د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

وجبات الطعام العائلية وصحة الأطفال

تحتاج الأسرة إلى أن تعرف حقيقة دورها في تنشئة الأطفال وسلامة مستوى صحتهم النفسية والبدنية، وعليها أن تعمل مجتمعة لإحياء هذا الدور، والوالدان عليهما أن يدركا عمق تأثيرات نوعية ممارستهما السلوكية في الأنشطة الأسرية للحياة اليومية. وثمة ترابط قوي في التأثير في ما بين عوامل تبدو للوهلة الأولى، إما متنافرة وإما ضعيفة الصلة في شأن صحة الطفل، ومثال على ما يبدو متنافرا من تناول وجبة الإفطار وتأثيراتها الإيجابية على خفض احتمالات الإصابة بالسمنة وفق ما أكدته نتائج الكثير من الدراسات الطبية، ومثال على ما يبدو ذا صلة ضعيفة ممارسة الأسرة تناول وجبات الطعام في أجواء أسرية مفعمة بالهدوء والود وعلاقة ذلك بخفض احتمالات السمنة بين الأطفال.
مشكلة سمنة الأطفال أصبحت مشكلة عالمية، ومعدلات حصولها آخذة في الارتفاع في كل المجتمعات، وجميع المصادر الطبية تؤكد أن ثمة تداعيات سلبية مؤكدة ستقع على مستوى صحة عموم البالغين في غضون بضع سنوات قادمة، بكل ما يعنيه ذلك من زيادة الإنفاق الصحي وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة كأمراض القلب والدماغ والسكري وفشل الكلى وهشاشة العظام وغيرها. وأحد جوانب أهمية أي دراسة طبية هي التطبيقات العملية المباشرة التي يمكن من خلالها توظيف نتائج الدراسة تلك في تحسين مستوى صحة شريحة واسعة من الناس، وخصوصا حينما تفتح أعيننا نتائج الدراسة على حلول زهيدة الثمن.
وضمن عدد 13 أكتوبر (تشرين الأول) من مجلة طب الأطفال الأميركية (Pediatrics) نشر الباحثون من جامعة مينيسوتا الأميركية نتائج دراستهم حول علاقة سمنة الأطفال بأجواء تناول الطعام في المنزل. ولاحظوا في نتائجهم أن وجبات الطعام العائلية التي تكون في أجواء من الهدوء والمودة والإيجابية تعمل على تقليل احتمالات إصابة الأطفال بالسمنة. وأضافوا أن الأطفال من المحتمل أن لا تزيد أوزانهم إذا تضمنت وجبات الطعام العائلية أحاديث مبهجه ومشاركات إيجابية. وراقب الباحثون عددا كبيرا من مشاهد مصورة لوجبات طعام عائلية. وعلقت الدكتورة جريكا بيرغ المتخصصة في علم النفس والباحثة الرئيسة للدراسة بقولها: «ثمة مستوى متدنٍّ من الإيجابية وارتفاع لمستوى الفوضى في الأجواء المنزلية للأطفال السمينين».
وبنى الباحثون دراستهم على نتائج دراسات سابقة ربطت بين تكرار حصول الجلسات العائلية لتناول وجبات الطعام وانخفاض خطورة إصابة الأطفال بالسمنة، وأرادوا إجراء دراسة مقارنة لمعرفة ما الذي يجري خلال تناول وجبات الطعام الأسرية، والذي يكون ذا تأثيرات إيجابية في خفض معدلات سمنة الأطفال. وتابعوا أكثر من 120 أسرة ممن قاموا بتصوير جلسات تناول الطعام العائلية بأجهزة «آي باد»، وبالتحديد قيموا طول ومدة ونوعية مكونات الطعام العائلي وما نوعية التفاعل في ما بين أفراد الأسرة خلالها ثم مقارنة تقييم تلك العناصر بحالة وزن الأطفال في تلك الأسر.
وتبين لهم بعد تحليل نتائج المعطيات المختلفة تلك أن الأطفال ذوي الوزن الطبيعي هم أكثر احتمالا لمعايشة وجبات طعام أسرية يقدم خلالها الآباء والأمهات ملاحظات وتعليقات إيجابية على سلوكيات أطفالهم وإنجازاتهم، كما يبدو أنهم يعايشون أفراد أسرة سعداء يستمتعون بصحبة بعضهم لبعض. وبالمقابل، لاحظ الباحثون أن السلبية حال الجلوس إلى طاولة الطعام ترتبط بالسمنة لدى لأطفال، وقالت بيرغ: «أنت لا تريد رؤية آباء أو أمهات يستغلون جلوس أفراد الأسرة لناول الطعام في إعطاء محاضرات حول ضرورة إتمام الفروض المدرسة أو أي مشكلات أسرية أخرى، والأطفال كانوا أفضل حينما لا تكون وجبات الطعام فرصة لتقييم مدى التزامهم بما يجب عليهم فعله، بل فرصة للترابط الأسري بين الآباء والأمهات من جهة وأطفالهم من الجهة المقابلة».
ولاحظ الباحثون كذلك أن احتمالات السمنة لدى الأطفال ترتفع إذا كان وقت تناول وجبة الطعام قصيرا وإن تناول الأطفال طعامهم في حجراتهم بدلا من القاعة المعدة لتناول الطعام في المطبخ. وتحديدا، لدى الأطفال السمينين نحو 50 في المائة من وجبات طعامهم يتم تناولها في المطبخ، بينما لدى الأطفال الطبيعيين في الوزن يتم تناول الطعام في المطبخ في 80 في المائة من وجبات الطعام. ونسبة تناول الأطفال الطبيعيين في الوزن لوجبات الطعام في غرفة الجلوس الأسرية هي أقل بنسبة 50 في المائة مقارنة بتناول الأطفال السمينين وجبات طعامهم في تلك الغرفة خارج المطبخ.
وقال الباحثون ما مفاده أن تعود الأسرة على القيام بانتظام في تناول وجبات الطعام في أجواء مفعمة بالحميمية والود والترابط الأسري يؤدي إلى نشوء عادات صحية وفي تناول الطعام لدى الأطفال، وأن معايشة هذه اللحظات بشكل متكرر عدة مرات في اليوم يعطي الطفل شعورا بالأمان في العالم المحيط به كما يعطيهم إحساسا بالقدرة على تنظيم حياتهم وتنظيم تناولهم لطعامهم اليومي.
وهذه النتائج على بساطتها قد تعيد للآباء والأمهات ما افتقدوه من حوافز تدفعهم للم شمل الأسرة على موائد تناول الطعام وللتغلب على مشكلة سمنة الأطفال، وربما سيجنون فوائد أكثر وأكثر هم أنفسهم، أي الآباء والأمهات، على مستوى صحتهم البدنية والنفسية.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]