محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

داء العالمية

ترد كلمة «العالمية» عندنا مصحوبة عادة بكلمة «وصلتُ» أو، إذا ما كان هناك مجال للتواضع، بكلمات «أطمح إلى العالمية». وفي كثير من الأحيان تجيء الكلمة ملحقة بعبارة من نوع «هذا الفيلم سينقلني إلى العالمية».
فما قصـة هذه العالمية؟ هل هي حلم مشروع؟ دواء لجرح نفسي؟ أو داء في البال؟ ومن هو العالمي أو غير العالمي؟ هل يرتدي الإسباني خافييه بوردام قميصا عليه «أنا عالمي؟» أو هل حمل الفنان المسرحي أليك غينس راية تقول: «احذروا.. أنا عالمي»؟
نحن نعيش في قرية كونية اليوم ما يعني أن أي شيء يحدث في أي مكان يصبح «عالميا». شجرة سقطت على الطريق السريع بين هلسنكي ومدينة لاتي القريبة أو جانب من جدار سقط فكشف عن حفرة مجهولة في مدينة ليدز البريطانية أو بقرة جنحت على الطريق العام في صعيد مصر فتسببت في حادثة يصبح خبرا «عالميا» تتناقله المواقع المختلفة شرط أن يأتي مصحوبا بصورة التقطها شخص بهاتفه الصغير. بالتالي، مفهوم العالمية يختلف اليوم عما كان عليه سابقا من حيث أن الوسيط الإلكتروني تدخل ليمنح كل واحد على الأرض فرصة أن يكون نجما على تويتر لعشر ثوان وعلى الإنترنت لأكثر من ذلك بقليل قبل أن يخلفه «نجم» آخر فإذا بالجميع نجوم على نحو أو آخر.
في الفن الأمور لا تزال مختلفة إلى حد لا بأس به.
الإطار الحقيقي لمن هو فنان «محلّي» ومن هو «فنان» عالمي لا يزال هو نفسه منذ البداية وإلى اليوم. لكن لتسهيل الأمور وتجنّبا للغوص في متاهات وتفسيرات قد يختلف حولها البعض، لنتّفق على أن كل عمل ينتقل من المحلّي ليعرض خارج «محلّيته» (بلد المنشأ) يصبح - إلى حد ما - عالميا. بالتالي كل فنان (رسّـام، مغني، ممثل، مخرج الخ…) انتقل مع هذا العمل أو سواه من الممارسة المحليّة إلى النطاق العالمي، يمكن القول إنه ظهر عالميا.
لكن هذا لا يعني أن عالمية هذا الفنان هي عالمية دولية، أي إن معجبين سيستوقفونه في روما إذا ما نزل من التاكسي ومشى صوب باب الفندق، أو أن مصوّري الوكالات سيخيّمون أمام المنزل الذي أوى إليه بانتظار لقطة له.
العالمية المشار إليها في أحاديث طالبيها من الفنانين العرب لا تعرف التواضع. هي من النوع الذي يريد إيهام القارئ أو المستمع بأن صاحبها بات على بعد نصف ذراع منها وهي «عالمية» كبيرة من النوع ذاته الذي يشهده توم هانكس أو روبرت داوني جونيور أو تعيشه حاليا جنيفر لورنس.
لا تقرأ أي تواضع في الكلمات ولا تسمع أي لطف في العبارات أو ترى غض نظر على نحو خجول، بل تسمع وتقرأ وترى صوتا يؤكد لك: «فيلمي المقبل سينقلني إلى العالمية». لماذا؟ على أي أساس؟
هناك فيلم عالمي فعلي واحد في هذا الكون هو الفيلم الأميركي. الباقي شبه عالمي لأنه قد يعرض في لندن لكنه لن يعرض في نيويورك، أو ستشهده العاصمة الفرنسية لكن دبي ستجهله.
فإذا كان الفيلم المقبل الذي سينقل هذا الفنان أو ذاك للعالمية فيلم أميركي يمثّـل فيه أكثر من 3 دقائق على الشاشة، فإنه يستطيع أن يقول إنه وصل (ولو أن الاستكمال هو أمر آخر)، لكن إذا لم يكن كذلك، أو كان مجرد دور صغير في مشاهد التقطت في البلد الذي يعيش فيه هذا الفنان، فمن الأجدر أن يدرك أن الحلم لم يتحقق بعد.