حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

قراءة لفهم الآخر!

الأحداث السياسية المتلاحقة التي تدعو للتفكير والتأمل، عادة ما تكون ملهمة لكبار الكتاب أن يقدموا نظرة تحليلية عميقة، وذلك في محاولة قراءة وتفسير ما يحصل على أرض الواقع. وصدر في الآونة الأخيرة 3 كتب في غاية الأهمية وينطبق عليها هذا التوصيف تماما؛ الكتاب الأول كان لكارين آرمسترونغ، المتخصصة في كتابة تاريخ الأديان والشخصيات الدينية، وهي صاحبة المؤلفات المشهورة والأكثر مبيعا، مثل: «الإسلام»، و«بوذا»، و«محمد»، وغيرها من الكتب المهمة، وهي تأتي من خلفية كونها راهبة سابقة وباحثة متعمقة في الأديان المقارنة، يؤهلها ذلك الأمر بامتياز شديد.
وفي كتابها الأخير تحت عنوان «حقول الدماء» تحاول آرمسترونغ رصد وبحث ودراسة وتاريخ العلاقة القديمة والمتأزمة بين الدين والعنف في التاريخ الإنساني المعقد، وهي تنطلق في بحثها المعقد هذا تحت سؤال أساسي واسع وكبير، وهو هل من الممكن أن نفهم العنف باسم الدين على أساس أنه رد فعل ضد التحرك العلماني واستفزازاته وحتى التعامل معه على أنه مجرد أسطورة فقط؟ وهو سؤال جدلي ومهم جدا.
الكتاب الثاني الذي قرأته كان للباحث الأميركي المعروف فرانسيس فوكوياما، صاحب الكتاب الشهير «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، الذي كتبه بعد سقوط شيوعية الاتحاد السوفياتي و«انتصار» الغرب وحضارة الحرية الاقتصادية والديمقراطية. الكتاب الجديد هو كتاب بعنوان «النظام السياسي والاهتراء السياسي»، وهو مراجعة مهمة للتطور الذي حصل للفكر السياسي بشكل عام على مدار التاريخ الإنساني، وذلك تحديدا في فترة الثورة الصناعية حتى التاريخ المعاصر؛ فهو «يشكك» في انتصار الليبرالية الديمقراطية، ويعتبر أن الحفاوة بهذا الانتصار جاءت مبكرة للغاية، وفيها كثير من النظرة الوردية المبسطة جدا، وهو يتوقع ويقول إن هذا التحول الحاصل في العالم تجاه الديمقراطية والليبرالية سيطول أميركا نفسها من الداخل، فهي لن تستثنى من التغيرات الحاصلة عالميا. الكتاب الضخم بحجمه الذي يتجاوز عدد صفحاته الـ600 صفحة يغطي أحداثا تاريخية وحالية بشكل لافت ومهم، وظهور هتلر على الساحة السياسية عن طريق الديمقراطية وصناديقها، والتحديات التي واجهتها الديمقراطية حاليا في أوكرانيا، والربيع العربي، وإيران، وأفغانستان، على سبيل المثال لا الحصر.
الكتاب الثالث هو الإصدار الأخير لثعلب السياسة الأميركية العجوز المخضرم، هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأسبق أيام حقبة الرئيس ريتشارد نيكسون، وهو معنون بعنوان بسيط، ولكن المهم: «النظام العالمي»، يسرد فيه كيسنجر تشريحا دقيقا من منظور تاريخي بحت، إيمانا منه بضرورة مراجعة التاريخ لمعرفة أسباب وصولنا لما نحن فيه اليوم. الكتاب يراجع أهم الأحداث من منظور تاريخي بحت، الذي أوصلنا لما يسميه اليوم كيسنجر «نظاما عالميا جديدا» يخضع لرؤية شاملة مختلفة. ويفند كيسنجر تداعيات التأثير الأوروبي الهائل (كونه متأثرا بتداعيات أحداث الحربين العالميتين، الأولى والثانية، خصوصا أنه أوروبي ويهودي ألماني تأثر بشكل درامي وشخصي بذلك).
الكتب الثلاثة، قراءة مهمة ولها توقيت في غاية الأهمية والإثارة، لأنها جميعا تعكس سردا تاريخيا وسياسيا للكثير من المبادئ والأفكار والقيم السياسية اللافتة التي تقوم عليها الصراعات العقائدية في العالم بأسره حاليا، سواء أكان ذلك تحت غطاء الدين أو الاقتصاد، ويبرر إسالة الدماء باسم الدفاع عن ذلك الأمر.هذه الكتب إثراء مهم للساحة الفكرية تفتح نافذة للمهتمين بمعرفة كيف يفكر الغرب، وكيف يقيم مسارات تطوره السياسي، ويعيد نقد ذاته بنفسه، وهي مراحل مهمة في مسيرات تطور الشعوب والأمم.
في زمن خفت فيه جرعة القراءة المؤثرة، وبات الاعتماد على حروف مختصرة لتحكي قصة كبيرة، تأتي إلينا بين الفترة والأخرى عناوين مؤثرة من الكتب تجعلنا نتذكر أهمية القراءة المعمقة لفهم الآخر!