نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

الخطب الثلاث

شهد منبر الأمم المتحدة ثلاث خطب نعت العملية السياسية الفلسطينية - الإسرائيلية.
الخطباء الثلاثة هم الأطراف الأساسية في الجهود السياسية التي جرت على مدى عقدين من الزمن، وحسب الترتيب في وقت إلقاء الخطب كان الرئيس باراك أوباما هو الأول، والرئيس محمود عباس هو الثاني، والرئيس بنيامين نتنياهو الثالث، وبعد هذه الخطب الثلاث لم يعد هنالك من عملية سلام في الشرق الأوسط.
الرئيس أوباما وجه طعنة مميتة للعملية حين نقل الولايات المتحدة من دور الراعي المزمن، وربما العراب التقليدي، إلى دور الجالس على قارعة الطريق انتظارا لنجاح عباس ونتنياهو في التوصل إلى حلول لجميع القضايا المستحيلة، ليس ذلك فحسب، وإنما أدخل إلى اللغة السياسية الأميركية مصطلحا جديدا أرعب الفلسطينيين وأفرح الإسرائيليين، وهذا المصطلح يقول، وربما لأول مرة في التاريخ، إن القضية الفلسطينية ليست هي سبب المشكلات الراهنة في الشرق الأوسط، وبالتالي ودون أن يقول مباشرة فبالإمكان وضعها على الرف حتى تغلق كل الملفات، وهي بالمناسبة من النوع الذي لا يغلق.
لم يحرر أوباما شهادة وفاة للجهود الأميركية بشأن القضية الفلسطينية، إلا أنه فعل ذلك ضمنا.
أما محمود عباس الذي عبر عن خيبة أمله بأوباما من خلال خطاب شديد اللهجة ضد إسرائيل، فقد التقط مغزى خطاب العراب وأعلن ما لم يكن يعلن من قبل، وخصوصا على صعيد اعتبار المفاوضات التي تمت بمثابة عمل عبثي لا طائل من ورائه، وهذا يعني حين يصدر من فم الرئيس عباس نوعا من النقد الذاتي الذي يفضي حتما إلى إعلان صريح بوفاة مفاوضات توشك على إكمال ربع قرن من الزمان دون نتيجة تذكر.
ولعل خطاب عباس في الأمم المتحدة، وبلهجته المتعمدة القسوة، يجعل من العودة إلى المفاوضات أمرا مستحيلا، ما يعني صراحة ودون مواربة، أننا على أبواب مرحلة جديدة فيها من الغموض أكثر بكثير مما فيها من المخارج الفعالة.
أما بنيامين نتنياهو فقد نقل الجميع إلى مسار آخر.. فقد طرح مفهوما جديدا للسلام يناقض المفهوم الذي ساد عقودا من الزمن، إذ طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي فكرة تضع القضية الفلسطينية في قاع الأجندة؛ فهو يريد تحالفا إسرائيليا عربيا لمحاربة «داعش»، وربما أمورا أخرى، وبعد أن يتجسد هذا التحالف سياسيا وعمليا ينبثق ما وصفه بالحل التاريخي للقضية الفلسطينية، ولعل الدليل على عبثية هذا المنطق الجديد، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وقبل أن يتوجه إلى الأمم المتحدة، أعلن ومن دون مناسبة، أن المبادرة العربية للسلام لم تعد صالحة، بما يعني أنه يسعى لأجندة عربية إسرائيلية تسقط القضية الفلسطينية لمصلحة قضية أخرى هي الحرب على الإرهاب.
إن منطق نتنياهو هذا وإن كان مدمرا للقضية الفلسطينية، إلا أنه يصطدم حتما بمعادلة عربية تعتبر حل القضية الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية هو جوهر الالتزام العربي الشعبي والرسمي بالقضية الفلسطينية.
وبمنطق الحسابات والواقع فما الذي يجعل العرب يغيرون أولوياتهم، بل وحتى يقلبون مفاهيمهم رأسا على عقب، لأن إسرائيل تدعي قدرة على تخليصهم وتخليص العالم من «داعش» وأمثالها.
لقد تحطمت معادلة قديمة بنيت في مرحلة ما على أمل تحقيق سلام فلسطيني - إسرائيلي وعربي – إسرائيلي، وحتى إسلامي - إسرائيلي، والخطر هنا لا يكمن في تحطيم هذه المعادلة، وإنما في غموض ما بعدها وفيما يمكن أن ينشأ من مفاجآت تزيد الوضع المعقد في الشرق الأوسط تعقيدا، وأخشى القول إن تدمير المعادلة القديمة دون تحضير دولي وإقليمي لمعادلة بديلة، قد يجعلنا جميعا، أميركيين وفلسطينيين وإسرائيليين وعربا، نندم على ما فعلنا.