خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من طرائف الحج

كلا العيدين، عيد الفطر وعيد الأضحى، ارتبطا بمسرات المسلمين. فالمسرة والبهجة والمحبة هي ما يهديه الإسلام للمؤمنين. وهكذا، فإذا اشتهر عيد الفطر بحلوياته فعيد الأضحى اشتهر بأضحياته. وعلى هذا السياق أقول، كما اشتهر عيد الفطر بأناشيده وطرائفه فقد عرف عن عيد الأضحى الكثير من طرائف حكاياته وغرائب أسفاره. ارتبطت شعبيته بالكثير من الأمثال والأشعار الشعبية المتداولة بين سائر الشعوب الإسلامية. وكذا تندر الظرفاء بسلوك الوافدين للحج. سمعوا أعرابيا يمسك بجدران الكعبة المشرفة ويقول: «يا رب، اغفر لي ذنوبي قبل أن يزحمك الآخرون بطلباتهم».
الحكايات والطرائف كثيرة، ولكنني سمعت من أحد موظفي شركة الخطوط الجوية العراقية هذه الطرفة الغريبة والمؤنسة. قال: إنه عند تأسيس هذه الشركة في الثلاثينات، لم تكن هناك طائرات جامبو أو بوينغ أو كونكورد لتحمل مئات الركاب في سفرة واحدة. فابتاعت الشركة من بريطانيا طائرتين من طراز دوف تتسع الواحدة منهما لـ8 ركاب فقط، مع طائرتين من طراز فايكنغ تتسع كل واحدة لـ18 راكبا.
شاءت الشركة أن تبدأ أعمالها بالتبرك بموسم الحج وذلك بنقل عدد من الحجاج العراقيين إلى الديار المقدسة. اقتضى ذلك الكثير من الدعاية والترويج لإقناع الناس بسلامة السفر الجوي ومتانة هذه الطائرات الإنجليزية، يوم كان العالم يعتز بالصناعة البريطانية. وقبل كل شيء، وإذا حدث مكروه، فمن يموت بسقوط الطائرة سيكون مصيره الجنة لموته أثناء السعي للحج.
ما انطلقت بهم الطائرة الخفيفة نسبيا حتى راحت تترنح بالمطبات والتيارات الهوائية فتثير الرعب في نفوس ركابها. «لا، لا تخافون يا إخوان. هذي مطبات مثل طسات السيارات. الطيارة تنزل وترد تصعد».
بيد أن القبطان الإنجليزي لم يستمع لذلك وتملكه خوف حقيقي عندما لاحظ أن الطائرة أخذت تضطرب بشكل غير طبيعي تماما في طريقها إلى المطار، إذ راحت تهبط بأنفها بما يدعوه لتصحيح طيرانها فيسحب عتلة القيادة نحو رفعها للأعلى. تستقيم قليلا ثم تعود فترفع صدرها بعنف ويسرع هو لتغيير وضع العتلة بما يتفادى ذلك. ولكن الأمر راح يتكرر برتابة عجيبة. نظر من الشباك فلم يجد أي عيب في وضع الجناحين. وحار في أمره. بعث بالمساعد لينظر من الخلف ما إذا كان هناك أي خلل في ذيل الطائرة. وراح يسترسل في تفكيره. قد يكون الأمر معجزة من المعجزات.
عاد المساعد وعلى وجهه ابتسامة عجيبة. ما إن دخل قمرة الركاب حتى رآهم يؤدون صلاتهم سجودا وركوعا وقياما وقعودا، وفي كل حركة كان مركز ثقلهم ينتقل أماما ووراء بما يؤثر على اتزان الطائرة الخفيفة. وأرجو أن أكون أول من يسجل هذه الظاهرة الفريدة في سجل النقل الجوي العالمي.