في عام 1908 عندما كانت السينما في بداياتها قام مخرج وممثل شاب مغمور بإقناع شركة «بيوغراف» بصلاحيته لأن يخرج الأفلام عوض التمثيل فيها، كانت النتيجة فيلما عنوانه «مغامرات دولي».
هذا المخرج كان ديفيد وورك غريفيث الذي ارتفع شأنه بعد ذلك وأصبح من أعلام مخرجي السينما الصامتة وبعض الناطقة. والفيلم الذي أقنع به شركة «بيوغراف» كان هذا الفيلم تحديدا الذي تطرّق لموضوع خطف الأطفال. لم يكن هذا الفيلم هو أول فيلم عن موضوع خطف أفراد من العائلة. قبله بـ4 سنوات، وحسب ما كشفت عنه سجلات «معهد الفيلم البريطاني» في لندن، هناك فيلم سبق تجربة غريفيث هذه بـ4 سنوات بعنوان «خاطفو الطفل» أخرجه ألْف كولينز، الذي كان من أكثر مخرجي السينما البريطانية نشاطا؛ إذ قدم 229 فيلما ما بين 1902 و1912 (معظمها قصير). كذلك فإن أحد الأفلام التي مثّلها غريفيث قبل تحوّله إلى الإخراج كان «مغامرتها الأولى» Her First Adventure الذي أخرجه الأميركي والاس ماكتوشيون لحساب «بيوغراف» أيضا وتناول الموضوع ذاته.
بعد ذلك شاع استخدام فكرة الخطف موضوعا في الأفلام. سنجده في أكثر من ألف فيلم أميركي من ذلك التاريخ، وربما أكثر من ذلك في أفلام دول أخرى (إذا عددنا أن عدد الأفلام الهندية المنتجة 1000 فيلم في السنة منذ 80 سنة، وأن 100 فيلم منها في كل عام يحتوي على حكاية خطف، فإن المجموع الهندي وحده 800 فيلم).
ما لن نجده كثيرا، وعلى النحو الذي نجده اليوم، هو ربط الخطف أكثر وأكثر بالشأن العائلي. في الأفلام التي تناولت هذه الفكرة نجد أن المخطوف ينتمي إلى أسرة ما، قد تكون عسكرية (في أفلام الحروب) أو قد ينتمي إلى أحد ثنائي علاقة حب (زوجة أو صديقة... إلخ) أو عائلية. هذه الأخيرة كثيرا ما شهدت تصوير الأب أو الأم أو الزوج أو أي اثنين من هذه الشخصيات في حالة هلع، وعلى البوليس التدخل لاكتشاف الخاطف وفك أسر الفتاة.
الجديد في الأعوام القليلة الماضية هو التأكيد على الروابط العائلية أكثر مما فعلته غالبية أفلام الأمس. لا يعني ذلك أن هذا النوع من الأفلام لم يكن موجودا من قبل، لكنه لم يكن موجودا كثيرا لصالح غالبية من الأفلام تبحث في الشأن الجنائي والبوليسي والمغامراتي أكثر مما تبحث في الشأن الاجتماعي والأسري للمخطوفين ومن يتولّى مهام البحث عنهم ومحاولة إنقاذهم.
* نصف المسافة
* الفيلم الحالي «نزهة بين شواهد القبور» (إخراج سكوت فرانك) حريص على إبراز هذه المسألة، لكن اللافت فيه هو أن العائلات التي تعاني من خطف أفراد منها هي عائلات اغتنت بفعل تجارة المخدّرات. هذا لافت لأنه من المفترض أن تكون العائلة الضحية على قدر من المثالية ولا مشكلات لها مع القانون كما في فيلم دنيس فينيوف «سجناء» (2013) مع هيو جاكمان وجايك جيلنهول. لكن الحكاية في «نزهة بين شواهد القبور»، كما كتبها الروائي البوليسي لورنس بلوك، تنص على أن المخطوفين هم زوجات وبنات تجار مخدّرات.
اللافت أكثر أن الفيلم لا يتّخذ موقفا أخلاقيا ما من هذه الحالة. لن تجد بطله (ليام نيسون) يلقي خطابا من نوع: «لقد جلبتم هذا على أنفسكم». ما تجده بالفعل هو وجوه متوترة للأزواج - الآباء تعكس القلق والتفاني العائلي مثل أي رب عائلة شريف كسب ثروته من وراء الزراعة مثلا أو افتتاح سلسلة من المطاعم.
