د. روري ميلر
أستاذ القضايا الحكومية في كلية الشؤون الخارجية في جامعة «جورج تاون قطر»
TT

المتطرفون وكابوس امتلاك أسلحة الدمار الشامل

وردت أخيرا تقارير حول حصول أجهزة الأمن الغربية على جهاز كومبيوتر محمول لأحد عناصر تنظيم داعش يتضمن خططا وتفاصيل حول كيفية استخدام الأسلحة البيولوجية.
إن حقيقة أن يكون هناك رابط بين هذا التنظيم وتلك الأسلحة هي، بلا شك، سيناريو خطير يبعث على القلق الشديد.
وكان هانز جورج ماسن، رئيس وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية، قد صرح بأن تنظيم داعش سبق نظراءه من الجماعات المتشددة، بما فيها تنظيم «القاعدة»، في ما يتعلق بمدى «الأعمال اللاإنسانية والتطرف والعنف».
لا بد إذن أن نأخذ مثل هذه التصريحات الخطيرة على محمل الجد. لذلك، ينبغي على كل من يقف ضد تنظيم داعش أن يبذل المزيد من الجهد لمواجهة تطرفه، خاصة في ما يتعلق بجمع المعلومات والاستخبارات الكافية على أرض الواقع.
وفي المقابل، من الضروري أيضا أن نتذكر ثلاثة عوامل أساسية تسهم في وضع مثل هذه التهديدات ضمن إطارها الصحيح والمناسب.
أولا، إن طموحات «داعش» لا تعتبر ظاهرة جديدة، وليس المتشددون هم الجهة الوحيدة التي تسعى إلى امتلاك أسلحة غير تقليدية. كما لم تحقق أي مجموعة متطرفة حتى الآن نجاحا يذكر في الحصول على مثل هذه الأسلحة.
وإذا عدنا إلى صفحات التاريخ، نجد بعض مثيري الفوضى كالألماني كارل هاينزن، الذي تحدث عن وجوب استخدام الغاز السام من أجل تغيير النظام السائد آنذاك. والأمر نفسه نجده أيضا عند الثائرين البريطانيين الذين كانوا يخططون لاستخدام الغاز السام في مجلس العموم البريطاني في سبعينات القرن التاسع عشر.
وفي وقت لاحق، سعت مجموعات أخرى إلى حيازة هذا النوع من الأسلحة؛ فمثلا، عملت جماعة الجيش الأحمر على تخزين عينات من مادة توكسين البوتولينوم في أحد منازل العاصمة الفرنسية باريس، كما عمدت مجموعة «بادر ماينهوف» إلى سرقة غاز الخردل، ناهيك عن بعض المجموعات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة الأميركية مثل مجموعة «مجلس وطنيي مينيسوتا» التي تم القبض عليها وهي تخزن مادة «الريسين». وأما مجموعة «الأمة الآرية» في ولاية أيداهو الأميركية فقد طلبت الحصول على بكتيريا الطاعون الدبلي (وهي المادة نفسها التي كان تنظيم داعش يخطط لتحضيرها وفقا لتقارير إخبارية) عبر البريد من مزود للمواد الكيماوية في ولاية ماريلاند.
ومن أبرز الأمثلة في هذا الخصوص «طائفة أوم» اليابانية التي تبني معتقداتها على بعض التعاليم المستعارة من الهندوسية والبوذية. فقد شاركت هذه الطائفة في برنامج ممنهج خلال تسعينات القرن الماضي لتطوير أسلحة بيولوجية، واستخدمت ميكروبات وبائية فتاكة وسموما جرثومية، مستهدفة بذلك عددا من المقرات الرفيعة والمهمة مثل البرلمان الياباني والقصر الإمبراطوري ومقر الأسطول السابع الأميركي. ثم اختتمت الطائفة أعمالها في عام 1995 باستخدامها غاز السارين السام داخل مترو الأنفاق في اليابان، مسببة بذلك في موت 12 شخصا وتسمم الآلاف.
