علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

الاقتصاد في زمن الإرهاب

في الحوار الذي نشرته «الشرق الأوسط» مع نائبة رئيس البنك الدولي قبل يومين أشارت في معرض حديثها عن اقتصادات المنطقة إلى أنها تستحوذ تقريبا على ما يقترب من نصف الدعم العالمي في مجال الوقود، بينما سكانها نحو 5.5 في المائة من إجمالي سكان العالم، وذلك في إشارة إلى أحد عوامل الاختلال في اقتصادات المنطقة التي تعوق خطط تنمية صحية.
قائمة الخلل الهيكلي في الاقتصادات طويلة، ومعروفة، ويجري الحديث عنها منذ عقود، بينما الحكومات مرتعشة في معالجتها، ولا أحد يجرؤ على التعامل جديا مع الظاهرة خوفا من التداعيات السياسية في حال اتخاذ خطوة في اتجاه تخفيض هذا الدعم الذي يصب في جزء كبير منه في خدمة الذين لا يستحقونه.
مثال على ذلك اليمن، فقد حاولت الحكومة السابقة هناك وهي تواجه وضعا اقتصاديا شديد الصعوبة في مرحلة انتقالية صعبة مصحوبة بالكثير من الدم والإرهاب اتخاذ إجراءات لتصحيح جزئي، فانفجرت المشكلة في وجهها واستغلتها جماعة الحوثيين في تأليب الشارع عليها، وغزو صنعاء نفسها، في حين أن جماعة الحوثيين لو كانت هي التي تشكل الحكومة فإنها ستواجه نفس الوضع وقد تتخذ بعد حين نفس الإجراءات.
وإذا كان ما حدث في اليمن استغلالا سياسيا لوضعية اقتصادية لا يستطيع أحد أن يهرب منها أيا كانت آيديولوجيته فإن هناك سوابق كثيرة لمحاولات سابقة في دول عربية كثيرة وفي أزمان مختلفة وانتهت باضطرابات سياسية اضطرت الحكومات إلى التراجع عنها.
وتتحدث أرقام البنك الدولي عن نسب نمو في العام الحالي، وأخرى متوقعة في العام المقبل عن المنطقة، لكن هناك فجوة في الخريطة تتسع لا يمكن الحديث فيها عن اقتصاد حقيقي نتيجة ما تمر به من أعمال عنف وإرهاب وقتال ضد النظام مثل سوريا التي تبدو خسائر اقتصادها هائلة ولا يعرف أحد كيف ستخرج من هذه الأزمة، ككيان واحد أم عدة كيانات، أو العراق الذي يتوقع له نمو سالب وبعض مناطقه خارج سيطرة الحكومة المركزية، أو ليبيا التي ذهبت موارد هائلة من دخل النفط مرتبات وتمويلا لميليشيات مسلحة تنشر الخراب.
قد يبدو الحديث عن إصلاح اقتصادي في زمن عنف وفوضى أصبح الطاغي فيه على المنطقة هو الحرب على الإرهاب أشبه برفاهية، وقد يكون الأسهل ترك ذلك إلى حين الوصول إلى تسويات تحقق قدرا من الاستقرار يسمح بتنفيذ أي خطط، فمثلا لم يكن من الممكن أن يعقد مؤتمر إعادة إعمار غزة وتصدر تعهدات بأكثر من 5 مليارات دولار لو لم يحدث وقف لإطلاق النار وتظهر إمكانيات حلول سياسية طويلة الأمد، كما أن هذه الأموال لن تأتي إذا عادت دورة العنف.
فلا أحد سيعمر أو يستثمر في مناطق خراب وعنف وحروب، لكن حقيقة الأمر أن الخلل الاقتصادي والإحباط من مستويات تنمية لم تلبِّ على مدار عقود تطلعات الناس ولم توفر لهم قدرا كافيا من الوظائف ودرجات مقبولة من التعليم والرعاية الصحية هما السبب الرئيسي في ثنائية الفقر والجهل المسؤولة عن خلق بيئة مواتية للعنف والإرهاب، وما لم تكن هناك حلول حقيقية سيستمر إعادة إنتاج العنف والإرهاب بصور مختلفة.
كيف يمكن تحقيق اختراق لهذه الثنائية المرعبة؟ هذا يحتاج إلى طبقة من السياسيين المسؤولين الذين لا يبيعون أوهاما إلى الناس ويريدون إصلاحا حقيقيا قد لا يرونه في زمنهم لكنهم لا بد أن يبدأوا به، ويستطيعون خلق ثقة بينهم بين الناس تؤدي إلى بيئة قادرة على تحمل التكلفة والآثار الجانبية لأي إجراءات تتخذ لإصلاح اختلالات الاقتصاد، وقد ثبت أن ذلك ممكن في مصر في الإجراءات الأخيرة لخفض دعم الوقود التي تفهّمها الناس، فإذا توفرت عوامل الثقة والمصارحة بين الحاكم والناس، كانت الإجراءات الإصلاحية غير الشعبية أسهل في التطبيق.