«سجناء» حاول قلب الطاولة رأسا على عقب: الخاطف (وقبل أن يتأكد لأحد أنه الخاطف فعلا) يتحوّل إلى مخطوف. لقد بلغ اندفاع الأب جاكمان بحثا عن ابنته الصغيرة حد خطف المتّهم وتعذيبه. بذلك ينتقل من صنف الأبرياء إلى صنف الأشقياء كونه واجه الجريمة بالجريمة والعنف بالعنف، بل زاد في ذلك لأن أحدا لم يتعرّض للفتاة المخطوفة (فتاتان في الواقع بالنظر إلى أن ابنة الجيران أيضا خطفت في الوقت ذاته) بالتعذيب على عكس ما قام به الأب الهلع جاكمان؛ إذ قام بتعذيب المتهم بالخطف من دون رحمة.
في مطلع هذا العام شاهدنا أيضا «توكاريف» والضحية هو نصف المسافة بين الإنسان السليم والمجرم الطليق. إنه متمثل برجل اسمه «بول» (نيكولاس كايج) الذي يعيش الآن حياة مستقرّة وهادئة بعدما أقلع عن أسباب الجريمة بعد خروجه من السجن. لكن حين يجري اختطاف ابنته، فإن الوضع يختلف وينطلق بول ليكتشف الجناة ويحقق العدالة المفقودة بقتلهم أو دفع فريقين منهم لقتال بعضهم البعض كنوع من تبرير أفعاله ودفعها الملامة بعيدا عنه.
* بلا سبب ظاهر
* ولا ريب أن حال الدنيا هو واحد من تلك الأسباب التي تجعل أفلام الخطف منتشرة (أكثر من 10 أفلام في العامين الأخيرين). إنه حال غير مستقر وفيه نوعان من المجرمين: أولئك الفرديون الذين يتحرّكون على مساحات داخلية صغيرة لدوافع جنسية ونفسية أو مالية - مادية، وأولئك المنتمون إلى عصابات ومجموعات مسلّحة يعملون على نطاق واسع ويخطفون لأسباب متعددة من بينها التجارة بالبشر.
«مخطوفة» (لبيير موريل) سنة 2008 كان الأول في هذا النوع من الأفلام: البطل هنا هو عميل «سي آي إيه» سابق (ليام نيسون) لكن هذه الوظيفة لا علاقة لها بالسبب الذي يخطف له رجال عصابة تعيش في باريس ابنته وصديقتها. المسألة ليست سياسية أو انتقام من الوكالة الأميركية لسوء فعلها في بلد ما. أهميّتها هو التدليل على قوّة بطل الفيلم في المجابهة وخبرته القتالية. هذا الفيلم فتح الطريق واسعا أمام عملين آخرين من هذه السلسلة الأول عرض سنة 2011 وفيه قام المجرمون باختطاف الزوجة في تركيا، أما الثاني فتصويره انتهى وسيعرض في العام المقبل، وهناك عدد آخر من الأفلام ذات الشرارة المشابهة بينها «3 أيام للقتل» (إخراج McG) و«رجل نوفمبر» (روجر دونالدسون) و«المستشار» (ريدلي سكوت) والثلاثة من أعمال هذه السنة.
في فيلم سبايك لي «أولدبوي» (المأخوذ عن فيلم كوري لتشان - ووك بارك، 2003) نجد جوش برولين مخطوفا من دون سبب ظاهر. مودع داخل غرفة كبيرة (تشبه شقّة فندقية) فيها جهاز تلفزيون وباب موصد، إلا من فتحة صغيرة يجري دفع الطعام والشراب منها. حين يشق طريقه ويخرج بعد سنوات باحثا عمن سجنه، يلتقي فتاة شابّة يكتشف لاحقا إنها ابنته وأن «أجندة» الخاطف ما زالت متوالية.
ما يثير الاهتمام في «نزهة بين شواهد القبور» أن الرجل الذي يستعيد حريّة إحدى المخطوفات يعيش بلا عائلة.
* «لا تنطق بكلمة»
* بعض الأفلام تتمادى بتصوير المبرر العائلي إذا ما استخدمت هويّة الخاطفين لتسجيل أهداف سياسية. أحد هذه الأفلام «لا تنطق بكلمة» Don›t Say A Word حول الطبيب (مايكل دوغلاس) الذي قام أشرار سود وآخرون غير أميركيين بخطف ابنته. الفيلم حط مباشرة بعد كارثة نيويورك سنة 2001 مع حمولة كبيرة من الدعوة لحماية العنصر الأبيض من العناصر الأخرى.