عندما قدّم المخرج الإماراتي علي مصطفى فيلمه الأول «مدينة الحياة» على شاشة مهرجان دبي السينمائي عام 2009. واجه هو وفيلمه إعجابا واسعا كونه عمد إلى ذلك الصنف من الإنتاجات التي تتحدث محليا بلغة من يريد الانتقال بعمله إلى محيط أكبر. والفيلم ربح عروضا مهرجاناتية في كندا (مهرجان فانكوفر) وتلفزيونية في عدد من الدول الأوروبية (من بينها السويد والمجر).
تستطيع أن تقول إنه حقق جزءا من الرحلة الكبيرة التي في بال هذا المخرج الشاب الذي جمع في ذلك الفيلم مواهب إماراتية وبريطانية وهندية من بين أخرى.
فيلمه الجديد «من أ إلى ب» هو الثاني له مخرجا ويفتتح مساء الليلة الدورة الثامنة من مهرجان أبوظبي السينمائي (من مساء الخميس الثالث والعشرين إلى مساء الأول من نوفمبر /تشرين الثاني) وسط توقّعات محقّة بأن يأتي الفيلم أفضل من سابقه. ليس أن الفيلم السابق كان رديئا، لكنه كان الأول وجاء مثقلا بمهام البداية وهمومها. الفيلم الجديد يتحدّث عن رحلة لـ3 إماراتيين تنطلق من أبوظبي (الحرف أ) إلى بيروت (الحرف ب) وما يتخللها من مفارقات على ذلك الطريق الذي يمكن اعتباره، إذا ما صح الاعتقاد في هذه المرحلة، رمزا. وهو من كتابة السيناريست المصري محمد حفظي (بمشاركة أشرف حمدي) وقام بإنتاجه 3 هم علي مصطفى ومحمد حفظي والمنتج بول بابودجيان.
اختيار هذا الفيلم لافتتاح مهرجان أبوظبي ليس عبثيا، كذلك لا شيء يوحي بعبثية أي خطوة اتخذها المهرجان في سنواته القريبة الأخيرة وحتى الآن. أولا هو فيلم إماراتي مصنوع بخامات جيّدة ويخرج عن المألوف المحلي إنتاجا وأحداثا، وثانيا، هو إشارة ثابتة لوجود فعل سينمائي إماراتي حاضر. أولئك الذين اعتقدوا أن الإنتاجات الروائية الطويلة السابقة لم تكن أكثر من بوارق أمل، يستطيعون الآن التأكد من أنه بات أسهل المضي إلى الأمام من الرجوع إلى الوراء.
* تعددية المصادر
الحال نفسه يمكن قوله بخصوص هذا المهرجان المعزز بإدارة واعية. في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط» يؤكد مدير البرمجة العربية ومدير مؤسسة «سند» الداعمة، انتشال التميمي: «حال تحقق النجاح يصبح صعبا عليك أن تخسر ما حققته. تريد أن تستكمل ما بدأته وأن تطوّر المهرجان إلى أقصى حد. وأعتقد أن السبب الذي يتراءى للكثير من المتابعين أن الدورة الحالية هي أقوى من الدورات السابقة، يعود إلى هذا التطوّر بالتحديد. يعود إلى البذل الكبير الذي قمنا به عمليا منذ نهاية الدورة الماضية ونصب أعيننا أن نقدّم للجمهور أعمالا مبهرة لا يتوقّعها».
كمثال واحد وليس على نحو منفرد، يتحدّث عن الفيلم المصري - الإماراتي المشترك «أم الغايب» لنادين صليب: «الجمهور من متابعي وهواة السينما ومن النقاد سيفاجأون بالمستوى الكبير الذي تحقق على يدي هذه المخرجة الشابّة في هذا الفيلم. هذا الفيلم مرشّح لأن يعرض في مهرجانات أكبر بعد عرضه العالمي الأول هنا. ولا يمكن لي أن أغالي في وصف حسناته أو توقعاتي له بالنجاح».
«أم الغايب» يسرد حكاية امرأة من جنوب مصر تحاول بكل الوسائل أن تنجب ولدا، لكنها، وبعد 12 سنة على وضعها هذا وحملها لقب «أم الغايب»، تعيش الآن في شبكة من العلاقات الاجتماعية التي لا ترحم أمثالها.
هذا الفيلم المدعوم من «سند» أسوة بـ5 أفلام أخرى على الأقل هو مثال آخر على الإنتاج الإماراتي. ففي حين أن «من أ إلى ب» تمويل إماراتي كامل وبذلك ينطق بواقع سينمائي محلي وطموح، فإن النوع الآخر من الإنتاجات هو ذلك الذي تشارك مؤسسة «سند» به لجانب التمويل الآتي من البلد المنشأ (عادة).
