وخلال ثوان معدودة، ربطني تطبيق يوبر بسيارة، التي أقلتني من مكاني بعد مرور عدة دقائق أخرى. كان السائق دمث الأخلاق وسيارته نظيفة. وكل ذلك جاء لقاء تعريفة تماثل ما كنت سوف أدفعه لسيارة التاكسي العادية – بعد انتظار لوقت أطول بكل تأكيد.
يعمل تطبيق يوبر على تغيير نمط النقل المدني، من خلال إيجاد وسيلة قوية لتحسين الرعاية لكل من الركاب والسائقين، والتي على المدى البعيد، قد شهدت تطورا إيجابيا طفيفا من حيث توفير الخدمات، حيث يحصل الركاب على ما هو أكثر من واجهة هاتفية أنيقة لطلب السيارات ومراقبة تحركاتها. إننا نشعر أننا في محل التمكين والسيطرة بشكل لا يصدق. ونود أن تُحول الأجرة فورا على البطاقة الائتمانية التي تحتفظ بها الشركة في سجلاتها، وأن تنتقل الردود سريعا عبر طريقة سهلة الاستخدام.
يصير كل ذلك أكثر راحة عند السفر للخارج والحاجة إلى سيارة أجرة، وخصوصا في أوروبا. لم يعد الناس يبحثون عن مواقف سيارات الأجرة البعيدة، ويتساءلون عن ممارسات البقشيش، ويقلقون من العملات المحلية، والعثور على الطريقة الصحيحة لطلب الإيصال. إن تطبيق يوبر يتولى كل ذلك.
ليست تلك إلا بعض الطرق التي جمع تطبيق يوبر من خلالها بين الابتكار التكنولوجي، وسهولة التنقل، والعلوم السلوكية، من أجل توسيع وتعميق الكيفية التي يكتسب بها عملاءه ويحتفظ بهم. وتلك الأفكار تنطبق كذلك على السائقين، الذين يتمتعون بقدر كاف من التمكين والسيطرة.
بمجرد اجتياز السائقين للتقييم، يوفر لهم تطبيق يوبر الإعداد اللازم، بما في ذلك تقنية خدمات المواقع، والفواتير وما إلى ذلك. وانطلاقا مما أخبرني به العديد من السائقين، فإن الشركة تستخدم سياسة العصا والجزرة؛ فهي تقوم بحل مشاكل السائقين، مثل تقديم التعويضات المالية للانقطاع غير المتعمد في الخدمة، ولكنها سرعان ما تتخذ الإجراءات إذا ما انخفضت تصنيفات السائقين المقدمة من الركاب تحت مستوى معين.
يتزايد عدد السائقين المعتمدين لدى تطبيق يوبر بصورة ملحوظة، مما يمكن الشركة من تقديم خيارات موسعة من السيارات للركاب ومختلف مستويات الخدمة كذلك. وعلاوة على ذلك، ومن خلال استخدام خاصية «التذكير بالزيادة»، والتي تقدر الأجرة لقاء الاختلال بين العرض والطلب، ويمكن لتطبيق يوبر جذب المزيد من السائقين للخروج للعمل في الأوقات المزدحمة. وهي ليست سوى وسيلة وحيدة تستخدم من خلالها الشركة المبادئ الاقتصادية الأساسية لكي تكون أكثر استجابة من حيث توفير الخدمات.
من الناحية التحليلية، يعتبر تطبيق يوبر من منصات «الند بالند» المتصاعدة والتي تعمل على تفكيك الحواجز والدخول بطريقة شاملة، لدرجة أنه حتى خدمات الليموزين، من الموديلات القديمة وسيارات الأجرة، بدأت في التسجيل لدى تطبيق يوبر كوسيلة لاستكمال أعمالهم التقليدية. وفي هذه العملية، تطور الشركة كذلك من الولاء الرائع للعلامة التجارية وبعض الغموض الذي، كما أعتقد، يوفر الأساس للتوسع لما هو أبعد من قائمة أنشطتها الحالية.
جرى تكرار عناصر هذا النموذج بصورة متأنية في قطاعات معينة من التمويل، ومن المتوقع لها أن تتوسع خلال الأعوام المقبلة، وخصوصا من حيث توفير قدر من الائتمان الاستهلاكي أكثر ملاءمة لقطاعات محرومة من السكان. (إفصاح: لقد استثمرت أموالا في شركة «Payoff»، وهي شركة تسعى إلى تحسين توفير الخدمات المالية للأسر الفقيرة والشركات الصغيرة، مع هدف واضح وهو مساعدتهم في الخروج من تحت وطأة الديون الخانقة وتكاليف خدمات الديون الفائقة).
من خلال الحد من النفقات العامة على الطراز القديم وغير ذلك من التكاليف التي عفّى عليها الزمن، وكذلك استخدام الوصول إلى مصادر أكبر للأموال المتاحة للإقراض، يمكن لنماذج «الند بالند» تمرير المدخرات إلى المقترضين من خلال معدلات فائدة منخفضة وفي الوقت نفسه توفير عائدات جيدة للدائنين.
وعن طريق استخدام مجموعة واسعة من البيانات، فإنه يمكن لتلك المجموعة الجديدة من وسطاء التمويل تحسين نماذج الائتمان التقليدية وتكييف أفضل توفير للمنتجات للمقترضين، وهي عملية يمكن إضفاء المزيد من التحسين عليها مع حوافز لتحسين سداد أرصدة الديون والتغلب على مصائد الديون.
وأخيرا، يمكن لتلك النماذج استخدام منهاج محدث لاستكمال التركيز التقليدي على اجتذاب العملاء مع تركيز (غالبا ما تفتقر إليه) على نفس المستوى من الأهمية على الشراكات الدائمة والاحتفاظ بها. ويكمن النجاح هنا لكلا الجانبين في خروج المقترضين من الديون والدخول في ممارسات مالية سليمة، بدلا من البقاء عالقين مع الأرصدة المرتفعة دائمة التجدد والبطاقات الائتمانية عالية التكلفة.
وعلى غرار تطبيق يوبر، فإن ذلك النموذج قابل للرفع، ومن شأنه أن ينشر شعورا بالديمقراطية إلى كلا جانبي المعاملة. وهو يمكن المقترضين المتأخرين المثقلين بالديون من إدراك والتحكم في العلاقات الائتمانية الخاصة بهم. ومن خلال أسعار الفائدة المنخفضة وضوابط الحوافز، فهو يوفر لهم فرصة أفضل لاستعادة السيطرة الحكيمة على أموالهم، وبالتالي، حياتهم.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»