وكما تشير الأمثلة والحالات المذكورة أعلاه، شكلت المعتقدات التخريبية والآيديولوجيات العنصرية والثورات اليسارية دافعا رئيسيا وراء سعي تلك المجموعات إلى حيازة الأسلحة البيولوجية والكيماوية، وهذا الأمر ينطبق أيضا على المجموعات الإسلامية المتطرفة.
والأهم من كل ما سبق هو أن الحالات المذكورة تدل بشكل واضح على أن النوايا باستخدام الأسلحة لا توازي الإمكانات أو القدرات المتوافرة.
وكان تقرير أصدره «مكتب التقييم التكنولوجي الأميركي» في عام 1993 قد تحدث عن أن تهيئة مثل هذه الأسلحة تحتاج إلى ظروف مثالية وخاصة، إذ قدر بأن على الإرهابيين تحضير طن كامل من غاز السارين في أفضل الظروف على الإطلاق لاستخدامه في مناطق مزدحمة بالسكان بالتزامن مع تفجير عدد كبير من الأسلحة حتى يتسببوا في نهاية الأمر في مقتل 3000 إلى 8000 شخص.
وإذا كانت حالة الطقس غير مثالية لهذا الأمر (أي عند وجود رياح معتدلة السرعة أو في وجود أشعة شمس ساطعة)، فإن عدد الوفيات لن يتجاوز عُشر التقديرات أعلاه.
لكن في الوقت الذي نجد فيه أن استخدام الأسلحة البيولوجية أو الكيماوية بفعالية أمر صعب على أرض الواقع (كما حدث مع المحاولات الفاشلة لطائفة أوم اليابانية)، فإن مثل هذه العمليات أو المخططات قد توقع مئات الضحايا، فضلا عن الذعر والفوضى الشاملة التي تنتج عنها. ومن هذا المنطلق، يتعين علينا التعلم من التجارب والدروس المستفادة مع تنظيم «القاعدة».
ففي الفترة الممتدة من 1998 إلى 2001، أكد زعيم تنظيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن على أن حيازة أسلحة الدمار الشامل واجب ديني. وكما تشير عمليات تفجير السفارة الأميركية في أفريقيا، والهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، فقد عمل تنظيم «القاعدة» ضمن مبدأ يقر بأنه ما دامت الهجمات أكبر وأكثر شمولا، سيكون عدد الضحايا أكبر وستكون الفائدة للقضية أوسع. وفي هذا الخصوص تعد الأسلحة البيولوجية، التي تعتبر رخيصة التحضير والصنع ولديها القدرة على إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، خيارا تكتيكيا واستراتيجيا. لا شك أن «القاعدة»، ومجموعات إرهابية أخرى، كانت من مناصري فلسفة أسلحة الدمار الشامل. وقد اعترف بعض أعضاء التنظيم، مثل أحمد رسام الذي أدين بتهمة التخطيط لتفجير مطار لوس أنجليس في عام 1999، بعمل «القاعدة» على تدريب المجندين لاستخدام المواد السامة. لكن معظم الأدلة التي تشير إلى مدى التورط الفعلي للتنظيم في سعيه نحو حيازة مثل هذه الأسلحة كانت عرضية.
يخبرنا التاريخ بأن العامل الأهم الذي يقرر استخدام التنظيمات الإرهابية هذه الأسلحة من عدمه، سواء أكانت «طائفة أوم» أو تنظيم «القاعدة» أو غيرهما من الجماعات، ليس الرادع الأخلاقي في الحقيقة لكن مدى قدرة تلك التنظيمات على حيازة الأسلحة السامة واستخدامها.
لا يوجد حتى الآن أي دليل قاطع بأن تنظيم داعش سينجح مستقبلا في هذا الأمر في الوقت الذي فشلت فيه التنظيمات والمجموعات الأخرى سابقا.

* أستاذ القضايا الحكومية في كلية الشؤون الخارجية في جامعة «جورج تاون قطر»