مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

فخور بجهله

في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2011، نشرت صحيفة «الاتحاد» الإماراتية تلخيصا مثيرا عن المقابلة التي أجراها رئيس اتحاد كتاب مصر حينها، محمد سلماوي، مع الشاب الذي حاول بالسكين قتل النوبلي المصري وعميد الروائيين العرب، نجيب محفوظ، في أكتوبر (تشرين الأول) 1994.
الخلاصات التي خرج بها سلماوي، ونشرتها مجلة «الثقافة الجديدة» مع القاتل الجاهل الفخور بجهله والمصرّ عليه محمد ناجي محمد مصطفى مثيرة وكاشفة، فهو فخور بعمله مجاهدا في صفوف الجماعة الإسلامية، وهو يقول حينما استفسر منه سلماوي عن مدى اطلاعه على كتابات وأدب نجيب محفوظ: «أستغفر الله»، مشددا على أنه «لا يحتاج إلى قراءة أعمال محفوظ». ويضيف سلماوي أن الشاب اعترف له بأنه حاول اغتيال محفوظ لأنه ينفذ «أوامر أمير الجماعة التي صدرت بناء على فتاوى الشيخ عمر عبد الرحمن».
إنه «الجهل المقدس» وهو الجهل الذي يُحمى ويُصان ويُستدام لدى شيوخ وأمراء الجماعات والأحزاب والتيارات الأصولية، وكل التيارات العقائدية، علمانية كانت أو دينية.
العلم عدو الجهل، وهو الذي يوقظ في عقل المرء النقد والفهم والتحليل، بينما الشخص «الأداة» مطلوب منه السير وهو مغمض العين أعمى القلب، مثل النيام السائرين، لينفذ المهمة، وهو مغتبط سعيد.
هذه الأيام حصل في مصر المحروسة شيء شبيه بما حصل لنجيبها المحفوظ قبل سنين؛ فقد أفتى أحد رموز الإرهاب الديني المصري (عاصم عبد الماجد) الهارب خارج مصر، بكفر وقتل وزير الثقافة المصري الناقد الشهير جابر عصفور.
الدكتور جابر قال لوسائل الإعلام إنه لا يعبأ بفتوى عبد الماجد، بتكفيره وهدر دمه، لأن الفتوى خرجت على حد وصف وزير الثقافة المصري «من رجل لا يعلم شيئا عن الثقافة ولا يجوز أن يتحدث عنها». وكان عبد الماجد القيادي في الجماعة الإسلامية اتهم وزير الثقافة المصري في مقابلة مع قناة «رابعة» الإخوانية بالكفر. وقال: «عصفور رجل مرتد جاءوا به في وزارة الثقافة ليحارب الإسلام من منصبه»، مستدلا على ذلك بأن رواية محفوظ التي كاد يُقتل بسببها على يد كادر من جماعة عبد الماجد، ما زالت توزع حاليا. رغم أنها أيضا كانت توزع في عهد مرسي!
هؤلاء الناس لا يجهلون بشكل عفوي وساذج، بل يجهلون بشكل منهجي مقصود، وينفرون أتباعهم من القراءة حتى لا «تمرضهم الشبهات»، ومن هنا محاربة أي نشاط فكري أو فني أو ثقافي يتجه لمخاطبة العقل وتقليب المسلمات المعلبة التي لا قداسة لها.
أليس هم من يطلق الجحافل الجاهلة ضد معارض الكتب، في الرياض، والمسرحيات والندوات؟ يطلقون شبانا من نوعية الجاهل الذي حاول غرس سكينه بعنق محفوظ، وهو يفخر بأنه لم يقرأ له حرفا في حياته، ولا يريد ذلك أصلا.
إذا هززت مسلمات الأصوليين الوهمية حول التاريخ والهوية والفقه والعلاقة بين الدين والدنيا، فإنك تقوّض العرش الذي يطلقون من فوقه سراياهم تعيث فسادا في العباد والبلاد.
العلم والقراءة الحرة مكروهة لديهم كراهية الخفاش لنور الشمس.
[email protected]