هذا النوع يشمل هذا العام أيضا، وعلى سبيل المثال «القط» لإبراهيم البطوط وهو فيلم مصري آخر للمخرج المعروف باستقلالية أسلوبه ومنوال إنتاجه معا، و«الوادي» للمخرج اللبناني غسّان سلهب (الذي جمع تمويلا إضافيا من فرنسا وألمانيا ولبنان) و«أوديسا عراقية»، الفيلم التسجيلي الذي ولد في لبنة سويسرية - ألمانية ونال دعما من مهرجان أبوظبي مكّن مخرجه سمير (يكتفي باسمه الأول) من تحقيقه.
حول شروط الدعم الذي تقوم به المؤسسة يقول التميمي: «باستثناء أن يكون المشروع جيّدا، ليست هناك أي شروط فعلية. نساهم في الإنتاج ونسمح للمخرج بحريّة عرضه في أي مهرجان آخر حتى وإن لم يشهد عرضه العالمي الأول على شاشة مهرجاننا (كما الحال مع /أوديسا عراقية/ الذي عُرض أولا في مهرجان تورونتو)، بل إننا نساعده على الوصول إلى المهرجانات الأخرى».
بعض هذه الأفلام تحمل أيضا اسم «مؤسسة الدوحة» في قطر جنبا إلى جنب صندوق «سند»، لكن هذا ليس مشكلة من أي نوع كما يؤكد التميمي: «هناك رغبة لدى الطرفين في التعاون، ورغبة إضافية عند مؤسسة الدوحة للمشاركة في الإنتاجات لأنه، وكما تعلم، ليس لديها المهرجان الكبير الكفيل بعرض ما تنتجه، وكما ذكرت لا نضع شروطا غير أن يكون المشروع جادا ويكشف عن موهبة واعدة أو يؤكد موهبة حاضرة بذلك قد يكون المخرج جديدا أو من أولئك الذين خبروا السينما طويلا من قبل، ولو أننا فخورون بالطبع بالمواهب الجديدة التي نساعدها على إنجاز طموحاتها».
تعدد المصادر الإنتاجية يجعل من السهل القول إن عدد الدول المشتركة بلغ أكثر من ستين دولة، فالكثير من الأفلام متعدد الإنتاجات والدول، وحين يتم إدراجه في القوائم يدرج أكثر من مرّة بتعداد الدول المنتجة. لكن التميمي لديه وجهة نظر صائبة حين يقول: «أولا، عدد الدول المشتركة بإنتاجات منفردة لا يقل عن 5 و50 دولة على أي حال. لكنك تعلم أنه في هذه الأيام صار من الصعب أن يكتفي إنتاج ما بدولة واحدة. الواقع هو أن تعدد الجهات المشتركة ناتج عن ارتفاع كلفة تحقيق الأفلام ما يجعل من الحلول السليمة البحث عن التمويل من شركات مختلفة وبالتالي لا مفر من وصول الفيلم إلى أي مهرجان وهو يرفع أعلام عدة دول وليس دولة واحدة».
* أفلام الجوائز
إذا ما كان الافتتاح إماراتيا بامتياز، فإن الختام تؤمّنه هوليوود، وبامتياز أيضا، وهو متمثّل بفيلم جديد من مؤسسة وولت ديزني ومن نوع الأنيميشن قد يثمر، حال نجاحه، عن سلسلة خصوصا أن بطولته لشخصية خيالية اسمها (وعنوان الفيلم أيضا) «بيغ هيرو 6».
ما بين البداية والنهاية يعرض المهرجان 108 أفلام من كافة الأصناف بينها 17 فيلما في مسابقة «الفيلم الروائي». التميمي: «في السنة الماضية كان عدد الأفلام أقل لأن المهرجان استمر لـ8 أيام. هذه المرّة يستمر المهرجان لـ10 أيام ما جعلنا قادرين على توفير هذا العدد من الأفلام للجنة التحكيم من دون أن نرهقها».
الأفلام العربية المعروضة في هذه المسابقة هي «القط» لإبراهيم البطوط و«حمى» للمغربي هشام عيوش و«تمبكتو» للموريتاني عبد الرحمن سيساكو و«الوادي» للبناني غسان سلهب و«ذكريات على الحجر» للعراقي شوكت أمين كوركي.
