علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

هل الناس على دين إعلامهم؟

في مؤتمره الصحافي في القاهرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قال الرئيس السوداني الذي يبدو أنه له عتب على الإعلام «كنا نقول في السابق الناس على دين ملوكهم، ولكن في هذا العصر نقول الناس على دين إعلامهم»، ليمضي في الحديث عن أن علاقات البلدين لن تتأثر بما ينشره الإعلام ولن تهتز لأي سبب مهما قيل.
دون الدخول في تفاصيل عن علاقة الرئيس السوداني بالإعلام في بلاده أو بالإعلام في الخارج فإنه ليس الوحيد الذي يشكو وهو في مركز سلطة من نفوذ الإعلام، وهو أمر لا يقتصر على منطقة جغرافية واحدة بل يشمل مناطق كثيرة في العالم بدرجات مختلفة حسب درجة الحريات ومستويات التطور المجتمعي.
في السابق كانت هناك عبارة شائعة تقول: «كلام جرائد» في التقليل من مصداقية بعض التقارير أو الأخبار، ولا بد أن لذلك سببا؛ فالصحف كانت الوسيلة الرئيسة لنقل الأخبار وتداولها، وكأي مهنة أو قطاع ففيها الغث الذي لا يراعي الدقة والموضوعية، وفيها السمين الذي يحافظ على احترامه ومصداقيته، أما الآن فدخلت الساحة التلفزيونات والفضائيات، ثم المارد الجديد الذي لا يزال يتشكل وهو وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أدواتها التي جعلت من الجميع ناقلي أخبار ومعلقين وصحافيين بالكلمة والصورة، وحتى بالفيديو.
لم يكن الإعلام بهذا التأثير والأهمية في أي وقت من الأوقات في تشكيل الرأي العام والتفاعل معه والتأثير المتبادل، وأصبح إطاره أوسع بكثير مع الانتشار السريع للمعلومة والصورة عبر مسافات جغرافية واسعة في نفس لحظة وقوع الحدث في بعض الأحيان، وخلق هذا فوائد هائلة في حجم تدفق المعلومات وتداولها، وخلق معه أيضا حجما هائلا من التحديات المتعلقة بنقل معلومات غير صحيحة أو إحداث حالة هلع غير حقيقية اعتمادا على انطباع خاطئ أو تهويل في حدث لم ينقل في سياقه الطبيعي، كما أنه جعل لي الحقائق أمرا شديد الصعوبة.
مثال على ذلك تسريبات وثائق الخارجية الأميركية (ويكيليكس) وبعدها تسريبات سنودن التي أصبحت في لحظات مشاعا على مواقع الإنترنت في العالم كله، محدثة سلسلة من الأزمات الدبلوماسية دون أن يستطيع أحد أن يوقفها، في حين أنه لو حاول أحد نقل هذه الوثائق ماديا أو عينيا سيحتاج إلى شهور وعشرات الشاحنات لتحميلها وسنوات أخرى لتصنيفها وقراءتها. مثال آخر على كيف تؤدي معلومة خاطئة إلى ردود فعل تفاعلية سريعة قبل أن يتبين أحد حقيقتها أو مصداقيتها، ما حدث قبل شهور عن الدخول على موقع إلكتروني والحديث عن تعرض الرئيس الأميركي لهجوم فهبطت السوق المالية في لحظات عشرات المليارات من الدولارات قبل أن يتبين الجميع أنها معلومة خطأ وتصحح السوق نفسها.
الأمثلة كثيرة وفي بعض الأحيان تكون مثل نيران صديقة ليس المقصود بها إيذاء أحد لكنها تسرع أو عدم دقة، وفي أحيان كثيرة أخرى يكون الإعلام جزءا من حرب إحدى ساحاتها هي وسائل الإعلام وامتداداتها على الفضاء الإلكتروني، منظمات الإرهاب أدركت ذلك مبكرا ولجأت إلى هذا الفضاء لبث سمومها والدعاية لنفسها وتوصيل رسائلها وهو ما لم يكن متاحا لها سابقا، وكان واضحا أن الإعلام جزء كبير من استراتجيتها، فلولا وجود هذه الوسيلة لما كان لأشرطة الذبح والقتل والتكفير قيمة أو أثر لأن أحدا لن يشاهدها، ومن الصعب أن تمتلك هذه المنظمات وسائل إعلامية. ويقال أيضا إن جزءا من حروب القرن الواحد والعشرين يعتمد بدرجة ملحوظة على الإعلام والسيطرة على اتجاهات الرأي العام والتأثير عليه.
نفوذ الإعلام ووسائل الاتصال بهذا الحجم ليس له سابقة في التاريخ الإنساني، وهي ظاهرة لها إيجابياتها الهائلة، وأيضا تحدياتها الهائلة، لكن الثابت أن التواصل بين الوسائل والجمهور ليس في اتجاه واحد بل في الاتجاهين، فالتأثير متبادل بين الإعلام والناس المتلقين والذين يقومون بشكل آلي بعملية فرز مستمرة لمن له مصداقية ومن ليس له هذه المصداقية، ولا توجد وصفة جاهزة لكيفية الارتقاء بعملية التواصل هذه لأنها جزء من عملية التطور المجتمعي الذي تتداخل فيه عوامل التعليم والنمو الاقتصادي والسياسي التي تحدد كفاءة تداول المعرفة.