حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

لبنان: وداعا لـ«الطائف».. أهلا بـ«قم»!

منذ فترة غير قليلة وأبواق المحسوبين على المنظومة الإيرانية في لبنان تصرح ذات اليمين وذات الشمال بسلبية شديدة وبنقد حاد في كل ما يخص «اتفاقية الطائف»، تلك الوثيقة التاريخية التي تبنتها السعودية وأسهمت بشكل فوري في وقف الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت لأكثر من عقدين وأدت إلى دمار البلاد وقتل المئات من الآلاف من المواطنين.. هذه الوثيقة التي اتفق عليها حكماء الساسة في لبنان وقتها برئاسة السيد حسين الحسيني، الذي كان على رأس سدة البرلمان وقاد المفاوضات مع نواب برلمانه وغيرهم من القادة بحكمة وعقل وشرف ووطنية مكنته من إنجاز ما تم، اليوم بات ينظر لهذا الإنجاز بأنه «عار» و«معيب» و«مخجل» بحق لبنان.
صفحات بأكملها وظفت في وسائل إعلامية تتلقى الدعم المالي المعروف من أدوات النظام الإيراني المتحكم في قرار أغلبية الحكومة اللبنانية اليوم.. أقلام تكتب في صفحات الرأي «تفرم» اتفاقية الطائف لأنها «لا تخدم» لبنان اليوم وتهدد سلامته وأمنه واستقراره. طبعا لو جاء هذا الكلام من أناس محسوبين على السويد أو النرويج أو سويسرا مثلا كان من الممكن أن يكون لهذا أي نوع من الجدارة والمصداقية، ولكن أن يأتي من أناس محسوبين على دولة متطرفة وطائفية تدعم أحزابا وفصائل متمردة على دولها وخارجة عن القانون فهذا هو الهراء بعينه.
إيران «تنادي» بالحقوق في دول المنطقة وهي تمارس البطش والاعتداء على مواطنيها بكل الأشكال أيا كان هؤلاء المواطنون، سواء من الأغلبية أو من الأقليات المطحونة. إيران تدعم كل وجود لها في المنطقة على أساس طائفي لا غير، وتمارس نفاقا سياسيا رخيصا، فهي في العراق قامت بتأييد إسقاط صدام حسين باعتباره «بعثيا، قمعيا بحق شعبه، ينتمي لأقلية تحكم أكثرية»، وفي الوقت نفسه تقوم بدعم منقطع النظير لنظام بشار الأسد على الرغم من كونه «بعثيا، قمعيا بحق شعبه، ينتمي لأقلية تحكم أكثرية»، لكنه النفاق الإيراني في أقبح صوره. هذه هي «الديمقراطية الإيرانية» التي ترغب دولة الولي الفقيه في تكريسها على رؤوس لبنان واللبنانيين، تروج اليوم أن اتفاق الطائف هو مسمار في نعش لبنان السياسي، وتحاول أن تتبنى اتفاقا جديدا يزيد من حضورها وتأثيرها وفعاليتها وقوتها على الساحة السياسية اللبنانية عموما وعلى أنصارها تحديدا، وهي نظرة تنفيذية لنقلة أخيرة في المسيرة السياسية اللبنانية لإحداث وضعية جديدة في البلاد تمكن من تحقيق ديمقراطية «أخرى» تجعل هناك صوتا واحدا لكل فرد، وبذلك يكون الرئيس القادم في لبنان قادما من منطقة الضاحية الجنوبية وليس من بعبدا، ويكون الرئيس بالتالي من الطائفة الشيعية التي لها الولاء الأكبر لصالح إيران كما هو معروف بطبيعة الحال.
طبيعة لبنان المتعايش المنفتح ستكون جزءا من الماضي، فكل تطرف طائفي سيتولد معه تطرف طائفي أشد حدة وبطشا، وسينتهي لبنان المنفتح على كل الأديان والطوائف، ولنا مثال قبيح لكنه مهم في تجربة ميليشيات «حزب الله» الذي كان يسمي نفسه تارة بالمقاومة «الوطنية» وتارة أخرى بالمقاومة «الإسلامية» وذلك بحسب الجمهور الذي يوجه إليه خطابه ورسالته، لكن، واقعيا وفعليا، لم يكن التنظيم يقبل في عضويته أي أحد إلا من نفس الطائفة، منهيا بذلك وهم التعايش مع الغير تماما.
لبنان الذي يستقبل زائريه الخارجيين من مطاره الدولي بصور لشخصيات لا علاقة لها بلبنان ولا بتاريخ لبنان.. شخصيات يدين بالولاء لها فصيل دخيل خطير ولاؤه للخارج تماما، ويعلن ذلك ويمارسه بشكل دائم مثله مثل ما يحصل في العراق وسوريا، حيث تدار الأمور عن طريق مرشد يزيل ويعين ويبارك ويرفض.. هذا هو ما ينتظر لبنان وهو ينتقل بالتدريج من اتفاقية الطائف إلى اتفاقية قم!