الأفلام الأخرى أجنبية والكثير منها حاز على جوائز مهمّة من مهرجانات سابقة مثل «الطاغوت» للروسي أندريه زفياغينتسيف الذي خرج بجائزة أفضل سيناريو من «كان» الفائت وجائزة أفضل فيلم دولي من مهرجان ميونيخ كما بجائزة أفضل فيلم من مهرجان لندن السينمائي الأخير. أيضا من بين أفلام الجوائز «فحم أسود.. ثلج أبيض» للصيني دياو يينان (ذهبية برلين هذا العام) و«قلوب جائعة» للإيطالي ساڤييرو كوستانزو (أفضل ممثل وأفضل ممثلة من مهرجان فينسيا).
من الولايات المتحدة هناك فيلم رامين بحراني «99 منزلا»، فيلمه الرئيس الثاني بعد «بأي ثمن» الذي عرضه في مهرجان برلين قبل عامين.
أضف إلى هذه الأفلام «نوبي.. حريق في السهل» للياباني شينيا تسروكاموتو الذي هو إعادة صنع لفيلم كون إتشيكاوا (كلتا النسختين عن رواية شوهاي أوكا) والفيلم الفرنسي «عودة إلى إيثاكا» للوران كانتيه، ثم «نادي الشغب» للبريطانية لون شيرفيغ وللدنماركية المعروفة سوزان بيير مشاركة في هذه المسابقة عبر «فرصة ثانية» والحال ذاته للمخرجة الإيرانية رخشان بني - معتمد «حكايات» الذي فاز بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان فينيسيا الأخير.
إذا ما جمعنا هذه الأفلام مع أفلام أخرى فازت بجوائز مهمّة من مهرجانات أولى حول العالم معروضة في أقسام مختلفة من هذا المهرجان (وهي أقسام سيتاح لنا عرض أعمالها في الأيام المقبلة)، فإن ذلك يدفعنا لتشكيل قائمة تستحق التصنيف تحت اسم «أفلام الجوائز».
انتشال التميمي يوافق: «ما نحاول إنجازه هنا هو استقبال أفضل ما يمكن لنا استقباله من أفلام جيّدة. هذه كثيرا ما نالت جوائز مختلفة في المهرجانات الرئيسة حول العالم، كان وبرلين وفينيسا وكارلوڤي ڤاري وسواها. الجمهور سمع بها ويريد مشاهدتها، ونحن نريد أن نضمّها إلى برمجتنا لأننا في الوقت الذي نسعى فيه لتأسيس دورات تستقطب الاهتمام الدولي وتعرض الجديد واللافت، نسعى كذلك لتأمين وجود الأفلام ذات القيمة الفنية العالية. هذا أحد أهم أسباب نجاح مهرجان تورونتو الدولي لكننا لسنا بحاجة لكي نعرض مئات الأفلام لتحقيق هذه الخطوة، بل لا يزيد عدد الأفلام المعروضة عندنا على 108 أفلام من مختلف الفئات».
نتيجة ذلك، الأفلام التي نالت الجوائز الأولى في المهرجانات المذكورة بالإضافة إلى صندانس وسان سابستيان موجودة في هذه الدورة لكي يستقبلها المشاهد الإماراتي والخليجي والأجنبي الموجد في أبوظبي أو الجوار. وبعض الملاحظات الناتجة عن الدورات السابقة تشي بأهمية مثل هذه الاختيارات. الصالات التي كانت تعرض أفلاما تسجيلية أو فنية من صنف عال أو أفلام مقبلة من دول بعيدة كانت غالبية مقاعدها مشغولة، ما يعني أنه إذا ما كانت هناك شكوى من أن الجمهور لا يحفل إلا بالعروض الرئيسة كأفلام المسابقة الروائية أو كالأفلام العربية وحدها، فإن ذلك لم يعد قائما في مهرجان أبوظبي.
في النهاية يؤكد التميمي: «نحن لسنا المهرجان الوحيد في المنطقة، بل حولنا مهرجانات رائدة ولها حضور تاريخي وفعلي حافل مثل دبي والقاهرة وقرطاج. لكننا نسعى لأن نحقق النجاح في كل ما نقوم به. ليس هناك من مهرجان يستطيع أن يحقق كل ما يصبو إليه، لكن هناك مهرجانات تحقق غالب ما تريد تحقيقه ونأمل أن نكون دائما من ضمن هذه المهرجانات القليلة».
ويضيف: «لأول مرّة بتنا نشهد رغبة سينمائيين عالميين القدوم إلى المهرجان حتى من دون دعوة. كذلك نلحظ بثقة كيف أنه صار من الأسهل علينا الحصول على الأفلام مما كان الحال سابقا. هذا دلالة ثقة بلغها مهرجان أبوظبي خلال هذه السنوات وتتكرّس حاليا على نحو أفضل».