سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

«الدروب إلى دمشق»

عندما طلبت «دروب دمشق: الملف الأسود للعلاقة الفرنسية - السورية»، قالت مديرة المكتبة في جنيف: «سوف أدلك دون عناء أين تجده. ثمة كلام كثير عنه». عندما تقول: «العلاقة الفرنسية - السورية»، من الواضح أن ثلاثة أرباعها يتعلق بأوضاع لبنان. ذات مرحلة كانت دمشق وبيروت معا في ظل الانتداب الفرنسي. وقد خرجت باريس السياسية والثقافية من دمشق، وبقيت في بيروت، كما بقي لبنان في قلب فرنسا، دولة فرانكفونية، يكتب أهلها الشعر بلغة بودلير، ويفوزون بأرفع جوائزها الأدبية.
غير أن المصالح الأمنية المشتركة بين باريس ودمشق أبقت العلاقة السورية - الفرنسية في مراتب الأهمية الأولى، سواء في الإليزيه أو في وزارة الخارجية. وسوف تتعرض هذه العلاقة إلى شبه انهيار بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، الذي كانت تربطه بالرئيس الفرنسي جاك شيراك علاقة صداقة عائلية لم تكن قائمة بين شيراك وأي إنسان آخر. وصلت العلاقة بين الدولتين إلى شبه قطيعة، لكنها عادت إلى التحسن بعد انتخاب نيكولا ساركوزي.
لكي تعرف مدى مركزية لبنان في هذه العلاقة، يقول مؤلِّفا الكتاب إن دمشق قبلت للمرة الأولى إقامة علاقة دبلوماسية مع بيروت وفتح سفارة فيها، بناء على إلحاح ساركوزي. ردَّ الرئيس الفرنسي على هذه المبادرة بأن حضر في العاصمة السورية قمة رباعية جمعته مع أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة ورجب طيب إردوغان والرئيس السوري.
كانت العلاقات بين الحكام الأربعة في ذروتها، تزيدها متانةً مبادراتُ الشيخ حمد (دائما وفقا للكتاب) الذي بنى لنفسه قصرا على مشارف دمشق. ثم اقترح الأمير على صديقه الفرنسي أن يستقبل الأسد ضيفا خاصا في احتفالات 14 يوليو (تموز) اليوم الوطني الفرنسي، مما أخرج الرئيس السوري من العزلة الدولية التي كانت تحاصره.
ذهب الشيخ حمد إلى أقصى ما يمكن في محاولة فك حصار العقوبات. أهدى الأسدَ طائرة «إيرباص 340» فيما وعده ساركوزي ببيع «الخطوط السورية» عددا من الطائرات نفسها رغم الحظر الأميركي. تلك الصداقة الرباعية الفائقة بدأت بالتبرد، ثم الانهيار بعد أحداث درعا. نصح الفرنسي والقطري والتركي الزميل السوري باللين في معالجة الاحتجاج «لكن المتصلِّبين من حوله كانوا أكثر تأثيرا عليه».
انهارت العلاقة السورية – الفرنسية من جديد وانهارت معها علاقة أنقرة والدوحة مع دمشق بعدما بلغت مرحلة عائلية لا سابقة لها. واضح أن الكتاب مبني على وثائق فرنسية رسمية، وقد وضع مقدمته الجنرال المتقاعد فيليب روندو، الذي كان يدير العلاقة المخابراتية بين دمشق وباريس.