سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

مع هؤلاء.. الإخوان ليسوا في حاجة إلى أعداء

خيط من نوع ما، يمتد ليصل بين واقعة الإفراج عن «القيادي الإخواني» الدكتور حلمي الجزار. يوم 24 أغسطس (آب) الماضي، وواقعة أخرى جاءت بعدها بأسبوعين، وهي استدعاء «القيادي الإخواني» أيضا، الدكتور محمد علي بشر، للشهادة أمام لجنة تقصي حقائق ثورة 30 يونيو، وقبوله الحضور، ثم تراجعه في اللحظة الأخيرة بحجج تبدو واهية للغاية، منها - مثلا - أن موافقته على الحضور قد جرى استغلالها سياسيا!
لا أحد يعرف ما الذي يقصده الدكتور بشر، باستغلال الواقعة سياسيا، وما إذا كان يقصد أن كلاما دار في وسائل الإعلام، بمجرد إعلانه قبول الحضور، عن أن هذا يمكن اعتباره اعترافا منه، ومن جماعته من ورائه، بثورة 30 يونيو 2013، ما دام قد قرر أن يقبل الحضور أمام لجنة تحمل اسمها!
يجوز أنه يقصد هذا، بل هذا هو الغالب، وأكاد أقول إنه المؤكد، وهو إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الإخوان «كجماعة» لا تزال تعيش فيما قبل هذا التاريخ، ولا تزال تتصور أن عدم اعترافها بما جرى فيه، كتاريخ فاصل في مصر، سوف يغير من واقع الحال شيئا!
وحين نتأمل ردود الفعل الصادرة عن الجماعة، من تلك الثورة، وإلى اليوم، سوف نكتشف شيئا عجيبا جدا، وهو أن الإخوان لديهم رغبة خفية، في التعاون مع النظام الحاكم الذي جاءت به الثورة، ثم إن عندهم رغبة موازية في الوقت ذاته، في ألا يجري تصوير هذا التعاون من جانبهم على أنه اعتراف بها كثورة، وبما أن الرغبتين متضادتان، فإن الحصيلة هي أن الإخوان يقفون في أماكنهم، ثم يتخلفون بالضرورة كل يوم، بحكم أن الدنيا من حولهم في مصر لا تتوقف، فالواقع الذي قام، ويقوم، يتجاوزهم ويتجاوز أيامهم، في كل صباح!
أعود إلى عبارة «القيادي الإخواني» التي يوصف بها الرجلان في العادة، سواء كان الدكتور الجزار، أو الدكتور بشر، فكلاهما يوصف هكذا، إذا ما جاءت لهما سيرة، في أي وسيلة إعلام، لدرجة أنك قد تتساءل أحيانا عن جد، عما يفعله كل واحد منهما في حياته، بخلاف حكاية القيادي الإخواني هذه.
والسؤال هو: هل ينطبق عليهما هذا الوصف فعلا، وإذا كان الدكتور بشر تحديدا، قياديا إخوانيا، فماذا فعل أو قدم، بهذه القيادية، على مدى عام ونصف العام تقريبا، منذ يونيو 2013، إلى الآن؟!
إن لفظة «قيادي» معناها المباشر، أن صاحبها يقود من الموقع الذي يقف فيه، ولا بد أن القيادة يمكن أن تكون للأفكار، بقدر ما يمكن أن تكون للأشخاص، ولذلك فإن السؤال الذي سوف يظل يلح علينا هو: ماذا قدم الدكتور بشر، بامتداد العام ونصف العام، بقيادته، وهل هو يقود حقا، كما يوصف في الإعلام، أم أنه في النهاية يقاد من آخرين في جماعته لا نراهم؟!
لقد قالوا عنه، في مقام تبرير عدم حبسه شأن غيره من زملاء له في جماعته الإخوانية، إنه «إصلاحي» بين متشددين فيها، وقالوا الكلام ذاته عن الدكتور الجزار، فإذا ما قررت أنت أن تتلفت حولك، لترى أثرا لكون الرجل إصلاحيا، سواء في حالة الدكتور بشر، أو الدكتور الجزار، تبين لك أنك تطارد سرابا، وأن حكاية «الإصلاحي» هذه لا تقال عنهما، ولا عن غيرهما في هذه الجماعة المتخلفة عن العصر، إلا على سبيل توزيع الأدوار، وإلا على سبيل الرغبة في رسم صورة غير حقيقية عنها كجماعة، وإلا على سبيل الترويج لبضاعة ليست متاحة في السوق عندهم أصلا!
اللافت للانتباه بالفعل، أنها ليست المرة الأولى، التي يجد الدكتور بشر نفسه، مدعوا فيها إلى مناسبة من نوع لجنة تقصي حقائق 30 يونيو، ثم يتراجع في آخر لحظة، وكأنه يأبى إلا أن يبتعد عن أي شيء من شأنه أن يبيض وجه جماعته، بأي مقدار!
والمهم هنا، أن نسأل أنفسنا عما إذا كان إقباله في كل مرة، وكذلك تراجعه، نابعين من دماغه، أم أن المسكين يظل شأن غيره في الجماعة، أسيرا لتعليمات واحد، أو حتى اثنين، أو ثلاثة فيها، قادوها إلى الهلاك، ومع ذلك لا يزال أمرها في أيديهم، ولا يزال رجل، المفروض أنه صاحب عقل، مثل الدكتور بشر، يسمح لنفسه بأن يبقى ألعوبة في أيدي آخرين هكذا!
إذ عندما وافق هو، في العلن، على أن يحضر أمام اللجنة، وأن يدلي أمامها بما عنده، عن اعتصام رابعة والنهضة بشكل خاص، ظن كثيرون أن هذه بداية لأن يكون للعقل مكان في رؤوس الإخوان، وأن وجود رجل مثل الجزار، خارج الأسوار، لا بد أن يكون داعما لهذا التوجه لدى الدكتور بشر، وأنهما معا يمكن لو أخلصا النية لنفسيهما، ثم لبلدهما، أن ينتشلا جماعتهما من المنحدر الذي تدفع نفسها إلى سفحه في كل يوم، وأن.. وأن.. إلى آخر ما يمكن أن يطوف بذهن المتابع للحال، منذ سقوط الإخوان.
ولكن.. في لحظة.. يتضح أمام أي عاقل، أنه لا الجزار يمكن اعتباره قياديا، ولا بشر، وأنهما مقودان إلى حيث يشار لهما، وأن الرهان عليهما، وعلى الذين يشبهونهما في داخل الجماعة، يخسر في كل مرة، وأن الجماعة الإخوانية، مع هذه النوعية من الأسماء التي تتحكم في مسيرتها، ومصيرها، ليست في حاجة أبدا إلى أعداء من خارجها!